30-يونيو-2023
عناصر من جهاز الأمن الداخلي الروسي يحرسون المقر الرئيسي لفاغنر بسان بطرسبورغ (Reuters)

عناصر من جهاز الأمن الداخلي الروسي يحرسون المقر الرئيسي لفاغنر بسان بطرسبورغ (Reuters)

لا تزال تداعيات تمرد عناصر "فاغنر" تلقي بظلالها على المشهد الروسي، وعلى الرغم من الاتفاق بين مجموعة فاغنر والدولة الروسية، الذي نص على إسقاط التهم الجنائية عن المجموعة مقابل تسليم عتادها الثقيل، وخروجها إلى جمهورية بيلاروسيا.

أصبح مصير شركات "فاغنر" مرتبط بقدرة الكرملين على تهميش بريغوجين والحفاظ على الإمبراطورية التي بناها في ثلاث قارّات

لكن القيادة الروسية لم تتوقف عند هذا الاتفاق، وبحسب ما نقلته وكالة الإعلام الروسية، فقد أبلغت روسيا، مالك فاغنر يفغيني بريغوجين، أن مجموعته ستحرم من التمويل بعد أن رفض عناصرها التوقيع على عقود مع وزارة الدفاع.

وقال رئيس لجنة الدفاع في مجلس النواب الروسي أندريه كارتابولوف، إن "بريغوجين رفض توقيع العقود وبالتالي أبلغته روسيا أن مقاتليه لن يشاركوا من الآن فصاعدًا في القتال بأوكرانيا"، وأضاف "لم تمتثل فاغنر لقرار وزارة الدفاع الروسية، ورفضت المضي قدمًا بذلك".

إزالة لافتة دعائية لفاغنر في سان بطرسبورغ

خطوات للسيطرة على "فاغنر"

وتماشيًا مع الإجراءات التي اتخذتها السلطات الروسية بحق "فاغنر"، فقد سارعت موسكو إلى القيام بخطوات للسيطرة على الشركة المتعددة الخدمات.

وفي هذا الإطار، نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، عن مصادرها أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اتصل بقادة في الشرق الأوسط وأفريقيا ليعلمهم أن الكرملين من سيدير نشاط الشركة العسكرية الروسية الخاصة من الأن فصاعدًا في تلك الدول.

وسافر نائب وزير الخارجية الروسي إلى دمشق، والتقى برئيس النظام السوري بشار الأسد، ليبلغه رسالة شخصية، مفادها أن "فاغنر لن تعمل هنا بشكل مستقل"، وقالت الصحيفة إن المسؤول الروسي حث الأسد على منع مقاتلي "فاغنر" من مغادرة سوريا، دون إشراف من موسكو. 

وبحسب مصادر مطلعة تحدثت "وول ستريت جورنال"، فإن الأوامر صدرت لعناصر "فاغنر"، الذين كانوا يعملون إلى بشكلٍ مستقل في سوريا، بالذهاب إلى قاعدة "حميميم" الجوية التي تديرها وزارة الدفاع الروسية في مدينة اللاذقية الساحلية السورية، وقد امتثلوا لتلك الأوامر.

ويتواجد في سوريا حوالي 2000 من عناصر فاغنر من جنسيات دول الاتحاد السوفياتي سابقًا، بالإضافة لمجموعة من المرتزقة من سوريا الذين يعملون كمتعاقدين مع المجموعة، ويتركز انتشار العناصر المجموعة ضمن حقول النفط في البادية السورية، بالإضافة لتواجدها في محافظة إدلب في شمال غربي سوريا.

ولم يقتصر نشاط "فاغنر" على الجانب العسكري فقط، فقد أسس بريغوجين "إمبراطورية اقتصادية"، عبر عقود واتفاقيات منحت لشركاته الحق في استغلال حقول النفط بمناطق تواجده، فيما تحدثت تقارير إعلامية أمريكية سابقة عن قروض قدمت باسمه للنظام السوري، في محاولة من موسكو للالتفاف على العقوبات الغربية.

لقاء نائب وزير الخارجية الروسي مع بشار الأسد

كما أشارت صحيفة "وول ستريت جورنال"، إلى اتصالات عقدتها مستويات رفعية في وزارة الخارجية الروسية برئيس جمهورية أفريقيا الوسطى فوستين أرشينغ، الذي ضم إلى طاقم حراسته الشخصية عناصر من "فاغنر"، وقدموا له تأكيدات بأن "أزمة السبت" لن تعرقل توسع روسيا في أفريقيا.

وبحسب الصحيفة الأمريكية، فقد قامت طائرات تابعة لوزارة حالات الطوارئ الروسية برحلات من سوريا إلى مالي، وهي واحدة من الدول الرئيسية التي تتمركز بها "فاغنر"، ووفقًا لضابط أمريكي تحدث للصحيفة، فقد طلبت السلطات الروسية من عناصر "فاغنر" البقاء في مواقعهم، وقيل لهم إن رفض تلك الأوامر سيؤدي إلى أعمال انتقامية قاسية.

وتظهر وثائق اطلعت عليها "وول ستريت جورنال"، كيف استطاع الكرملين عبر "فاغنر " من الحصول على تأثير دولي قوي، وموارد مالية من شركة "كونكورد القابضة" التي يديرها بريغوجين، إلى جانب عدد من الشركات الوهمية.

مصادر لتمويل الحرب في أوكرانيا

تقول الصحيفة الأمريكية، نقلًا عن مسؤولين أمريكيين، أن موارد شركات "فاغنر" المتعددة تبلغ مئات الملايين من الدولارات في أفريقيا كل عام، استغلتها لتمويل الحرب في أوكرانيا، حيث ينتشر حوالي 30 ألف من مقاتليها.

وتشمل مصادر الأموال، مجموعة تصدير الذهب السوداني إلى روسيا، والماس من جمهورية أفريقيا الوسطى إلى الإمارات، والخشب إلى باكستان.

وكشف تقرير للأمم المتحدة عن تدريب "فاغنر" لجنود محليين في جمهورية أفريقيا الوسطى للسيطرة على منطقة مهمة للماس، ويهدف ذلك لفتح ممر من المناطق التي تسيطر عليها "فاغنر" في السودان إلى مركز تجارة المعادن الثمينة في دبي.

وفرضت "فاغنر" حضورها الأمني على مدار سنوات، في الدول التي تحكمها أنظمة ديكتاتورية في الشرق الأوسط وأفريقيا.

وينتشر عبر العالم حوالي 6 آلاف من مقاتلي "فاغنر"، حيث يقدمون خدمات متنوعة تتراوح ما بين حماية المناجم والسياسيين في جمهورية أفريقيا الوسطى، وصولًا إلى الدفاع عن حقول النفط التابعة لحكومة النظام السوري.

وفي مالي يدخل عناصر "فاغنر" بمواجهات مع العناصر الإسلامية التي تخوض حربًا ضد الحكومة المالية منذ عام 2012، وتدفع الحكومة المالية لـ"فاغنر" 10 ملايين دولار في الشهر، حيث تعول عليهم لملء فراغ قوات حفظ السلام البالغ عددها 13 ألف جندي، والتي تخطط للانسحاب بنهاية العام الحالي.

وفي جمهورية أفريقيا الوسطى تدفع وزارة الدفاع رواتب 3 آلاف من عناصر "فاغنر" منذ عام 2013، وذلك حسب مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي فيدلي غوانجيكا، الذي اعتبر الصراع بين السلطات الروسية و"فاغنر"، مسألة داخلية".

يتواجد عناصر فاغنر ضمن الحرس الخاص لرئيس جمهورية أفريقيا الوسطى

كما تحدثت وثائق للاستخبارات الأمريكية عن مخطط لـ"فاغنر" لمساعدة المتمردين في تشاد، فقد أقنعت "فاغنر" مجموعات تشادية مسلحة بالسيطرة على السلطة، وتحييد حكومة ديبي الانتقالية، وبحسب "صحيفة وول ستريت جورنال" فقد أطلعت واشنطن السلطات في تشاد على التقارير الاستخبارية التي تؤكّد بأن "فاغنر" بالتعاون مع متمردين تشاديين تريد زعزعة السلطة الانتقالية في البلاد، وربما لقتل الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي.

وذكرت الصحيفة الأمريكية، أن الشركة الروسية، أصبح لها موطئ قدم، ونفوذ في بلدان أفريقية عدة في الفترة الأخيرة، على غرار مالي، وليبيا، وربما بوركينا فاسو.

ففي كانون الثاني/يناير الماضي، أجرت "فاغنر" محادثات حول إرسال قوة عسكرية إلى بوركينا فاسو، وهي دولة في غرب أفريقيا مهددة أيضًا من قبل الجهاديين الإسلاميين، والتي قررت القيادة العسكرية التي استولت على الحكم، طرد القوات الفرنسية من البلاد، كما أشارت الوسائل الدعائية للشركة الروسية الخاصة، إلى أنها كانت تضع أعينها بعد ذلك على ساحل العاج، وهذا يعني دخول محتمل إلي ساحل المحيط الأطلسي في أفريقيا.

التحرك في أمريكا اللاتينية ودول البحر الكاريبي

بدأت "فاغنر" في الآونة الأخيرة بالتحرك في دول أمريكا اللاتينية ودول البحر الكاريبي وإن كان بحذر، بحسب نفس المصادر الأمريكية، كما كشفت "وثائق البنتاغون المسربة"، عن زيارة قام بها وفد من "فاغنر" إلى هاييتي، حيث عرضوا على الحكومة المساعدة في السيطرة على العاصمة بورت أو برانس، أين  تواجه الحكومة العصابات التي تسيطر على شوارعها.

وذكرت الوثائق أن الزيارة جرت في شباط/فبراير، كما عرضت المجموعة مساعدات لقمع القوى المعادية للحكومات في كل من السودان وفنزويلا.

ما مدى قدرة الكرملين على السيطرة على "فاغنر"

أصبح لـ"فاغنر"، مجموعة كبيرة من المخططين الاستراتيجيين، والباحثين الجيولوجيين المتمكنين حول منظور التنقيب عن المعادن الثمينة، في دول مثل سوريا ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى.

وبعد "تمرد السبت"، أصبح مصير شركات "فاغنر" مرتبط بقدرة الكرملين على تهميش بريغوجين والحفاظ على الإمبراطورية التي بناها في ثلاث قارات، بحسب الصحيفة الأمريكية.

بالمقابل، تتحدث تقديرات أمنية، أن الولايات المتحدة لديها فرصة لكي تستعيد تأثيرها الذي خسرته لصالح روسيا والصين في أفريقيا، وقد قامت الولايات المتحدة والدول الأوروبية بجهود للضغط على الدول الأفريقية لوقف التعامل مع "فاغنر"، وشددت من العقوبات عليها.

خطاب الرئيس بوتين

ففي كانون الثاني/ يناير الماضي، قام مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز، بجولة في المنطقة، شملت ليبيا، حيث التقى في رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة وخليفة حفتر.

وكان على رأس جدول أعمال مدير المخابرات الأمريكي، الضغط لإنهاء وجود نحو 2000 من عناصر "فاغنر"، شاركوا في  دعم حملة حفتر الفاشلة  للاستيلاء على العاصمة طرابلس، وساعدوا منذ ذلك الحين في تعزيز قبضة حفتر على حقول النفط، في بلد  يضم 40% من احتياطيات النفط في أفريقيا.

وخلال خطاب ألقاه الثلاثاء الماضي، اعترف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبعد سنوات من الإنكار، أن حكومة بلاده قامت بتقديم الأموال لـ"فاغنر"، منذ أيار/ مايو 2022 إلى الشهر نفسه من العام الجاري، بقيمة تبلغ 86 مليار روبل أي ما يعادل مليار دولار، كرواتب للمقاتلين ومكافآت تحفيزية.

وخاطب بوتين مقاتلي وقادة "فاغنر"، قائلًا: "اليوم لديكم الفرصة لمواصلة خدمة روسيا من خلال إبرام عقد مع وزارة الدفاع أو غيرها من وكالات إنفاذ القانون، أو العودة إلى عائلاتكم وأصدقائكم، أو من يريد يمكنه أن يغادر إلى بيلاروسيا".