11-أغسطس-2023
gettyimages

الغضب الأمريكي من خان ارتبط في موقفه من غزو أوكرانيا (Getty)

حثّت وزارة الخارجية الأمريكية الحكومة الباكستانية في اجتماع عقد 7 آذار/مارس 2022 بين مسؤولين في الخارجية الأمريكية مع السفير الباكستاني لدى الولايات المتحدة على عزل عمران خان من منصب رئيس الوزراء بسبب حياده بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا، وذلك وفقًا لوثيقة حكومية باكستانية سرية حصل عليها موقع ذا إنترسبت الأمريكي، وتعرف الوثيقة ضمن سجلات الوثائق السرية الباكستانية بـ "الشفرة".

وبحسب ذات الوثيقة فقد لوحت الإدارة الأمريكية للحكام الفعليين في باكستان بسياسة العصا والجزرة، حيث هدّدت واشنطن بعزل باكستان إذا استمر خان في منصبه، وعرضت في المقابل "الصفح عن كل شيء وتعزيز العلاقات" في حال التخلص من خان وحجب الثقة عن حكومته، وهو ما كان بعد شهر فقط من اجتماع المسؤولين الأمريكيين مع سفير باكستان في واشنطن.

وبحسب إنترسبت فقد كان الاجتماع المذكور بين السفير الباكستاني لدى الولايات المتحدة واثنين من مسؤولي وزارة الخارجية، موضوع تدقيق شديد وجدل وتكهنات في باكستان على مدار العام ونصف العام الماضيين، حيث دارت نقاشات كثيرة وجدل حاد، وتعاطى أنصار عمران خان وخصومه من الجيش والتيار المدني بالتخمين والتدقيق مع  الأخبار الواردة بشأن هذا الاجتماع.

الوثيقة، التي تحمل عنوان "سري"، تتضمن سردًا للاجتماع بين مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية، الذين كان من بينهم مساعد وزير الخارجية لمكتب شؤون جنوب ووسط آسيا دونالد لو، مع أسعد مجيد خان، الذي كان في ذلك الوقت سفير باكستان في واشنطن

وقد تصاعد الصراع السياسي في باكستان 5 آب/أغسطس عندما حُكم على خان بالسجن ثلاث سنوات بتهم فساد، واحتجازه للمرة الثانية منذ الإطاحة به من منصبه في رئاسة الوزراء. مع الإشارة إلى رفض المدافعين عن خان الاتهامات ووصفهم لها بأنها لا أساس لها من الصحة. 

يذكر أن الحكم الصادر بحق عمران خان يمنعه وهو السياسي الأكثر شعبية في باكستان، حسب موقع إنترسبت، من خوض الانتخابات المتوقعة في باكستان في وقت لاحق من هذا العام. 

سياسة الترهيب والترغيب الأمريكية

بعد شهر واحد من تاريخ اجتماع السفير الباكستاني لدى واشنطن مع المسؤولين الأمريكيين المثبت في وثيقة الحكومة الباكستانية المسربة، تم إجراء تصويت بحجب الثقة في البرلمان عن حكومة عمران خان، حيث أقر البرلمان تنحية خان عن السلطة. ويعتقد، على نطاق واسع، أن التصويت تم تنظيمه بدعم من الجيش الباكستاني القوي. 

بودكاست مسموعة

ومن لحظتها انخرط خان وأنصاره في صراع مع الجيش وحلفائه المدنيين  الذين زعم خان أنهم دبروا إزاحته من السلطة بناءً على طلب الولايات المتحدة.

ولم يسبق من قبل نشر نص البرقية الباكستانية التي صدرت عن الاجتماع من قبل السفير وأرسلت إلى باكستان. 

وتكشف البرقية، التي تُعرف داخليًا باسم "الشفرة"، الوسائل التي استخدمتها وزارة الخارجية في حملتها ضد خان، حيث وعدت بعلاقات أكثر دفئًا إذا تمت إزاحة خان، ووعدت في المقابل بفرض العزلة على باكستان إذا لم تتم تنحية عمران خان.

الوثيقة، التي تحمل عنوان "سري"، تتضمن سردًا للاجتماع بين مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية، الذين كان من بينهم مساعد وزير الخارجية لمكتب شؤون جنوب ووسط آسيا دونالد لو، مع أسعد مجيد خان، الذي كان في ذلك الوقت سفير باكستان في واشنطن.

وتم تقديم الوثيقة إلى موقع إنترسبت من قبل مصدر مجهول في الجيش الباكستاني، قال إنه ليس لديه أي علاقات مع عمران خان ولا مع حزبه. 

وتتوافق محتويات الوثيقة التي حصل عليها The Intercept مع التقارير الواردة في صحيفة Dawn الباكستانية وسائل إعلامية أخرى تناولت الاجتماع والتفاصيل الواردة في البرقية.

ففي البرقية، تعترض الولايات المتحدة على سياسة خان الخارجية بشأن حرب أوكرانيا. وسرعان ما ارتدت باكستان عن هذه السياسة بعد إقالته، فعادَ الود -الذي تعهّد به المسؤولون الأمريكيون في الاجتماع إذا عُزل خان- إلى العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان.

جاء الاجتماع الدبلوماسي بعد أسبوعين من الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي بدأ بينما كان خان في طريقه إلى موسكو، وقد أثارت زيارة خان إلى روسيا في هذا التوقيت غضبَ واشنطن.

يشار إلى أنه في الثاني من آذار/مارس، أي قبل بضعة أيام من الاجتماع، شارك دونالد لو في جلسة استماع أمام "لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي" للاستجواب بشأن حياد الهند وسريلانكا وباكستان في النزاع الأوكراني. 

رداً على سؤال من السيناتور الديمقراطي، كريس فان هولين، عن قرار باكستان بالامتناع عن التصويت بإدانة روسيا في الأمم المتحدة، قال لو: "لقد زار رئيس الوزراء عمران خان موسكو حديثًا، ونحن نتحرى النظر في كيفية التعامل معه بعد هذا القرار". وبدا فان هولين غاضبًا لأن وزارة الخارجية الأمريكية لم تتواصل مع خان بشأن هذه القضية.

وكان عمران خان قد خطب في اليوم السابق للاجتماع أمام حشدٍ من أنصاره مهاجمًا الولايات المتحدة ومحاولة فرض موقف على باكستان، فيما يتعلق بسياستها الخارجية، قائلًا: "هل نحن طوع أوامرهم؟ ما ظنكم بنا؟ أنحن عبيدكم، تأمروننا فتُطاعون؟ نحن أصدقاء لروسيا، وأصدقاء للولايات المتحدة. نحن أصدقاء للصين وأصدقاء أوروبا. نحن لسنا تابعين لأي تحالف معين".

وتشير الوثيقة المسربة إلى أن لو تحدث في الاجتماع بعبارات صريحة عن استياء واشنطن من موقف باكستان حيال الصراع بين روسيا وأوكرانيا. وتنقل الوثيقة قوله: إن "الناس هنا وفي أوروبا قلقون أشد القلق حيال أسباب اتخاذ باكستان هذا الموقف المحايد (بشأن أوكرانيا)، ونحن نشك في إمكان الحياد في هذا السياق. إذ لا يبدو لنا هذا الموقف محايدًا". وقد أجريت مناقشات داخلية مع مجلس الأمن القومي الأمريكي، و"من الواضح لنا أن هذه سياسة رئيس الوزراء الباكستاني".

ثم تطرق لو صراحةً إلى مسألة التصويت بسحب الثقة عن حكومة عمران خان: "أرى أنه إذا نجح التصويت بحجب الثقة عن رئيس الوزراء، فستغفر واشنطن كلَّ ما حدث، لأنها ترى أن زيارة روسيا إنما هي قرار مرتبط برئيس الوزراء، أما إن حدث خلاف ذلك، فأنا أرى أنه سيكون من الصعب المضي قدمًا" في علاقاتنا كأن شيئًا لم يكن.

وحذّر لو، حسب الوثيقة، المسؤولين الباكستانيين بأن هذه الأزمة لو لم تُحلَّ، فإن باكستان ستتعرض للعزلة من حلفائها في الغرب، وقال: "لا أدري ما رأي أوروبا في الأمر، لكنني أظن أنهم سيميلون إلى الرأي نفسه"، وقد يواجه خان "العزلة" من أوروبا والولايات المتحدة إذا بقي في منصبه.

زكي وزكية الصناعي

وقد رفضت الخارجية الأمريكية التعليق على فحوى الوثيقة السرية المسربة، واكتفى المتحدث باسمها ماثيو ميللر، بالقول إنه "لا شيء في هذه التصريحات المزعومة يُظهر أن الولايات المتحدة تميل إلى رأي معين بشأن من يجب أن يكون زعيمًا لباكستان، وأنا لن أعلق على مناقشات دبلوماسية خاصة".

وتذكر الوثيقة أن  السفير الباكستاني أعرب في ختام اللقاء عن أمله في ألا تؤثر قضية الحرب الروسية الأوكرانية على "علاقاتنا الثنائية". وقال المسؤول الأمريكي إن العلاقات أدركها أذى حقيقي، ولكنه ليس قاتلًا، وإذا رحل خان عن السلطة، يمكن أن تعود العلاقة إلى طبيعتها.

كما قال لو: "أرى إنها أحدثت بالفعل جفوة في العلاقة لدينا"، وأثارت القلق مرة أخرى من "الوضع السياسي" في باكستان. لكن "دعونا ننتظر بضعة أيام لنرى ما إذا كان الوضع السياسي سيتغير، لأنه إذا حدث ذلك، فسيختفي الخلاف الكبير في هذه القضية، وسرعان ما ستتلاشى هذه الجفوة. وإلا، فإننا سنواجه مشكلة حقيقية، وسيتعين علينا حينئذ أن ننظر في كيفية التعامل معها".

بحسب ذات الوثيقة فقد لوحت الإدارة الأمريكية للحكام الفعليين في باكستان بسياسة العصا والجزرة

في اليوم التالي للاجتماع، أي في 8 آذار/مارس، تقدم معارضو عمران خان في البرلمان بخطوة إجرائية بارزة نحو التصويت على سحب الثقة.

وبذلك انضم عمران خان إلى قائمة طويلة من السياسيين الباكستانيين الذين فشلوا في إنهاء فترة ولايتهم في المنصب بعد اصطدامهم بالجيش. 

يشار إلى أن السفارة الباكستانية في واشنطن لم ترد على طلب للتعليق قدّمه إليها موقع ذي إنترسبت الذي نشر الوثيقة السرية المسرّبة.