29-أكتوبر-2017

من العرض

ليس غريبًا أن تكون الأنثى هي الضحية في مجتمعاتنا الشرقية، وليس بالأمر الجلل أن نجد امرأة مضطهدة، أو تُمارس ضدها أشكال مختلفة من العنف والعنصرية والتقليل من الشأن، ولكن إذا عكسنا الأمر وتتبعنا خطى الرجال سنجد العديد من ضحايا المجتمع في القضايا نفسها المتمثلة في العنف والعنصرية والحض من الشأن. وهنالك نوع آخر من أشكال الاضطهاد التي يواجهها الرجال في المجتمع، وهو نوع غير ملموس وغير مستدل عليه، نوع يسلب الرجل الحق في أن يتألم أو يبكي أويصرّح عن مشاعره، نوع يسلبه الحق في أن يعترف بقصوره الجنسي كي لا يصبح عارًا في نظر المجتمع، نوع يسلبه الحق في أن يسأل عن تلك المسائل الجنسية التي يجهلها كي لا يظهر في نظر المجتمع كرجل بلا خبرات أو كما يقول المصريون "مابيعرفش"!

إذا تتبعنا خطى الرجال سنجد العديد منهم ضحايا للمجتمع في القضايا نفسها التي تعاني منها المرأة

حكايات عن الرجولة من عزبة الهجانة

كما تواجه الفتيات مشاكل عدة بناءً على نوعها الاجتماعي، يواجه الرجال أيضًا مشاكل مماثلة، وهذا ما تناوله عرض الحكي "عدي يا شبح" الذي عُرض يوم السبت الماضي 28 تشرين الأول/ أكتوبر 2017 على مسرح الجزويت بالقاهرة. جاء عرض "عدي يا شبح" نتاج ورشة حكي لمدة ثلاثة أشهر ضمت 14 شابًا من منطقة "عزبة الهجانة" إحدى مناطق القاهرة العشوائية، الذين امتلكوا الشجاعة الكافية كي يحكوا عن تجاربهم الشخصية الخاصة بنوعهم الاجتماعي أمام جمهور عريض دون خجل أو خوف.

اقرأ/ي أيضًا: الدكتاتور العربي في دراما وليد سيف

نظم ورشة الحكي، مشروع "بُصّي" بالتعاون مع مؤسسة الشهاب للتطوير والتنمية الشاملة، وجمعية الشهاب هي مؤسسة محلية مصرية ترتكز في عملها على الاهتمام بالمناطق الفقيرة واستهداف الفئات الأكثر تهميشًا دون أي تمييز، و"بُصّي" هو مشروع فني يهدف إلى خلق مساحة حرة للسيدات والرجال في مصر لحكي التجارب الشخصية المسكوت عنها.

حكايات صادمة وعرض متوسط القيمة

نجح فريق العمل في التسويق جيدًا للعرض من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، حيث نشرت صفحة مشروع "بُصّي" عددًا من الملصقات الدعائية التي تحمل اقتباسات من العرض المنتظر أو شعارات قد تكون صادمة بعض الشيء للمجتمع المصري المتحفظ، ما صنع حالة من الجدل والفضول حول ماهية العرض وكيفية الطرح المُقدّم وإلى أي مدى يصطدم مع عادات المجتمع وتقاليده ويكسر الصور الذهنية المتشكلة في وعي غالبية المصريين، حتى أن إحدى المصلقات حملت شعارًا مقتبسًا من إحدى حكايات العرض لشخص يقول إنه "لا يجب أن يصل إلى نشوته سريعًا أثناء العلاقة الحميمية كي لا تكتشف شريكته عدم خبرته بالجنس".

عدي يا شبح

قد تكون تلك الصياغة لا مانع فيها، ولكن عند تحويلها إلى المصرية الدارجة ووضعها على الملصق، يصبح الأمر مثيرًا للفضول، بالإضافة إلى الحكايا التي نشرتها صفحة مشروع "بُصّي" بالمصرية الدراجة عن أطفال يتلمسون المناطق الحساسة لأقاربهم الفتيات بحذر أو أجسام الخدامات، وكيف يتربون منذ الصغر على أن جسم الفتاة به "عيب" ما، إلى سرد حكايا عن تجارب جنسية مخجلة للرجال وكيف تعاملوا مع الأمر. حكايات صادقة وجريئة وغير معتادة على المجتمع المصري، تسليط الأضواء على نقاط الازدواجية في التعامل بين الذكر والأنثى لمجرد الاختلاف في النوع الاجتماعي، وازدواجية مفهوم العيب لدى الجنسين، بالإضافة لحكايات الرجال عن تصورهم السابق عن الجنس والفحولة والعلاقات الحميمية وما وجدوه على أرض الواقع.

كل تلك الأمور تبشّر بعرض غير تقليدي على المستويات كافة، ولكن جاء العرض أقل من التوقعات بكثير وأقل من الدعايا الناجحة التي صُنعت من أجله، فعدد كبير من الحكايات التي اعتمدها مشروع "بُصّي" من أجل التسويق للعرض، لم تُعرض من الأساس! قد يكون السبب وراء ذلك تحفظات إدارة المسرح على الألفاظ أو تناول موضوعات مشابهة بشكل صريح، ولكن لم يكن من الصحيح أن يتم التسويق بحكايات غير موجودة بالعرض، حتى وإن وجدت بالواقع أو عرفنا أصحابها.

كما تواجه الفتيات مشاكل عدة بناءً على نوعها الاجتماعي، يواجه الرجال أيضًا مشاكل مماثلة

اقرأ/ي أيضًا: العري في الفن.. هاجس إنساني عابر للتاريخ

كما أن جاء عرض "عدي يا شبح" فقيرًا، ليس به أي خيط يميزه عن غيره أو ربط درامي بسيط بين الحكايات المعروضة، كما جاء خاليًا من أي مقاطع موسيقية كخلفية للحكايات التي يستعرضها الأشخاص الأمر الذي لم يساعد في الاندماج مع حكاياتهم، خاصة أن أداءهم التمثيلي كان ضعيفًا، وهو أمر مبرر حيث إنهم للمرة الأولى يستعرضون أمام جمهور، ولكن السؤال هنا أين مردود الثلاثة أشهر من التدريب؟ بل حتى أنهم لم يجتهدوا قليلًا في اختيار الملابس أو تصميم رقصات أو توزيع جيد للأدوار ولحركة الحكائين على المسرح.

عدي يا شبح

ولكن في المقابل، حملت الحكايات نقاطًا منفردة يخشى الكثيرون الحديث عنها أو يخجل الرجال من التطرق لمثل تلك المواضيع، لأن المجتمع فرض عليهم صورة نمطية محددة، فلا أحد يحب أن يصارح نفسه بقمعه لأخته كي تظل صورته أمام المجتمع رجلًا شرقيًا أصيلًا يغار على أهل بيته، ولا أحد يحب أن يصارح نفسه بفشل علاقته مع أسرته أو أن يخبر أهله كم يحبهم أو كم يكرههم، ولا أحد يحب أن يواجه نفسه بازدواجيته في حكمه على الأمور.

قد يكون عرض "عدي يا شبح" ليس كما تمنيناه ولكنه يظل خطوة جيدة في كسر الأنماط المجتمعية والتطرق إلى مناطق محرّمة، وأيضًا خطوة يجب تقديرها في ظل الظروف الأمنية التي تمر بها مصر، والتضييقات على الأعمال الإبداعية والفنية بما فيها عروض المسرح وحفلات الموسيقى.

 

اقرأ/ي أيضًا:

إبراهيم كيفو.. صوت سوريا القديمة

مونيكا بيلوتشي: أحب أن أستكشف الجانب المظلم في البشر