14-يونيو-2023
gettyimages

النزاع الأخير يدور حول رفض فاغنر توقيع عقود مع وزارة الدفاع الروسية (Getty)

يبدو أنّ الصراع المحتدم بين قائد مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين ووزارة الدفاع الروسية قد وصل مرحلة "اللاعودة"، فقد دخل الصراع مرحلة جديدة بعدما ألزمت وزارة الدفاع الروسية "تشكيلات المتطوعين" بتوقيع عقود مباشرة مع الوزارة في مسعى لتأميم فاغنر واحتوائها في ظل القدرة على عدم السيطرة على قائدها.

قالت المحللة السياسية تاتيانا ستانوفايا لـ "واشنطن بوست": "يقع بريغوجين في منطقة رمادية حيث لديه تفويض من بوتين للتصرف، لكن حدودها غير محددة بوضوح"

وحددت وزارة الدفاع الروسية مطلع تموز/ يوليو المقبل موعدًا نهائيًّا لتوقيع العقود، لكن بريغوجين تمرد من جديد ورفض مبادرة وزارة الدفاع الروسية التي إذا لم يستجب لها ستحرم قواته من الذخيرة والدعم وقد يصل الأمر إلى أبعد من ذلك، لكن زعيم فاغنر يراهن على حاجة موسكو الملحّة لقواته في تجنب مثل ذلك السيناريو.

يشار إلى أنّه توجد نحو 40 فرقة غير نظامية تقاتل إلى جانب القوات الروسية، أبرزها مليشيات فاغنر و"كتيبة أحمد" الشيشانية، التي سارعت إلى التوقيع على المرسوم الجديد المقترح من وزارة الدفاع الروسية، علمًا بأن الكتيبة الشيشانية هي الأخرى في حرب تهديدات كلامية مع فاغنر.

زكي وزكية الصناعي

ووصلت الخلافات بين زعيم فاغنر ووزارة الدفاع الروسية ممثلة في سيرغي شويغو ذروتها الشهرين الماضيين، حيث وجه بريغوجين اتهامات لشويغو، وتبادلت مجموعة من مجموعته إطلاق النار مع وحدات الجيش، في حادثة هي الأولى من نوعها، وكان ذلك أثناء الانسحاب من باخموت، وأسرت مجموعة فاغنر على إثرها عقيدًا  في الجيش الروسي طيلة عدة أيام.

ومع ذلك التزمت وزارة الدفاع الصمت لكنها خرجت عن صمتها بإصدار المرسوم الجديد الذي اعتبرته وسائل إعلام غربية وروسية تجسيدًا لفكرة تأميم فاغنر وإلحاقها بالقوات النظامية بحيث تكون تابعة لوزارة الدفاع الروسية. 

وكان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أصدر السبت الماضي مرسومًا يُلزم "تشكيلات المتطوعين بتوقيع عقود مباشرة مع الوزارة لرفع فعالية الانتشار العسكري لتلك التشكيلات كجزء من مجموعة القوات المشتركة"، وحدد المرسوم فاتح شهر تموز/يوليو المقبل موعدًا نهائيًّا لتطبيق المرسوم.

ويمنح المرسوم مجموعة من التسهيلات والخدمات والتحفيزات متمثلة في"توسيع نطاق الحماية الاجتماعية، وتدابير الدعم التي وضعتها الدولة لهم، وكذلك لأفراد أسرهم".

كما تمنح الموقّعين عليها "الوضع القانوني اللازم، وتخلق مقاربات جديدة لتنظيم الدعم الشامل، ولتأدية مهامها على أكمل وجه"، وفق ما ذكرت وزارة الدفاع الروسية في بيانها.

زعيم فاغنر يرفض

كعادته في مناوءة وزارة الدفاع الروسية وقائدها سيرغي شويغو الذي شكك في كفاءته أكثر من مرة، رفض بريغوجين مرسوم الوزارة، قائلًا بنبرة تحدٍّ "أنا لا أوقع عقودًا مع شويغو" لأنه "لا يعد كفؤًا لإدارة التشكيلات العسكرية؛ لذا ليس لمعظم الوحدات العسكرية الفعالية التي تتمتّع بها قوات فاغنر"، على حد تعبيره.

وبهذا الرفض يفترض أن توقف وزارة الدفاع الروسية استفادة بريغوجين ومليشياته من الدعم العسكري الذي تقدمه، بما في ذلك الذخيرة التي فجّرت الخلاف الأخير بعد شكوى بريغوجين المتكررة نقصها أثناء مواجهات باخموت.

يعي بريغوجين خطورة رفض المرسوم الصادر عن الدفاع الروسية، ولذلك أضاف في تصريحاته: "ما يمكن أن يحدث بعد هذا الأمر أننا لن نحصل على أسلحة وذخيرة. سنكتشف ذلك"، مستدركًا القول: "عندما تضرب العاصفة، سيأتون إلينا مسرعين طلبًا للمساعدة، ويجلبون الأسلحة والذخيرة"، مجدّدًا، فيما يشبه سياسة العصا والجزرة، أظهر استعداده لنشر مقاتليه في منطقة بيلغورود التي ما زالت تعيش على وقع الاقتحامات المتكرّرة للحدود من قبل مليشيات روسية متعاونة مع الجيش الأوكراني.

لكنّ بريغوجين تجاهل انطواء المرسوم على نقطة خطيرة وهي حديثه عن "الوضع القانوني اللازم"، بحيث يمكن أن يؤدي رفض توقيع العقود إلى نزع "صفة الشرعية عن مجموعة فاغنر وحصر قادتها في وضعية غير قانونية، وهم يقودون بالأساس مجموعة من السجناء وأصحاب السوابق الذين افتدوا أنفسهم بالقتال".

لكنّ تلك الخطوة، تظل مستبعدة، نظرًا لعدم اقتصار استعمال فاغنر من طرف موسكو في أوكرانيا لوحدها، فالمجموعة تقوم بمهمات خارج تلك المنطقة في أفريقيا والشرق الأوسط.

بودكاست مسموعة

حدود رمادية

أمّا عن نبرة زعيم فاغنر العالية، فقد قالت المحللة السياسية تاتيانا ستانوفايا لـ "واشنطن بوست": "يقع بريغوجين في منطقة رمادية حيث لديه تفويض من بوتين للتصرف، لكن حدودها غير محددة بوضوح. لذا فإن بريغوجين يختبر حدوده، ولا يرى مقاومة جدية، فيواصل دفعها".

ورغم أن بوتين لم يوبّخ مالك فاغنر بشكلٍ علني، إلا أن هناك دلائل على أن الرئيس الروسي قد تدخل في وقت سابق من العام لرسم حدود بريغوجين وفاغنر، وفقًا لوثائق استخباراتية أمريكية سرية تم تسريبها على منصة ديسكورد، أقام بوتين اجتماعًا بين بريغوجين ووزير الدفاع شويغو في شباط/ فبراير لمعالجة نزاع حول إمدادات الذخيرة غير الكافية في باخموت.

رغم أن بوتين لم يوبّخ مالك فاغنر بشكلٍ علني، إلا أن هناك دلائل على أن الرئيس الروسي قد تدخل في وقت سابق من العام لرسم حدود بريغوجين وفاغنر

كما  تم النظر إلى تعيين فاليري جيراسيموف، رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، الذي هاجمه بريغوجين علنًا، كقائد عام للحرب في أوكرانيا بمثابة ضربة لفاغنر، وفقد بريغوجين مصدر قوته البشرية الرئيسي عندما منعته وزارة الدفاع من التجنيد في السجون.