12-نوفمبر-2017

عصام تعشيت (ألترا صوت)

يقول الممثل المسرحي الجزائري ومخرج الأفلام القصيرة عصام تعشيت (1988) إنه لم يبذل جهدًا يُذكر في برمجة نفسه على الفن، ذلك أنه فتح عينيه في أسرة تمارس الفنّ وتعيشه، "غير أنني كافحت من أجل تكوين نفسي، وإيجاد بقعة ضوءٍ لاسمي، إذ لا ينفعك كونُك سليلَ أسرةٍ فنيةٍ في بيئةٍ ترى الفنّ ترفًا، فلا تهيّئ لممارسيه ما يجب أن يُهيّأ، وإن فعلت، فبعيدًا عن رؤية مدروسة".

عصام تعشيت: لا ينفعك كونُك سليلَ أسرةٍ فنيةٍ في بيئةٍ ترى الفنّ ترفًا

كانت الجزائر خارجةً لتوّها من تجربة العنف والإرهاب، حين بدأ عصام تعشيت يعلن عن نفسه فنّانًا خارج البيت عام 1998، "كان الطفل الذي كنتُه يرغب في أن يتطهر من حالة الخوف التي ولد وعاش داخلها، إذ لم يكن الطفل الجزائري، يومها، يسمع حكايات الغيلان والأشباح على أفواه كبار العائلة، بل كان يعيشها من خلال ما كان يسمعه ويراه داخل دوّامة الحرب". يشرح طبيعة ذلك المقام: "كان يتوقّع أن يقتحم الإرهابيون بيته في أيّة لحظة، أو يختطفوه وهو خارج إلى مدرسته، أو يغتالوا أحدًا من أسرته".

اقرأ/ي أيضًا: ماريون كوتيار: كان حلمي بسيطًا

دفعني الإحساس بالخوف، يقول محدّث "الترا صوت"، إلى أن أتشرّب الفنون، التي كان يمارسها أفراد أسرتي، موسيقى وغناء وتشكيل ومسرح، فتحوّلت تلك الفنون، من غير أن أشعر، إلى بيت داخل البيت، يمنحني إحساسًا بالأمان ويخفّف عنّي وطأة الخوف وانتظار المجهول. يضيف: "أنا مدين للفن نفسِه بأن جعل منّي فنّانًا، فقد تبنّاني في وقت كان الإرهاب قادرًا على أن يتبنّاني فيه، لذلك قرّرت أن أردّ له جميله علي، بأن أطوّر قدراتي فيه، حتى أمارسه وفق الأصول التي يقتضيها".

التحق عصام تعشيت عام 2002 بدار الثقافة في مدينة باتنة، 500 كيلومتر إلى الشّرق من الجزائر العاصمة، علّه يجد بعض أصول الإخراج السّينمائي، الذي قرّر أن يتخصّص فيه، عند بعض المكوّنين، الذين كانوا يقصدونها. يقول: "كان هاجس التكوين يسكنني أكثر ممّا يسكنني هاجس الحصول على لباس أو طعام، لذلك كنت أفرّط فيهما أحيانًا، مقابل المشاركة في ورشة تكوينية تقام في هذا المهرجان أو ذاك، بالإضافة إلى مشاهدة الأفلام ومطالعة الكتب المتخصّصة ومخالطة الأشخاص المهتمّين بالمجال".

بعد تسع سنوات من البحث والتكوين، قرّر عصام تعشيت أن يطلق أوّل فيلم قصير له، وكان عنوانه "القاتل"، من غير أن يدري أن أربع جوائز وطنية في انتظاره، "لقد نسيت في غمرة حلمي بأن أصبح مخرجًا أن أحلم بالحصول على جوائز، ولا زلت أنسى ذلك حتى اليوم، فكلّ جوائزي شبيهة بالطفل، الذي يأتي في غفلة من والديه، ثمّ سرعان ما أنساها وأتفرّغ لمشروع جديد". يسأل: "هلّ يُعدّ فنّانًا من لا يحلم بالجديد، ويكافح ويكابد من أجل أن يحقّقه؟".

ما بين عامي 2014 و2017 أنجز عصام تعشيت أربعة أفلام قصيرة هي "السّيجارة" و"إشارة المرور الحمراء" و"الرّسول" و"هومن"، أهلته إلى جوائز وألقاب وتنويهات داخل الجزائر وخارجها منها: جائزة أفضل فيلم في مهرجان سيدني للأفلام القصيرة، وجائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان وهران للفيلم العربي، وجائزة ثاني أفضل فيلم قصير في مهرجان الدّار البيضاء، وجائزة أفضل إخراج في مهرجان القاهرة، وجائزة لجنة التحكيم في مهرجان تونس.

ما بين عامي 2014 و2017 أنجز المسرحي والسينمائي عصام تعشيت أربعة أفلام قصيرة 

ينفي عصام تعشيت أن يكون تخصّص في الفيلم القصير، هروبًا من واقع سينمائي جزائري لا يشجّع على الإنتاج السّينمائي، ويذهب الدّعم الحكومي فيه إلى جهات مهيمنة باسم العلاقات لا باسم الإبداع، "بل اخترته لأنه ينسجم مع رؤيتي إلى الحياة نفسها، فهي فيلم قصير في نظري". يشرح عصام تعشيت: "لا أراهن على طول الفيلم في الوصول إلى المتلقّي، بل على طول بقاء أثره فيه. نحن في زمن المشاهد المستعجل، وعلي أن أقتطع دقائق من وقته لأعطيه بعض الأسئلة يرطحها على نفسه، ويشرع في إكمال الفيلم في خياله".

اقرأ/ي أيضًا: إبراهيم حدرباش.. حنجرة جزائرية تبحث عن سمائها

وجّه عصام تعشيت نداءاتٍ كثيرةً إلى المؤسسات الثقافية الحكومية لمساعدته في إنجاز بعض مشاريعه العالقة، لكن لم يتلقّ ردًّا منها، رغم صدى الجوائز التي افتكّها في مهرجانات وازنة، "بل إنهم لم يتكفّلوا حتى بتذاكر السّفر للمشاركة في المهرجانات، التي أعود منها متوّجًا!". ويسأل عصام تعشيت: "ما جدوى هذه المؤسسات إذا كانت لا ترعى الموهبة، التي تمثل ثقافة بلدها في المحافل؟ ألا يعني لها شيئًا حين يقال عني إنني جزائري، وأنا أدعى إلى منصّة التتويج في المحافل الدّولية؟ أمّا أنا فيعني لي الكثير، وهو واحد من المحفّزات في طريقي".

 

اقرأ/ي أيضًا:

جودي دينش: "أعاني خوفًا غير منطقي من الملل"

"عدي يا شبح".. عندما يكون الرجل ضحية