29-سبتمبر-2017

إبراهيم حدرباش (1986)

لم يكن المحيط الصّغير للمغنّي والموسيقي الجزائري إبراهيم حدرباش (1986)، يتوقّع منه أن يكون ذا صلة بالموسيقى والغناء. فقد كان مولعًا بكرة القدم، في "العرقوب" أعرق حيٍّ شعبي في مدينة المسيلة، 250 كيلومترًا، إلى الجنوب من الجزائر العاصمة. "كنت أحمل كرة ومذياعًا أهداه لي جدّي، فوقعت بين سحرين اثنين معًا، من غير أن أدري كيف أفصل لصالح أحدهما، حتى تدخّلت معلّمة الفرنسية وحسمت في الأمر".

أثبت إبراهيم حدرباش قدرته على أداء مختلف الطبوع الجزائرية والعربية، بلمسة خاصّة لا تحيل إلا عليه

يقصد إبراهيم حدرباش أنه رسم، ذات يوم، شخصية موسيقية بشكل متقن، فقام زميل له بتعليقها في الصفّ، ممّا لفت انتباه المعلّمة، فقالت: "سترون، يومًا، صاحب هذه الرّسمة في التلفزة. سيصبح فنّانًا". "في اللحظة التي كان فيها زملائي يضحكون على نبوءة المعلّمة، كنت أرى نفسي كما قالت تمامًا، فكانت كرة القدم تبتعد، في مخيالي ووجداني، مقابل اقتراب كلّ أدوات الفنّ مني".

اقرأ/ي أيضًا: فتى الخشب.. الهمسات تهدرُ في الرمل

كان لالتحاق إبراهيم حدرباش بالكشّافة دور حاسم في توجيه موهبته الفنية، بالنظر إلى تركيز الكشفيين على الأناشيد. فأسّس فرقة "القافلة" لافتًا الانتباه إلى صوته، الذي لم يرتح إلى طبيعة ما كان يؤدّيه انسجامًا مع الطابع الدّيني للمنظمة، التي كان ينشط تحت مظلّتها. "كان وعيي بحرية الفن والفنّان مبكّرا. وهو ما جعلني أفكّر في أن أنأى بصوتي عن التشدّد والابتذال في الوقت نفسه، ذلك أن الفن ابن الحياة والجمال والإنسانية، في ممارسة أشواقها المختلفة".

وجدت نفسي، يقول إبراهيم حدرباش في حديثه لألترا صوت، وأنا أحتكم إلى حرّيتي واستقلاليتي، أمام رهانات صعبة، يواجهها كل فنّان جزائري شابّ، في غفلة من المنظومات كلّها، منها أنني لا أملك القدرة المالية، التي تؤهلني لأن أنتج ألبوماتي بنفسي، وزهد المنتجين الخواص في تبنّي مشروع فني يراهن على المواضيع الإنسانية العميقة. رغم هذا كله لم أخضع لإغراءات الأغنية الاستهلاكية.

في ظلّ هذا التخبّط، أعاد التلفزيون الجزائري بعد غياب دام سنوات، بعث برنامج "ألحان وشباب"، الذي تخرّجت منه نخبة واسعة من المغنّين الجزائريين، منهم الشاب خالد والشاب مامي، فشارك إبراهيم حدرباش في تصفياته الأولى، عام 2012، واستطاع أن يفرض نفسه ضمن النخبة النهائية، التي تخوض المنافسة في البرايمات المختلفة. يقول إبراهيم حدرباش: "لم يكن هدفي افتكاك اللقب، بقدر ما كان الإعلان عن نفسي، والقول إنّ هناك شابّا يحب الغناء ويمارسه، على حساب خيارات أخرى منها الرياضة والتجارة والهجرة غير الشّرعية".

وفي الفترة التي مكث فيها إبراهيم حدرباش في البرنامج، الذي غادره قبيل البرايم النهائي، أثبت قدرته على أداء مختلف الطبوع الجزائرية والعربية، بلمسة خاصّة لا تحيل إلا عليه. يقول إبراهيم حدرباش: "إذا لم يكن الفنّان عصيًّا على أن يبتلعه غيره، من خلال تماهيه معهم، فهو مجرد نسخة مشوّة عنهم. لذلك كنت حريصًا على أن أظهر أنا، في كلّ الأغاني، التي أدّيتها لفنّانين آخرين، مثل كاظم الساهر ورابح درياسة وماجد المهندس ووديع الصافي".

إبراهيم حدرباش: كنت في رحلة بحث عن ذاتي، فلم أشأ الإكثار من الإنتاج والظهور

هذا الحرص على الخصوصية، دفع إبراهيم حدرباش، بعد مغادرة البرنامج، إلى أن يعتمد على نفسه في التوزيع والهندسة الصوتية. "قد تجد عازفًا ماهرًا، لكنه لا يملك الخلفية المعرفية الكافية، التي تجعله قادرًا على أن يقبض على اللحظة الإنسانية المغنّاة، والموسيقى ليست مهارة فقط، بل هي فلسفة وروح أيضًا".

اقرأ/ي أيضًا: النوبة التونسية... أيقونة موسيقية ورسائل سياسية

هنا، بدأ نضال آخر في يوميات محدّثنا إبراهيم حدرباش، "إذ كافحت من أجل أن أتدبّر مبلغًا ماليًا كافيًا لأن أنجز استوديو خاصًّا بي، حيث يمكنني أن أصبّ روحي في موسيقاي، وأتحمّل المسؤولية الجمالية والفنية على كلّ ما أنتجه". يسأل: "لماذا تتفوّق صعوبة استوديو فنّي في الجزائر على صعوبة إنجاز مستودع للتبريد أو مركز تجاري أو قاعة للرّياضة؟".

على مدار السّنوات الخمس الماضية، لم يصدر إبراهيم حدرباش إلا 12 أغنية، بعضها مع فنانين آخرين، مثل المغربي إسماعيل هلالي. ولم يشارك إلا في بعض الحفلات، التي يقيمها "الديوان الوطني للثقافة والإعلام". يقول إبراهيم حدرباش: "كنت في رحلة بحث عن ذاتي، فلم أشأ الإكثار من الإنتاج والظهور، قبل أن أستقرّ على هوية فنية نهائية. ولأنني وجدتها، فسأطلق العنان لحنجرتي وفق برنامج واعٍ ومدروس". يختم: "الموسيقى روح السماء في الكائنات، ومن مظاهر خيانتنا لها أن نتعاطى معها بمنطق الوحل والتراب".

اقرأ/ي أيضًا:

إبراهيم كيفو.. صوت سوريا القديمة

ماريون كوتيار: كان حلمي بسيطًا