25-أبريل-2019

الجامع الأموي (Getty)

أثار قرار وزارة الأوقاف السورية بعزل الشيخ مأمون رحمة من منصبه، كخطيب للجامع الأموي في دمشق، أحد أهم وأعرق الجوامع في العالم العربي والإسلامي، موجة فرح عارمة لدى كل من طرفي النزاع السوري بشقيه المعارض والموالي. فقد رأى المعارضون في قرار الإقالة أو العزل تأكيدًا عميقًا على طبيعة نظام الأسد الاستعلائية التي لا تتوانى عن قلب ظهر مجنِّها لأي شخص رضي على نفسه الانخراط في خدمتها على نحو مذلّ وعبودي، في أي لحظة قد تعتقد أنه أظهر فشلًا أو سوء نية في أداء المهمة التي كلفته بها، دون أن تأخذ بعين الاعتبار نوعية الخدمات التي ظل يحرص المرء على تقديمها، ولا طول الفترة التي أفنى عمره في سبيل إرضائها.

تقوم علاقة رجال الدين مع النظام السوري على السماح لهم بتولي مسؤولية الجوانب الدينية لرعايهم، وتبادل المنافع الاقتصادية

غضب الموالين على الشيخ رحمة وتشفيهم بعقوبة العزل، التي استحقها على نفاقه عن جدراة واستحقاق، لا ينبع كما يبدو من حيث كونه غضبًا موجهًا ضد شخص، صاحب خطاب يحمل في طياته هدرًا كبيرًا لعقولهم، التي تأبى أن تصدق أن الوقوف لساعات طويلة في طوابير الذل بقصد الحصول على القليل من الوقود، سيقوي فيهم روابط الأخوة والمحبة بدلًا من أن يعمق فيهم مشاعر الغضب والضغينة والحقد، وإنما يتنمي إلى ذلك النوع من المنافسة بينهم وبين الشيخ على تبرير سياسات النظام التقشفية والولاء المطلق له، التي ينجح الشيخ فيها على نحو ساحق بإثارة حسد الموالين وغيرتهم من تمكنه بمديح السلطة على نحو خرافي يثير الدهشة والإحساس بالتزلف معًا، إلى الدرجة التي يبدؤون بها بمناصبته العداء والرغبة بالإطاحة به على نحو مذل وعنيف، كي لا يظل يذكرهم بعقم مخيلتهم التبجيلية.

اقرأ/ي أيضًا: منبر الشيخ فتحي صافي

في الإطار اليومي الذي ترافق مع احتجاجات السوريين التي اندلعت ضد سلطة الأسد عام 2011، ظهرت شخصية الشيخ رحمة بمثابة الشخصية القادرة على إحداث الاضطراب والفوضى في الجسد الاجتماعي لأهالي البلدة التي كان يعيش فيها "كفربطنا"، مما أهلّها لأن تكون بمثابة الإسفنجة التي تمتص العنف أو تستقطبه نحوها، على النحو الذي قد ينبأ بمقتله أو بنفيه. ففي إصرار الشيخ على الوقوف موقف الرافض للاحتجاجات الناس ضد السلطة، مستندًا في ذلك إلى موقف فقهي يحرم خروج الناس أو احتجاجهم على الحاكم المسلم، الذي يسمح لهم بممارسة شؤون الدينية، فإنه كان يقوم بشقّ صف جسد الجماعة المحلية، سكان بلدته، ويعيد تصنيفهم إلى أخيار، يستحقون الرحمة الإلهية لكونهم خانعين، وأشرار محرومين منها كونهم متمردين آبقين، الأمر الذي يشق صفوف الناس على المستوى الروحي في مجتمع متدين تشكل مفاهيم الرحمة والخلاص جانبًا جوهريًا في حياته اليومية.

الشيخ المأخوذ بفكرة المهام المقدسة التي يجب أن يسندها لنفسه لأنه أهلٌ لها، عمل ما استطاع لشق عرى التضامن الاجتماعي القائم على مفاهيم العائلة والقرابة، الأمر الذي جعل من عمله هذا وصفة خطيرة لحرب أهلية لا تبقي ولاتذر، ولم يخطر على باله يومًا أنه كان يهيئ نفسه ليكون في موضع كبش الفداء الذي يجب التضحية به، في أقرب فرصة ممكنة سواء بالقتل أو النفي.

تنتمي شخصية الشيخ رحمة من حيث كونها شخصية ذكية، تتجاوز القدرة على التقليد وصولًا إلى المحاكاة، وقادرة على التفوق على المعلم، الأمر الذي يوغر صدور منافسيه بالغيرة والحقد حدّ التآمر للإطاحة به. أما فيما يتعلق بعلاقة رحمة بالتقليد، فيعود ذلك إلى تعلمه من أستاذه محمد سعيد رمضان البوطي أفضل الطرق وأجلها لطاعة أولياء الأمر الفاسدين والظالمين ما داموا يلتزمون بمبدأي السماح لرجال الدين بتولي مسؤولية الجوانب الدينية لرعاياهم، والسماح بتبادل المنافع الاقتصادية بما يحفظ سلطة الطرفين.

دعا الشيخ مأمون رحمة إلى الطواف حول قاسيون بدلًا من عناء الحج!

وبخصوص المحكاة فتتمثل بقدرة الشيخ على التعلم من شيوخ السلطة كيفية خدمة أصحاب السلطة حد التفوق عليهم، الأمر الذي مكنه من انتزاع منصب خطيب المسجد الأموي لست سنوات متواصلة. هل يدري الشيخ رحمة أن كل تقليد جيد يوصل إلى المعرفة؟ وأن كل محاكاة مع معلم توصل إلى محو الفارق بينك وبينه، إلى الدرجة التي تورثه البغضاء والعدواة والحسد مع أنه يدعو للتسامي عليها، ومن ثم تحول أصاحب الكار المتفوقين والمبرزين إلى كبش فداء أو أضحية يجب التخلص منها بأقصى سرعة ممكنة؟ هل وصلتك الرسالة الآن يا عزيزي الشيخ عبر هذا الحشد الجلل من مرتزقة وزير الأوقاف عبد الستار السيد والصف الطويل من العلماء الأفاضل؟

اقرأ/ي أيضًا: نبيل صالح.. هكذا تكون العلمانية الأسدية!

العارف بخطب الشيخ رحمة المليئة بالخيال المجنح، من مثل الدعوة إلى الطواف حول جبل قاسيون بدلًا الطواف بين الصفا والمروة، كما دعوته الصادقة لتقبيل أقدام وأحذية رجال حزب الله، وأخيرًا قراءته البهلوانية للوقوف في طوابير الذل والتماس الخير فيها كما لو كانت منتدى من المنتديات الروحية التي تعلم الحب والخير والجمال؛ لا بد أن يحسده على قدرته على ممارسة هذا النفاق المرفوع إلى أسّ مقداره ألف على ألف. يا له من رجل شاطر هذا الشيخ رحمة! يقول كل هذا المديح المجاني لأولياء نعمته، يلوي عنق الحقائق، يحول الهزائم إلى انتصارات، دون أن يجعلك تشعر بأنه كاذب أو ممثل على خشبة المنبر! ودون أن يدري أنه يحشد عليه الأعداء من كل حد وصوب! الأعداء الباحثين عن أضحية كاملة المواصفات تعيد لهم بهجة العيد والأمنيات السعيدة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

خالد العبود.. "تحليلات" تؤذي المشاهد

خطاب بشار الأسد... النور ضد العتمة