10-يناير-2023
gettyimages

تقاتل فاغنر على جبهة باخموت منذ أشهر والحديث عن الرغبة بالوصول إلى مناجم الرواسب الملحية في المدينة (Getty)

تتصدر مجموعة "فاغنر" القتال على جبهة باخموت شرق أوكرانيا، وتتمسك في المواجهة فيها بشكلٍ غريب منذ أشهر، رغم صعوبة المعارك التي وصلت إلى حدّ وصف رئيس شركة "فاغنر" أن "كل منزل بمثابة حصن" في مدينة باخموت، متحدثًا بالأساس عن صعوبة السيطرة على أمتار داخل المدينة، وواصفًا سير المعارك البطيء، في الوقت نفسه تحدثت مصادر أمريكية عن أن عدد قتلى مجموعة "فاغنر" على جبهة باخموت وصل إلى ألف قتيل. كل هذا يستدعي سؤالًا واحدًا، ماذا تريد فاغنر من باخموت؟

تتصدر مجموعة "فاغنر" القتال على جبهة باخموت شرق أوكرانيا، وتتمسك في المواجهة فيها بشكلٍ غريب منذ أشهر، رغم صعوبة المعارك التي وصلت إلى حدّ وصف رئيس شركة "فاغنر" أن "كل منزل بمثابة حصن" في مدينة باخموت

وتُعد المعارك في باخموت الأبرز في الحرب الروسية على الأوكرانية، خلال الأشهر الأخيرة، وتتصدر عناويين الأخبار بشكلٍ يومي، ومنها تحديد تم إثبات مشاركة مرتزقة "فاغنر" بالقتال، وخرجت عدة مقاطع مصورة لرئيس الشركة وهي يتحدث فيها وعنها وعن محاولة تجنيد السجناء للقتال فيها مقابل شطب سجلهم الجنائي. وحول الدافع الأساسي في هذه المعركة نقلت "رويترز" عن مسؤول في البيت الأبيض، ترجيحه أن "الدوافع مالية ربما هي التي تفسر هوس الروس وبريغوجين (رئيس شركة فاغنر) بالمدينة"، التي تشهد معارك دموية مستعرة في الأشهر الأخيرة. والحديث يدور تحديدًا حول رغبة مؤسس مجموعة "فاغنر" بالوصول مناجم الملح والجبس في المدينة.

وبحسب موقع Business" Insider" الأمريكي، فإن الاستيلاء على باخموت يمكن أن يحقق هدف روسيا بفرض مزيد من السيطرة على إقليم دونباس، لكن بعض المحللين ذكروا أن المدينة لا تقدم إلا القليل من المميزات الاستراتيجية بالنسبة لروسيا، وأن التركيز الشديد للسيطرة على المدينة يكمن في الاستيلاء على الموارد الطبيعية المحيطة بها. وتمتلك مدينة باخموت كميات ضخمة ونقية من رواسب الملح، ما قد يفسر دوافع "فاغنر" للقتال على هذه الجبهة.

وسبق أن اتهمت الولايات المتحدة، مرتزقة "فاغنر" باستغلال الموارد الطبيعية في جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي والسودان وأماكن أخرى، للمساعدة في تمويل آلة الحرب في الشرق الأوسط وأفريقيا وأوكرانيا.

getty

وفي نفس السياق، ذكرت مجلة "بوليتيكو" الأمريكية أن مجموعة "فاغنر" توسع من نشاطاتها في أوروبا وأفريقيا، بحسب مسؤولين أمريكيين.

وأشارت المجلة إلى أن دوائر الأمن في الولايات المتحدة تقوم بجمع المعلومات الاستخبارية المتعلقة بأنشطة المجموعة في دول مثل جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي وصربيا، وفقًا لبرقيات حصلت عليها "بوليتيكو"، حيث تستخدم روسيا مجموعة "فاغنر" لمحاربة المشاعر المناهضة لبوتين، بالإضافة للمصالح الاقتصادية لروسيا في تلك الدول، خاصةً مناجم التعدين والذهب.

حيث تعمل مجموعة "فاغنر في عشرات البلدان، وتتعاون مع الحكومات في مشاريع عسكرية وسياسية واقتصادية، وتتبعت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة أنشطة المجموعة في جميع أنحاء العالم ، لا سيما في بلدان مثل سوريا، حيث تتمركز القوات الأمريكية.

وتُظهر البرقيات كيف تتبع أمريكا تحركات وأنشطة "فاغنر" على الأرض في جمهورية أفريقيا الوسطى وصربيا، ومدى التهديد الذي تمثله المجموعة في كلا البلدين، حيث توفر البرقيات سياقًا جديدًا لكيفية تحليل إدارة بايدن للنشاط المتزايد للمجموعة شبه العسكرية في البلدان المضطربة سياسيًا.

ذراع بوتين

ولفت أحد كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية، إلى أن حكومة الولايات المتحدة "تشعر بالقلق إزاء مدى تدخل فاغنر في السياسات الداخلية للدول ذات السيادة، وانتهاك حقوق الإنسان، وسلب ثرواتها المعدنية". متابعًا حديثه، "هناك أدلة مهمة على أن تكتيكات فاغنر القاسية لمكافحة الإرهاب في أماكن مثل مالي تؤدي إلى تفاقم الوضع من خلال خلق المزيد من الفرص لاستغلال المتطرفين".

من جهتها، قالت المديرة المشاركة والزميلة المشاركة في مشروع التهديدات العابرة للحدود في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية كاترينا دوكس، إن "استخدام الشركات العسكرية الخاصة، لا سيما كما رأينا في البلدان ذات الإدارة الضعيفة والتحديات الأمنية المستمرة والموارد الطبيعية الغنية، يجعل فاغنر أما تنفذ اتفاقيات أمنية، أو تسهل العلاقات الدبلوماسية المستقبلية مع تلك البلدان".

ويخضع بريغوجين ومجموعة "فاغنر" للعقوبات الأمريكية منذ سنوات، لكن الولايات المتحدة اتخذت مؤخرًا خطوات إضافية لمحاولة السيطرة على وصول "فاغنر" إلى الأسلحة، ففي نهاية شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، طبقت إدارة بايدن ضوابط تصدير إضافية على المجموعة، مما زاد من صعوبة وصولها إلى أي معدات عسكرية باستخدام التكنولوجيا الأمريكية.

وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي، للصحفيين الشهر الماضي إنه بسبب العقوبات وضوابط التصدير، بحثت "فاغنر" عن شركاء في جميع أنحاء العالم لتزويدهم بالمعدات اللازمة لدعم عملياتها، وأضاف كيربي أن "فاغنر تسلمت صواريخ من كوريا الشمالية، وهو مؤشر على كيفية مواصلة روسيا والحلفاء، البحث عن سبل للالتفاف على العقوبات الغربية".

أكثر من شركة أمنية

وتمتد عمليات مجموعة "فاغنر" في أفريقيا إلى دول مختلفة، في أفريقيا الوسطى ومالي ومدغشقر وليبيا. وفي السنوات الأخيرة، عززت المجموعة نشاطها في جمهورية أفريقيا الوسطى وأسست مكاتب فيها عام 2018، وأنشأت "بيت روسيا"، وهو مركز ثقافي في العاصمة بانغي، وعملت على تدريب قوات الحماية الخاصة للرئيس فوستين أرشينج تواديرا، بالمقابل تحدثت تقارير لمجموعات حقوقية عن أن فاغنر مسؤولة عن العشرات من عمليات القتل والإعدامات طالت المدنيين في البلاد.

getty

وفي الشهر الماضي، ووفقًا للبرقيات، بدأ المسؤولون الأمريكيون في تتبع تداعيات الهجوم على رئيس "بيت روسيا" دميتري سيتي، وهو أحد كبار قادة مجموعة "فاغنر" في جمهورية أفريقيا الوسطى، وزعم بريغوجين أن سيتي تلقى طردًا انفجر في يديه، واصفًا إياه بأنه "هجوم إرهابي"، وزعم أن الطرد جاء مع ملاحظة تشير إلى أن فرنسا هي المسؤولة. لكن في الأيام التي أعقبت الحادث، سارع المسؤولون الأمريكيون لتحديد ما إذا كان الهجوم قد وقع أو ما إذا كان "فاغنر" تنشر معلومات مضللة لأسباب سياسية، وهو تكتيك غالبًا ما تستخدمه المجموعة، ولم تتمكن أمريكا من تحديد ما إذا كانت "فاغنر" تحاول جعل الأمر يبدو كما لو أن الفرنسيين هاجموا المجموعة.

ونفى مسؤولون فرنسيون أي تورط لهم في الهجوم، ووصفت وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا،  مزاعم "فاغنر" بـ"الدعاية الروسية".

كما تتابع الإدارة الأمريكية تحركات المجموعة في صربيا وبيلاروسيا، فقد ظهرت تقارير عن نشاط لمجموعة "فاغنر" في بيلاروسيا منذ العام 2020، وتشير التقارير إلى أن المجموعة شاركت حكومة مينسك حملة القمع ضد معارضي الرئيس البيلاروسي الكسندر لوكاشينو، الذين اتهموا  بـ"بث الفوضى في الفترة التي أعقبت الانتخابات الرئاسية".

وفي صربيا، أعلنت "فاغنر" عن افتتاح "مركز ثقافي" في بلغراد، وهو غطاء لمواجهة النشاط المتزايد ضد نظام الرئيس بوتين من قبل المعارضين الروس في المنفى، كما جاء في إحدى البرقيات.

في صربيا أعلنت "فاغنر" عن افتتاح "مركز ثقافي" في بلغراد، وهو غطاء لمواجهة النشاط المتزايد ضد نظام الرئيس بوتين من قبل المعارضين الروس في المنفى

كما يترافق الإعلان عن وجود المجموعة في صربيا، مع تصاعدت التوترات على حدود كوسوفو، حيث أمر الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش الذي لا يعترف بإعلان كوسوفو استقلالها عام 2008، القوات الصربية بالانتقال إلى مواقع جاهزة للقتال، وهدد بالعبور إلى كوسوفو لـ"حماية الشعب الصربي الذي يعيش هناك"، نتيجة التوتر في كوسوفو منذ تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.