29-مارس-2019

النائب السوري خالد العبود

الشخصية الإنسانية طيف واسع من الصفات الجسدية والعقلية والانفعالية والاجتماعية، التي تتوقف عليها قدرة الفرد على التكيف مع متطلبات الحياة اليومية وتحدياتها. أما الذات فهي الفكرة التي يكونها الفرد عن شخصيته أو نفسه والتي تتراوح بين الرضى عنها أو النقمة عليها.

واحدة من الخصائص النفسية العميقة التي تسم الحالة الكلية للمستبد الأسد هي انفصاله العميق عن الواقع

يمتلك الساسة المستبدون الذين ساعدتهم الظروف للاستيلاء على السلطة، عبر منطق الانقلاب العسكري أو التوريث السلالي، تقديرًا مفرطًا لذواتهم يصل في كثير من الأحيان إلى درجة جنون العظمة أو البارانويا. فالشخص المصاب بجنون العظمة، على شاكلة بشار الأسد، يرفض أن ينظر إلى نفسه إلا باعتباره مركزًا ينبثق من خلاله كل شيء ويعود إليه كل شيء، حاله في ذلك حال الإله الشرقي الخالق من العدم، الأمر الذي يجعله لا يجد أي غضاضة في نسبة سورية له كاملة مكملة؛ "سوريا الأسد"، لاقتناعه العميق بأنه مالكها وولي نعمة كل من فيها.

اقرأ/ي أيضًا: في نقد الثورة

واحدة من الخصائص النفسية العميقة التي تسم الحالة الكلية للمستبد الأسد هي انفصاله العميق عن الواقع، ذلك أنه لا يستطيع أن يرى أو يتصور أي حدث يقوم به الناس إلا على شكل خطة قام بإعدادها، أو على شكل نوع من أنواع الحمد أو الثناء لما قام بإيجاده أو أمر به. فاحتجاجات الناس في شوارع مدنهم وقراهم بقصد المطالبة بإصلاحات عميقة في مجال إدارة الشأن العام لم يجد فيها الأسد إلا نوعًا من أعمال المؤامرة الدنيئة، التي تم التخطيط لها بأيادي خارجية للنيل من مواقف دولته الوطنية في الحرية والاستقلال الوطني ومقاومة الاحتلال الاسرائيلي.

عندما تكرم الأسد المتعالي عن وقائع وأحداث الناس الطالعين لانتزاع حريتهم من براثن سلطته الفولاذية بالتنظير لها اختار لها مصطلح الأزمة، التي لم يرَ فيها أزمة انسداد الأفق السياسي من حيث أن طريقة إدارة المجتمع المركزية القائمة على حكم المخابرات لم تعد تصلح لمجتمع يرغب أبناؤه بالمشاركة السياسية الحقيقية التي تضمن مصالحهم مصالح أبنائهم من بعدهم، وإنما آثر أن يرى فيه أزمة مجتمع يستميت في الانشداد إلى الوضيعة الطائفية ذات المذهب السني، التي لا تولد إلا مجموعة من الإرهابيين المتطرفين الناقمين على أخوانهم من المذاهب الأخرى، الأمر الذي لم يتركوا له من خيار سوى مواجهتهم بغير الحديد والنار.

من بشار الأسد إلى وليد المعلم الموجة واحدة، موجة إنكار الحقيقية والوقائع الحافة بها، ففي معرضه رده على قرار ترامب بالتصديق على التسليم بشرعية الاحتلال الإسرائيلي للجولان، لم يفتِ المعلم بعدم قانونية القرار لناحية خرقة لقواعد القانون الدولي التي لا تجيز الاعتراف بجواز احتلال أراضي الآخرين بالقوة، بل انبرى للحديث عن عزلة أمريكا في العالم، متناسيًا عظمة الدور الأمريكي في العالم الذي يعلب دور مقرر لمصائر الكثير من دولها وشعوبها بما فيها مصير قائده الفذ الذي يلعب عنده دور محامي الشيطان. من صوت المعلم في الإعلام إلى صوته في بيان وزارة الخارجية الذي أزبد فيه وأرعد عن حق دولة سوريا الأسد في استعادة الجولان بكافة الوسائل والطرق الممكنة بما فيها العسكرية، مع أنه يعرف عدم قدرته على اسقاط صاروخ إسرائيلي واحد من الصواريخ التي تنتهك سيادة دولته على الطالع والنازل.

لم يجد الأسد في احتجاج الناس لإصلاح الشأن العام إلا نوعًا من أعمال المؤامرة الدنيئة

الخاصية المدوخة للعمى في رواية "العمى" لجوزيه ساراماغو تكمن في قابليته للعدوى من شخص لآخر،الأمر الذي نراه في انتقاله من بشار الأسد إلى وليد المعلم إلى إحدى مذيعات تلفزيون الأخبارية السورية التي ارتأت أن تقوم بترجمة كلام المعلم عن استعادة الجولان على طريقتها الخاصة القائمة على التدليس وإنكار الوقائع، متبعة طريقة الفلهوة والشطارة، عبر بثها لشريط متلفز يظهر فيه صوت رجل سوري يلقي خطابًا حماسيًا من قلب مدينة مجدل شمس في الجولان إلى الجهة المقابلة لها، دون أن يبادر أحد من الإسرائيليين إلى منعه من إكمال خطبته الثورية المؤكدة على عروبة وسورية الجولان، كما لو أنها تريد أن تقول لنا بعملها هذا الذي أسمته بالسبق الصحفي أنه بالتفاهة والدجل تستعاد الأوطان.

اقرأ/ي أيضًا: "سلاح" السلمية بين سوريا والجزائر

في "استدعاني اعتدى علي فقتلته"، أحد عناوين القصص التي كتبها بورخيس نكاد نتتبع أحداث القصة أو نتوقعها حتى قبل أن نقرأها، لنكتشف أننا إزاء جريمة قتل دافعها الحقيقي الدفاع عن كرامة الكائن الإنساني الذي يجد نفسه وجه لوجه أمام المهانة والذل، فيثأر لذاته المكلومة بفعل الاعتداء الجنسي، الأمر الذي يجعل من مرتكبها بطلًا لا مجرمًا شريرًا. في القصة نتعرف على الاستدعاء كدعوة من شخص لآخر لممارسة العدوان عليه لا للاستنجاد به، كما نتعرف أن وراء كل استدعاء غاية أو هدف يتطلب منها تحقيقه وهي ما نفضل أن نطلق عليه قضية أو موضوع.

أما في قصة استدعاء المتحذلق خالد العبود من قبل إحدى محطات النظام التلفزيونية، فنعثر على بطل دنكشوتي منفصل عن وقائع والحياة ومجرياتها، ما من عاقل يستسيغ أن يأخذ بكلامه على محمل الجد، إلا أنه مع ذلك يستمر في التهريج والتحليل كما لو كان ممثلًا محترفًا، يقوم بدور محل إستراتيجي لا يشق له غبار.

في معرض رد العبود على السؤال المذيعة الخاص باحتمال نزاع مسلح بين سوريا وإسرائيل وحليفتها أمريكا، نلمس عند الرجل الذات الأسدية المتغطرسة ذاتها التي ترفض الاعتراف بالواقع كما لو أنه غير موجود، وتستعين عليه بالأوهام، فالعبود الذي يقر بقدرة أمريكا على تحطيم النظام عن بكرة أبيه بلمحة عين من جهة، يعود ليلمح عن عجز الولايات المتحدة عن القيام بذلك من جهة أخرى دون أن يقول لنا لماذا، متقصدًا أن يتعامى عن حقيقية الحضور الأمريكي في سوريا الذي استطاع من خلال حربه ضد داعش وتعاونه مع قسد من اقتطاع ثلث مساحة سوريا، التي لم يستطع النظام السوري أن يحرك حيال ذلك الاقتطاع ساكنًا.

لغة أبواق الأسد العنترية الزائفة لا تستطيع أن تحرر مترًا واحدًا من الأراضي المحتلة

عجيب أمر خالد العبود تسأله المذيعة عن إمكانيات المواجهة الإسرائيلية العربية فيذكرنا باللغة الشوارعية الذي يستعين بها نظام الأسد، ليداري بها سوء ضعفه وامتهانه في وجه أولئك الذي لا يبالون بلغته العنترية الزائفة التي لا تستطيع أن تحرر مترًا واحدًا. تسأله عن المواجهة فيجيبها عن النصر الذي تحقق على يد القائد الذي حمى البلد من الضياع والتهلكة من أعدائه الذي كانوا يريدون تدميره، وهو في ذلك يكذب ويعرف أنه يكذب كما لو أنه يتقصد أن يأخذنا قسرًا إلى هزيمة الخامس من حزيران/يونيو التي حولها قادة حزب البعث الطائفيين إلى نكسة صغيرة، ومن ثم إلى عدوان، ومن ثم إلى انتصار عظيم تجلت آثاره في الحفاظ على سلامة القيادة الحكيمة المظفرة.

لله درك أيها العبود! تستدعيك المذيعة لتحلّل لنا ما صرنا عليه بعد قرار ترامب فتقوم إلى الناس لتكذب، كما لو أنك تضع نفسك طوعًا في شبهة شرطي السلطان الذي قال فيه سفيان الثوري: "إذا رأيتم شرطيًا نائما، فلا توقظوه ليصلي فإنما يقوم ليؤذي الناس".

 

اقرأ/ي أيضًا:

الجولان المُحتل ضمن قائمة هدايا ترامب ونتنياهو

تقدير موقف: اعتراف ترامب بالسيادة الإسرائيلية على الجولان.. خلفياته ودوافعه