21-أغسطس-2017

جيمس بالدوين يتحدث في مونتغومري (Getty)

جاءت أحداث شارلوتسفيل الأخيرة لتذّكر بالانقسامات العرقية داخل المجتمع الأمريكي. هنا وقفة مع خمسة كتب تعود إلى الجذور. ترجم هذا المقال عن صحيفة "الغارديان" البريطانية.


كلما ظن المرء أن العالم أصبح قرية واحدة يتقبل بعضه بعضًا، ويُعضدُ بعضه بعضًا، خاصةً في الدول الحديثة المستقرة التي لا يهددها اقتصاد متداعٍ، ولا حروب أهلية طاحنة ولا مجاعات، خاب ظنه وظهرت الخلافات العرقية لتهدد حتى وحدة "المجتمع الأمريكي" الذي يراه البعض أكثر المجتمعات الحديثة تحضرًا. حيثُ أظهرت أحداث شارلوتسفيل (وهي أحداث جرت في أغسطس -الجاري- حيث اندلعت اشتباكات بين متظاهرين من القوميين البيض ومحتجين مناوئين لهم. تسببت بحالة من أعمال العنف قُتل على إثرها مواطنة أمريكية من المتظاهرين).

كلما ظن المرء أن العالم أصبح قرية واحدة يتقبل بعضه بعضًا خاب ظنه 

يرجع سبب التظاهرة من الأساس احتجاجًا على خطة المدينة إزالة تمثال الجنرال روبرت لي (الذي قاد القوات الكونفدرالية في الحرب الأهلية الأمريكية). فعلى الرغم من أن المسيرة -الجديدة- حسب الصور الملتقطة لها تبدو وكأنها ارتداد لمسيرات الكو كلوكس كلان في عشرينيات القرن الماضي، ولسوء الحظ، لم تعد تجمعات الكراهية تلك شيئًا من الماضي. فمنذ عام 2014، ازدادت أعداد هذه المجموعات في جميع أنحاء البلاد بنسبة 17%، لكي تصل إلى 917 مجموعة في الولايات المتحدة الأمريكية. وذلك وفقًا لتقرير "مركز قانون الحاجة الجنوبي" وهي منظمة أمريكية شرعية -غير ربحية- متخصصة في حقوق المواطنين ودعاوى الرأي العام. اشتهرت بانتصاراتها القانونية ضد سيادة البيض، وتمثيلها القانوني لضحايا التمييز العنصري.

اقرأ/ي أيضًا: 5 من أجمل الأفلام عن تاريخ السود في أمريكا

العنصريون الطيبون

لم يكن رد الرئيس الأمريكي الجديد نسبيًا دونالد ترامب إلا خيطًا يكمل تصرفاته المثيرة للجدل؛ استغرق الأمر منه يومين كاملين لإدانة المنادين بتفوق العنصر الأبيض، الذين نظموا المسيرة الأخيرة لحركة "البديل الأبيض" في شارلوتسفيل. والتي أسفرت عن مقتل ناشطة الحقوق المدنية هيذر هيير.

حيث جاء تعقيب الرئيس الأمريكي على تلك الأحداث مناديًا بأهمية تفهم أفعال عناصر هذه الفئة من القوميين البيض؛ فهم "أناس طيبون" لم يسعوا لتخطيط لذلك. ولكن وفقًا لما أشار إليه سيث مايرز (مقدم تلفزيوني): "من غير المعقول أن يشارك أحد ما في مسيرة لعنصريين بيض عن طريق الصدفة!".

ومن الجدير بالذكر أن هذه الأحداث تذكرنا بمدى عمق الانقسام العرقي في الولايات المتحدة الذي لم ينتهِ كما كنا نظن بداية أفوله في السبعينيات والثمانينيات القرن الماضي. وللتعرف على جذور هذه المشكلة أكثر.. يوصي بعض أساتذة التاريخ وقادة المجتمع بقراءة بعض الكتب الهامة التي تحلل هذه الكارثة المجتمعية المحدقة.

فهناك الكثير الذي يجب معرفته عن تاريخ العنصرية البيضاء في الولايات المتحدة، ليس فقط من خلال ترامب – والذي قال عنه "ستيفن كولبرت "يوم الأربعاء الماضي أنه: "جد عنصري". وهذا بقراءة خمسة كتب تاريخية، تسلط الضوء على عنصرية البيض في البلاد.

1. العبودية والدعاية والثورة الأمريكية 

نُشر هذا الكتاب عام 1998 (مؤلفته باتريشيا برادلي تعيش في ولاية ميسيسيبي) ويوضح الكتاب أصل حركة الدعاية خلال فترة الثورة الأمريكية. فقد كانت صحيفة "بوسطن جازيت" التي صدرت بين عامي (1719 - 1798) من أهم الصحف إبان فترة انفصال أمريكا عن بريطانيا العظمى. إلا أن الصحيفة ضللت قراءها من خلال تشويه الحقائق ونشر الأخبار الكاذبة عن العبودية، لمواجهة الحركة القوية المناهضة للعبودية. إذ استبعدت المقالات المناهضة للعبودية، ورفضت نشر عرائض العبيد.

تقول باربرا لويس (مديرة معهد تروتر لدراسات السود الثقافية بجامعة ماساتشوستس في ولاية بوسطن الأمريكية ): "لقد رفضت الثورة الأمريكية أن تعتبر العبيد بشرًا، على الرغم من خطابات الحرب الرنانة عن العبودية". وتضيف "إن التاريخ الذي نسرده ونرويه على الملأ لأنفسنا وأطفالنا -التاريخ الذي نقدسه كما لو كان دينًا- يستحق المراجعة. إلا أنه من الواضح أن ترامب لا يريد مزيدًا من التوتر".

2. الغضب الأبيض: الحقيقة الخفية وراء انقسامنا العنصري

يبين هذا الكتاب كيف عطلت عنصرية البيض تقدم الحقوق المدنية الأمريكية على مدار المئة وخمسون عامًا الماضية حقوق السود فيما يتعلق بالاحتياجات الإنسانية الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم والإسكان.

ترجع بدايات الكتاب الحائز على (جائزة الدائرة الوطنية لنقاد الكتب) إلى المقال الافتتاحي لصحيفة الواشنطن بوست بعد أحداث الشغب التي اندلعت في فيرغسون ميزوري. والتي أسفرت عن مقتل رجل أسود غير مسلح يدعى مايكل براون على يد ضابط شرطة أبيض. بينما انتقدت بعض وسائل الإعلام تلك الاضطرابات واصفةً إياها "بالغضب الأسود". بينما أشارت كارول أندرسون مؤلفة الكتاب وأستاذة الدراسات الأفرو-أمريكية بجامعة إيموري إلى "الغضب الأبيض في العمل".

عطلت عنصرية البيض تقدم الحقوق المدنية الأمريكية على مدار المئة وخمسون عامًا الماضية حقوق السود

تقول أماندا بارنس (نائب مدير الشبكة الأمريكية لحقوق الإنسان): "إذا كنت تتساءل، كيف وصلنا إلى هذه المرحلة؟، بعد الأحداث التي وقعت في شارلوتسفيل- قد يساعدك هذا الكتاب في الإجابة على هذا السؤال". وتضيف "كثير من الناس مستمرون في إنكار دور العنصرية البيضاء في الولايات المتحدة. فحتى الآن هم غير مستعدين أو غير قادرين على تمييز الغضب الأبيض، رغم ظهوره مناديًا بالعنف وارتكاب الجريمة كما حدث في شارلوتسفيل".

اقرأ/ي أيضًا: البحث عن أفريقيا

3. الرحلة البيضاء: أتلانتا وصناعة الفكر المحافظ المعاصر

حاز هذا الكتاب على ثلاث جوائز في (2007) إذ يرجع بنا هذا الكتاب لكيفن كروز إلى حقبة الستينات والسبعينات، إذ فر الأمريكيون البيض إلى ضواحي مدينة أتلانتا كشكل من أشكال الفصل العنصري ردًا على حركة الحقوق المدنية. وهو الوقت الذي قاوم فيه أصحاب الفكر المحافظ في الجنوب جهود الدمج المجتمعي عن طريق فتح مدارسهم الخاصة، والتي عرفت "بأكاديميات الفصل". يتتبع الكتاب معارضة البيض للحقوق المدنية، ويربط التمييز العنصري في الجنوب بالهجرة إلى الضواحي.

تقول فيكتوريا وولكوت (رئيسة قسم التاريخ بجامعة بافالو): "أعتقد أن الدرس المستفاد اليوم، يكمن في عدد البيض الذين نبذوا نشطاء الحقوق المدنية، واعتبروهم مثيري شغب يشعلون الفوضى". وأضافت "دائمًا ما توجه أصابع الاتهام إلى النشطاء وليس السياسات التي يعارضونها بوقوفهم وراء أحداث العنف. إلا أن الكاتب يساعدنا على فهم كيف أن القطاع الأكبر من الفكر المحافظ، يتضمن جذورًا أكثر تقبلًا للسياسات العنصرية أيضًا".

4. إعادة الإعمار: الثورة الأمريكية غير المكتملة 1863-1877

نال هذا الكتاب تقديرًا كبيرًا باعتباره كتابًا يوضح جوانب حقبة إعادة الإعمار. إذ يبين كيف فشلت أمريكا في تحقيق المساواة العنصرية بعد انتهاء الحرب الأهلية عام 1886. فقد استأنف الأمريكيون السود والبيض حياتهم. ويصف الكتاب فترة تحرر العبيد واكتسابهم الجنسية الأمريكية، وتغير المجتمع الجنوبي في ظل وجود السلوكيات العنصرية. يقول كايل كونديك (المحرر الإداري للنشرة السياسية بمركز جامعة فيرجينيا السياسي):" لقد أصبح الأمر أكثر تبلورًا في ظل ما فعله النازيون الجدد في المسيرة خلال الأيام الأخيرة، فالولايات المتحدة تركز على تاريخها المشين من عنصرية البيض".

يختم إريك فونر كتابه بالعبارتين التاليتين: "لقد مضى ما يناهز قرن من الزمان قبل أن تنهض الأمة، وتحاول الأمة مرة أخرى تقبل تداعيات برامج التحرر وإعادة البناء السياسي والاجتماعي على كافة الأصعدة. لم يحدث ذلك -النهوض- بعد".

يقول كونديك: "على الرغم من مرور ما يقرب من 30 عامًا على نشر هذا الكتاب، إلا أن كلام فونر لا يزال صحيحًا".

بين جيمس بالدوين حجم المشاكل والتمييز الذي كان يواجهه مجتمع السود في بداية الستينيات، بما في ذلك نفاق الكنائس

5. الحريق قادم للكاتب جيمس بالدوين

اُلف هذا الكتاب خلال فترة حركة الحقوق المدنية عام (1968) وهو من تأليف جيمس بالدوين الذي كان يعيش في هارلم. يتكون الكتاب من موضوعين طويلين: عنوان الموضوع الاول "زنزانتي تهتز – رسالة إلى ابن أخي في الذكرى المئة للتحرر"، أما عنوان الموضوع الثاني: "راكع أمام الصليب – رسالة من منطقة في عقلي"، والتي نُشرت للمرة الأولى في مجلة Progressive، وصحيفة New Yorker.

اقرأ/ي أيضًا: هوية أفريقيا.. من المسرح المفتوح إلى وهم الاستقلال

يبين كتاب جيمس بالدوين حجم المشاكل والتمييز الذي كان يواجهه مجتمع السود في بداية الستينيات، بما في ذلك نفاق الكنائس. يقول كيفين بويل، (أستاذ التاريخ الأمريكي بجامعة نورثويسترن): "هناك عدد هائل من الوقائع التاريخية لعنصرية البيض بأشكال متعددة، إلا أنني لم أقرأ شيئًا أكثر ألمًا من القسم الأخير من هذا الكتاب". ويضيف: "لم يكتب بالدوين عن أحداث عنصرية محددة، بل تحدث عن المعنى العميق لعنصرية البيض في الولايات المتحدة بما تكتنفه من تشابك مرعب من الكراهية والخوف والإنكار؛ وهو ما يتضح جليًا في وقتنا الحالي تمامًا كما بينه بالدوين منذ نصف قرن".

 

اقرأ/ي أيضًا:

الأدب الأفريقي ومسألة اللغة

هل استطاع مارتن لوثر كينج تحقيق حلم حياته؟