25-فبراير-2017

أنصار مرشح الانتخابات الرئاسية الفرنسية ايمانويل ماكرون (Getty)

ندّد قطاع واسع من الجزائريين، في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، بالزّيارة التي قامت بها عرّابة اليمين الفرنسي المتطرّف مارين لوبان إلى لبنان، كما لو كانت بيروت محافظةً جزائرية، وأشاد الإسلاميون منهم بمقاطعة مفتي الجمهورية اللبنانية لاستقبالها، لأنها رفضت أن تحترم حضرته بوضع خمار على رأسها، فرفعوه إلى مقام الشخصية الفذّة التي رفعت رأس الإسلام والمسلمين، حتى أن بعضهم قال إن لوبان كانت تعتقد أنّ الجميع يشبه في "ميوعته" شيخ الأزهر الشريف في مصر.

قال البعض إن لوبان كانت تعتقد الجميع يشبه في ميوعته شيخ الأزهر

ولا شكّ في أن الزّوبعة كانت ستكون أعلى، لو أنها قرّرت أن تزور الجزائر، وإن كانت الخطوة مستبعدةً، لأنها تدرك أنها ستضرّها أكثر ممّا تفيدها، فهي ستضعها، بما يترتّب عنها من احتجاجات مؤكّدة، في واجهة المرشحة المرفوضة من طرف الفرنسيين ذوي الأصول الأجنبية وذويهم في بلدانهم الأصل، فهم ليسوا بالقوة الانتخابية الهيّنة.

اقرأ/ي أيضًا: من يفوز ببطاقة اليسار للترشح لرئاسة فرنسا؟

ما يثير الانتباه والدّهشة في الوقت نفسه، أن الجزائريين الرافضين لزيارة لوبان إلى لبنان، لم يُبدوا أي حماس، حتى يكونوا منسجمين مع خطابهم، لزيارة إيمانويل ماكرون إلى الجزائر، وهو الذي صرّح بأنه يرى احتلال بلاده لبلادهم جريمة حرب، وبأنه سيعمل، عند دخوله قصر الإليزيه، على الترتيب لمشروع الاعتذار الرسمي لهم، وبناء علاقات معهم تقوم على المحبة عوض الكراهية والندّية عوض التبعية التي أثمرتها "نظرة فرنسية كولونيالية تجاوزها الزمن".

لقد جاء المرشح الشابّ والجريء إلى الجزائر وغادر في صمت يطرح أكثر من سؤال، من ذلك: لماذا لم يتفاعل الجزائريون مع زيارته إلى بلادهم ترحيبًا، مثلما تفاعلوا مع زيارة لوبان إلى غيرهم تنديدًا؟ لماذا تركوه أعزل في مواجهة "الأقدام السوداء" وقدماء الحرب في الشارع الفرنسي، والذين باتوا يحاصرون خرجاته الانتخابية، حتى بات يُبدي في خطاباته الأخيرة تراجعًا في موقفه الذي يعتبر الاحتلال الفرنسي للجزائر جريمة حرب، لأنه بدأ يدرك أن نفوذ هؤلاء على قلتهم، أعمق من نفوذ الجزائريين على كثرتهم؟

أتفهم الاستقبال العادي للدوائر الحكومية الجزائرية لماكرون، لأنها محكومة بحسابات خاضعة لا يمكن الإعلان عنها، قبل ظهور النتائج الفعلية للانتخابات، وإن كنا لا ندري هل تقوم بمساعٍ معينة في اتجاه مساعدة المترشح الذي ينسجم مع المصالح العليا للجزائر أم لا، على غرار ما فعلته روسيا في المشهد الأمريكي وتفعله الآن في المشهدين الفرنسي والألماني، لكنني لا أتفهم برودة المجتمع المدني الجزائري، وكأن الأمر لا يعنيه.

اقرأ/ي أيضًا: تصريحات ماكرون تفتح جرح الماضي بين فرنسا والجزائر

هنا تطرح هذه الأسئلة نفسها على الجزائريين: إلى متى تعتقدون أن رفضكم لمرشحة اليمين المتطرف، بناءً على أنها لا تحبكم وستقطع مصالحكم، كافٍ وحده لمنعها من الوصول إلى سدّة الحكم؟ أي ما معنى أن ترفضوها وتخذلوا منافسها الذي يشكّل نقيضًا لها في الوقت نفسه؟

يتعامل الجزائريون مع الانتخابات الفرنسية، كما لو كانت ستجري داخل الفضاء الجزائري، وبالتالي فهي ستخضع للتزوير

لماذا لا تملكون سياسة تعمل على تنسيق الجهود بين الناخبين الفرنسيين من أصول جزائرية ومغاربية وعربية وأفريقية، لأنكم في النهاية ستؤثرون من خلالهم، لأنه هم الناخبون؟ كم من رجل أعمال ينتمي إلى هذه الشريحة، يملك الاستعداد لأن يُموّل حملة ماكرون مثلًا؟ كم فنّانًا مؤثرًا مستعدًّا لأن ينخرط في المسعى، مثلما فعل الشاب فضيل ورشيد طه مع ساركوزي سابقًا؟

الواقع أن كثيرًا من الجزائريين يتعاملون مع الانتخابات الفرنسية، كما لو كانت ستجري داخل الفضاء الجزائري، وبالتالي فهي ستخضع لإمكانية التزوير والتحوير والتأثير المباشر من طرف "خفافيش الليل"، كما وقع للانتخابات الجزائرية، منذ فجر الاستقلال الوطني عام 1962، لذلك فهم مطمئنّون إلى نتائجها التي ستكون في صالحهم، وهذا ما يبرّر سلبيتهم في العمل على التأثير الفعّال، وفق ما تسمح به طبيعة المشهد الانتخابي الفرنسي.

اقرأ/ي أيضًا:
انظروا إلى فرنسا.. هناك ما ينافس سوء انتخاب ترامب
السباق نحو الإليزيه.. انشقاقات وفضائح فساد وشعبوية