28-فبراير-2023
getty

الرئيس التونسي يعمل على إخضاع القضاء للسلطة التنفيذية بالتوازي مع قمع المعارضة (Getty)

دعت منظمة هيومن رايتس ووتش، في تقرير جديد صادر، يوم أمس الإثنين، السلطات التونسية إلى أن تعيد فورًا القضاة ووكلاء الجمهورية الذين عزلهم الرئيس قيس سعيّد تعسفًا. 

طالبت المنظمة الحقوقية الدولية بإلغاء جميع الإجراءات المتخذة لسحق استقلال القضاء

كما طالبت المنظمة الحقوقية الدولية بإلغاء جميع الإجراءات المتخذة لسحق استقلال القضاء، وكانت ذات المنظمة قد أدانت في ال 24 من شباط/فبراير الجاري الاعتقالات التي قامت بها الشرطة التونسية وشملت سياسيين وإعلاميين ونشطاء ورجال أعمال، ووصفت في تقريرها ذلك الحملة الحالية بأنها "الأكبر منذ منح سعيّد لنفسه سلطات استثنائية في 25 تموز/يوليو 2021، وأعلن ترؤس النيابة العمومية".

ومنذ انقلاب قيس سعيّد على البرلمان المنتخب في تموز/ يوليو 2021، وهو ينفذ حملة من الاعتقالات، تكثفت بشكلٍ كبير خلال الأسبوع الأخير، وشملت قيادات في المعارضة التونسية، تحت تهم أمنية فضفاضة، بهدف تصفية المعارضة التونسية، وجاءت في نهاية الانتخابات البرلمانية وإقرار دستور جديد من قبل قيس سعيّد، فيما شمل مساره التحريض على المهاجرين الأفارقة في تونس خلال الأسبوع الأخير.

وبالعودة لتقرير المنظمة الصادر يوم أمس حول استهداف القضاء في تونس من قبل قيس سعيّد، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن وزارة العدل التونسية "رفضت إعادة 49 قاضيًا ووكيلًا للجمهورية رغم أمر القيام بذلك الصادر عن محكمة إدارية في 9 آب/أغسطس 2022، وهو حكم لا يمكن للسلطات استئنافه. وبدلًا من ذلك، أعلن وزير العدل المعين من قبل سعيّد عن التحضير لقضايا جنائية ضد القضاة المعزولين".

ووصف أربعة ممن شملهم قرار العزل وقابلتهم هيومن رايتس ووتش بشكلٍ منفصل "التعسف في عزلهم وجهود السلطات لتبرير ذلك بتوجيه اتهامات جنائية ضدهم بعد حكم المحكمة الإدارية".

وبحسب مديرة شؤون تونس في هيومن رايتس ووتش سلسبيل شلالي فإن هذه الإجراءات التي عبّرت عنها بالضربات القوية لاستقلال القضاء "تعكس تصميم الحكومة على إخضاع وكلاء الجمهورية والقضاة للسلطة التنفيذية، على حساب حق التونسيين في محاكمة عادلة أمام قضاة مستقلين ونزيهين. ينبغي ألّا تُستخدم مكافحة الفساد لأغراض سياسية وأن تتم في إطار الامتثال لسيادة القانون".

واعتبر تقرير هيومن رايتس ووتش أن "رفض إعادة القضاة ووكلاء الجمهورية المعزولين هو من بين الإجراءات الأخيرة ضد السلطة القضائية التي اتخذها سعيّد منذ إمساكه بالسلطة في 25 تموز/يوليو 2021"، حيث قال سعيّد حينها "إنه سيتولى الإشراف على النيابة العامة. ثم حل بعدها في 12 شباط/فبراير 2022 من جانب واحد "المجلس الأعلى للقضاء"، وهو هيئة دستورية مكلفة بضمان استقلال القضاء. 

كما  استبدل سعيّد المجلس، بموجب المرسوم عدد 11 لسنة 2022، بـ "المجلس الأعلى المؤقت للقضاء" حيث يُعيّن جميع الأعضاء البالغ عددهم 21، منهم تسعة معيَّنون من قبل الرئيس مباشرة. كما منح المرسوم ذاته الرئيس سلطة التدخل في تعيين القضاة ووكلاء الجمهورية، ومساراتهم الوظيفية، وعزلهم.

وأشار تقرير هيومن رايتس ووتش إلى أن سعيد منح لنفسه في الأول من حزيران/يونيو "سلطة فصل القضاة والمدعين العامين من جانب واحد بموجب الأمر الرئاسي عدد 35 لسنة 2022. وفي اليوم نفسه، أصدر مرسومًا ثانيًا (أمر رئاسي عدد 516 لسنة 2022)، بإقالة 57 قاضيًا ووكيلًا للجمهورية، متهما إياهم بالفساد المالي و"المعنوي"، وعرقلة التحقيقات. في 12 شباط/فبراير، واعتقلت السلطات اثنين من هؤلاء القضاة ولم تُوجه إليهما تهم بعد، بحسب تقارير إعلامية".

ونقل تقرير هيومن رايتس ووتش عن القضاة ووكلاء الجمهورية المعزولين الذين قابلتهم المنظمة قولهم "إنهم علموا بعزلهم في 1 حزيران/يونيو بعد نشر أسمائهم في "الرائد الرسمي" (الجريدة الرسمية). وعلى عكس الإجراءات المعمول بها "عادة لتأديب القضاة، لم يُبلّغ أي من الأربعة بأسباب العزل أو الأدلة ضدهم، ولم يمنح أي منهم جلسة استماع وحق الاستئناف، ما عدا فرصة تقديم التماس إلى المحكمة الإدارية بوقف تنفيذ العزل".

ونوه تقرير هيومن رايتس ووتش إلى أن قيس سعيّد "اتخذ قراره بإقالة القضاة في مأمن من الاستئناف الفوري. إذ ينص الأمر الرئاسي عدد 35 لسنة 2022 على بدء الملاحقة الجنائية تلقائيا ضد القضاة ووكلاء الجمهورية المعزولين بموجب أحكامها. لا يحدد المرسوم التهم الجنائية. وينص المرسوم على أنه لا يجوز للقضاة أو وكلاء الجمهورية الطعن في عزلهم إلا بعد أن تصدر المحاكم حكما نهائيا في قضاياهم الجنائية".

ومع ذلك، استأنف القضاة ووكلاء الجمهورية المعزولون قرار عزلهم أمام المحكمة الإدارية بتونس والتي حكمت لصالح 49 منهم. إلا أنه، وفي ضربة أخرى لاستقلال القضاء، تجاهلت حكومة سعيّد أمر المحكمة بإعادة تعيينهم. وقالت المحكمة إن عزلهم ينطوي على انتهاك للحق في محاكمة عادلة، وانتهاكات خطيرة لحقوق المثول أمام المحكمة، وافتراض البراءة، الحصول على الدفاع. الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بموجب "القانون الإداري المحلي" نهائي ونافذ فورا. رغم مرور ستة أشهر، لم يعد أي من القضاة أو وكلاء الجمهورية إلى منصبه أو يستعد رواتبه ومزاياه، بما في ذلك التغطية الصحية.

ونقل تقرير المنظمة الحقوقية عن العياشي الهمامي، المحامي المنسق لـ "هيئة الدفاع عن استقلالية القضاء والقضاة المعفيين"  تأكيده أنه "لم يكن أي من القضاة ووكلاء الجمهورية الـ 49 في وقت عزلهم يواجه اتهامات جنائية أو الإدانة.

منذ انقلاب قيس سعيّد على البرلمان المنتخب في تموز/ يوليو 2021، وهو ينفذ حملة من الاعتقالات، تكثفت بشكلٍ كبير خلال الأسبوع الأخير

وأضاف أن التحقيقات الجنائية لم تبدأ إلّا بعد صدور حكم المحكمة"، بينما قال الرئيس السابق لـ "المجلس الأعلى للقضاء" يوسف بوزاخر لهيومن رايتس ووتش إن السلطات "تفتح تحقيقات ضد القضاة المفصولين كذريعة لتجنب تطبيق قرار المحكمة الإدارية".