08-مايو-2017

الرئيس الفرنسي المنتخب إيمانويل ماكرون (سيلفان ليفيفر/Getty)

احتفل أصغر رؤساء الجمهورية الفرنسية الخامسة، إيمانويل ماكرون، بفوزه في الانتخابات الرئاسية بجولتها الثانية، من أمام متحف اللوفر الفرنسي، على وقع السلام الوطني للاتحاد الأوروبي، محققًا انتصارًا على المرشحة اليمينية المتطرفة مارين لوبان، بنتيجة 66.06% مقابل 33.94%، لينتقل خلال ثلاثة أعوام فقط من مستشار للرئيس الأسبق فرانسوا هولاند، إلى رئيس فعلي للبلاد بالرغم من عدم انتمائه لأية أحزاب سياسية، وامتناع نسبة كبيرة عن التصويت، وصفها البعض بأنها لم تحدث منذ 50 عامًا.

وأشار ماكرون في خطاب فوزه إلى الذين صوتوا لصالح مرشحة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة مارين لوبان، بقوله: "سأفعل كل ما في وسعي في السنوات الخمس المقبلة كي لا يكون لأي شخص سبب يدعوه مجددًا للتصويت للمتطرفين".

بدأ ماكرون حياته الأكاديمية عند دراسته في معهد "هنري 4"، وبعد ذلك التحق بمدرسة العلوم السياسية في باريس سنة 2001، ثم التحق بالمدرسة الوطنية للإدارة بمدينة ستراسبورغ عام 2004، وعمل بعدها مفتشًا عامًا للمالية لثلاث سنوات، ثم انتقل للعمل في لجنة منوط بها وضع السياسيات المالية للبلاد ودعم الاقتصاد، تحت رئاسة جاك أتالي، المستشار السياسي للرئيس الأسبق فرانسوا ميتران، قبل أن يترك وظائف إدارات الدولة سنة 2008، ليلتحق بالعمل رفيع المستوى ضمن لجنة تحفيز النمو الاقتصادي، وانتقل منها للعمل في مصرف روتشيلد لازارد في العمل المصرفي، ثم عاد في 2012  للعمل كمستشارًا اقتصاديًّا ثم وزيرًا للاقتصاد في عهد الرئيس الأسبق فرانسوا هولاند.

وعد ماكرون الذي صوتوا لماري لوبان، بأنه سيعمل ما في وسعه كي لا يصوتوا مجددًا لـ"اليمين المتطرف"

وكان ماكرون دائم الشكوى من الأحزاب السياسية التقليدية الضعيفة، ربما هذا ما دعاه لتقديم استقالته بشكلٍ مفاجئ وإلقاء بعض الاتهامات على الحكومة، ثم تأسيس حركة "إلى الأمام"، التي يصل عدد المنتسبين إليها 200 ألف شخص حتى الآن، ليخوض من خلالها أولى حملاته الانتخابية، ويقدّم نفسه كمرشح ما يسمّى "بالوطنيين" ضد القوميين وغيرهم، ممن كان يفترض أنهم أصحاب الحظ الأوفر للفوز بالانتخابات. 

اقرأ/ي أيضًا: ماكرون.. الدخيل الفرنسي الذي سوف يصبح رئيسًا

ويصف ماكرون نفسه بأنه "لا من اليمين ولا من اليسار"، الأمر الذي كان يسخر منه العديد من الحزبيين في المجتمع الفرنسي وخارجه، نظرًا لحداثة سنه وخبرته السياسية وعدم وضوح مشروعه الانتخابي الاشتراكي الليبرالي، الذي لا تخلو خطبه عنه من استشهادات للشعراء والأدباء العالميين.

ماكرون وبريجيت.. قصة حب تكشف عن تمرد صاحبها

على ما يبدو فإن الفتى الصغير إيمانويل، منذ ظهوره إلى العلن لم يعد محط اهتمام السياسيين فقط، بسبب قصة حبه لزوجته بريجيت ترونيو، التي تبلغ من العمر 64 عامًا، بفارق عمري كبير بينهما، إذ كانت معلمته في المدرسة. وتقول بريجيت: "في السابعة عشرة من عمره، أعلن لي إيمانويل عن حبه وقال: مهما فعلت، سوف أتزوجك. فهو لم يكن كسائر الشباب، ولم يكن فتًا عاديًا، وكنت مفتونة تمامًا بذكاء ذلك الشاب، وشيئا فشيئًا، هزم مقاومتي وتزوجته". وبالرغم من رفض الأهل التام لذلك، لكنه كان يقول: "عليّ أن أحيا الحياة التي اخترت مع المرأة التي أحببت. أن أبذل كل ما بوسعي لتحقيق ذلك".

ماكرون وزوجته التي تكبره بنحو 25 عامًا (Getty)
ماكرون وزوجته التي تكبره بنحو 25 عامًا (Getty)

وتضيف رئيسة قسم السياسة في مجلة "غالا"، كانديس نيديليك، والتي ساهمت في تأليف كتاب الزوجان ماكرون: "كان لها ثلاثة أولاد وزوج. وكان ماكرون تلميذًا لا غير. لم تحبه من أجل ما كان يملك أو من أجل وضع اجتماعي أو من أجل الرفاهية أو الأمان الذي كان يقدمه لها. بل تخلت عن كل ذلك من أجله، كافح الزوجان للدفاع عن حبهما. وهما يشعران بالاعتزاز إذ يصلان اليد باليد إلى أعلى عتبات السلطة، وكأنهما ينتقمان لعلاقتهما".

لماذا فاز ماكرون؟

يعتقد بعض رجال السياسة أن فوز ماكرون جاء لضعف الأحزاب الفرنسية التقليدية، ومحاولة بحث الفرنسيين عن شخصية جديدة في المجتمع السياسي تحمل مشروعًا مختلفًا، وعلى ما يبدو كان ماكرون أكثر المرشحين لذلك، كونه اتهم النظام السياسي التقليدي وأحزابه بالفشل، وخرج من وسط الجميع مترمردًا، وهو القائل إن "فرنسا تعرقلها ميول النخبة نحو خدمة مصالحها"، قبل أن يخفض من صوته ويضيف هامسًا: "سأقول لكم سرا صغيرا: أعلم ذلك لأني كنت جزءًا منها".

وكان الزعيم الأول لحزب الجبهة الوطنية المتطرف جان ماري لوبان، قد سبق ابنته مارين لوبان، عام 2002، في الوصول إلى المرحلة الثانية من الانتخابات ضج الرئيس الأسبق جاك شيراك، لكن يقول المحللون إن الفرنسيين يستخدمون مفهوم "Cordon sanitaire"، الذي صدرته السياسة البلجيكية الأوروبية مع شهرة حزب الجبهة الفلمنكي المتطرف أيضًا، نهاية سبيعنيات القرن الماضي، حيث تتكتّل كل أحزاب يمين ويسار الوسط لمنع اليمين المتطرف، وعليه صوتت كل الأحزاب لصالح جاك شيراك، الذي فاز بنسبة كاسحة هي 83%، لكن من الواضح أن "آل لوبان" لم يتعلموا الدرس بعد، لتتكرر الهزيمة، وهذه المرة على يد ماكرون.

اقرأ/ي أيضًا: "مارين لوبان".. الفاشية تبحث محاربة التطرف

ومن جهة أخرى، يبدو أن خطاب ماكرون، أكثر انفتاحًا من غيره، على المهاجرين والمسلمين في فرنسا، ما يُرجّح أن أغلبيتهم صوتوا لصالحه في الانتخابات الأخيرة. علمًا بأن المسلمين يُشكلون ما نسبته 7.5% من إجمالي عدد سكان فرنسا، أي حوالي 5 ملايين نسمة، ويحق التصويت لـ1.5 مليون نسمة منهم، أي ما يقارب 4.6% من إجمالي من يحق لهم التصويت في فرنسا، وهي إذن كتلة مُؤثرة، ولها وزنها، ذهب أغلبها لصالح ماكرون.

ماكرون والشرق الأوسط

وعن علاقته بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فلماكرون تصريحات واجه بسببها انتقادات من اليمين واليمين المتطرف الفرنسي، بخاصة التي أدلى بها خلال زيارته إلى الجزائر التي احتلتها فرنسا أكثر من قرن، إذ وصف الاستعمار الفرنسي للجزائر بـ"الجريمة في حق الإنسانية". 

قام أيضًا بزيارة لبنان، وهناك تحدث عن أهمية الحريات في البلاد العربية، واعدًا بالمضي قدمًا سعيًا نحو محاسبة بشار الأسد على جرائمه ضد الشعب السوري.

من المتوقع أن تشهد العلاقات بين ماكرون والسيسي الكثير من التحفظ والقليل من المرونة بسبب تدهور حالة حقوق الإنسان في مصر

من جهة أُخرى، يرجح أن تشهد العلاقات بين رئيس فرنسا الجديد ونظيره المصري عبدالفتاح السيسي، الكثير من التحفظ والقليل من المرونة، بخاصة مع تدهور حالة حقوق الإنسان في عهد السيسي، وللتقارب الطبيعي بينه وبين رموز اليمين حول العالم.

"فرنسا تحكمها امرأة"!

في المناظرة الأخيره التي جمعته بمنافسته مارين لوبان، قالت له جملة شديدة التهكم، وربما جزء منها قد يحدث بالفعل، وهي: "سواء انتصرت أو لم انتصر سوف تحكم فرنسا إمرأة"، في إشارتين، الأولى لزوجته التي يتضح دورها الذي لا يخفيه، في وصوله إلى ما وصل إليه، والثانية لرئيسة الوزراء الألمانية أنجيلا ميركل، التي واضح دورها في قيادة الاتحاد الأوروبي الآن، الذي يفخر ماكرون بالانتماء إليه، فضلًا عن تعاطفها ودعمها الكبير لماكرون، حتى أن سياسيين وصفوا علاقتهما بـ"المريبة". 

اقرأ/ي أيضًا: خطة أنجيلا ميركل ضد المتنمرين مثل ترامب

ويتوقع أن تكون مراسم التسليم والتسلم للإليزيه يوم الأحد المقبل، يغادر بعدها الرئيس المنتهية ولايته فرنسوا هولاند قصر الإليزيه لصالح حليفه الشاب، بالتالي سيتم خلال هذه الأيام تشكيل الحكومة الجديدة التي يُرجح البعض أن تؤلف من شخصيات ترمز إلى التغيير والانفتاح لتوافقها مع الرئيس الجديد.

وفي النهاية لم ينته المشهد الانتخابي الفرنسي بهتافات انتصار سعيدة لأنصار ماكرون المرشح الفائز مقابل لحظات حزن شديد لأنصار لوبان المرشحة المهزومة، لكنّه انتهى بهتافات كليهما لمجد فرنسا رغم كل شيء.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الصحف الفرنسية والأوروبية تحتفي بفوز ماكرون

الجزائريون والانتخابات الفرنسية.. لماذا السلبية؟