18-أبريل-2016

من صور اعتصام التحرير 2011 (Getty)

المقال التالي، ترجمة لمقال روجر كوهين في النيويورك تايمز، عن الخسارات المتتالية لليبرالية الغربية.

___

لقد ماتت الليبرالية. أو على الأقل هي على حافة الهزيمة. بعد انتصارها منذ ربع قرنٍ مضى، عندما بدا أن الديمقراطية الليبرالية قد انتصرت بوضوح على اليوتوبيات الشمولية التي كان ثمنها كل ذلك القدر من الدماء، هي الآن محاصرة من الداخل والخارج.

ليس من المستغرب أن يعجب بوتين بترامب. لا تتعلق السلطوية الروسية سوى باستعراض القوة والتملق الشعبي الذي يتم ترسيخه من خلال وسائل الإعلام

اتحدت القومية والسلطوية، ودعمتهما التكنولوجيا، لممارسة أشكالٍ جديدة من السيطرة والتلاعب على البشر الذين، رغم كل شيء، لم ينته كونهم عرضة للجشع والجهل والهيمنة والخنوع والخوف مع سقوط حائط برلين.

اقرأ/ي أيضًا: تيران وصنافير..من المستفيد؟

مع سقوط الشيوعية، وانفتاح المجتمعات المغلقة بقوة، وبزوغ عصر من العولمة السريعة، وحصول الولايات المتحدة على لقب "القوة العظمى"، بدا من المنطقي الاعتقاد، كما طرح فرانسيس فوكوياما عام 1989، أن "انتصار الغرب، انتصار الفكرة الغربية، واضح قبل كل شيء في الإنهاك التام للبدائل المنهجية القابلة للحياة لليبرالية الغربية". وبالتالي، حسب فوكوياما، تم الوصول إلى نهاية التاريخ بـ"عولمة الليبرالية الغربية بوصفها النموذج النهائي للحكم البشري".

كانت تلك رؤية عقلانية. كانت منطقية. مئات الملايين من الأشخاص الذين تم استعبادهم داخل الإمبراطورية السوفيتية قد تم تحريرهم للتو. لقد عرفوا -لقد عرف الجميع- أي نظامٍ يعمل على نحوٍ أفضل. المشكلة هي أن قبضة المنطق على الشؤون الإنسانية دائمًا هشة.

بالنظر إلى التاريخ الإنساني، تبدو التجربة الديمقراطية الليبرالية -بإيمانها المستمد من التنوير بقدرة الأفراد الذين يمتلكون حقوقًا معينة غير قابلة للمصادرة على تحديد مصائرهم في حرية من خلال ممارسة إرادتهم- ليست أكثر من فاصلٍ قصير. ما كان أكثر استمرارية بكثير هو عهود السلطة المعصومة، والسلطة المطلقة المستمدة من الإله، والهيمنة والرق، والخضوع لما أسماه إزيا برلن "قوى التعصب المعادية للمنطق".

تلك القوى المعادية للمنطق تنتشر اليوم في كل مكان – في أمريكا دونالد ترامب، وفي فرنسا مارين لوبان، وفي روسيا فلاديمير بوتين، وعبر أغلب أنحاء الشرق الأوسط، وفي كوريا الشمالية. أثبتت الحكومات التمثيلية في ظل سيادة القانون أنها لن تكون مصدر ترحيب في عصر يغص بصورٍ مسكرة من القوة والعنف عبر وسائل التواصل الاجتماعي الذاتوية وألعاب الإنترنت.

حدد برلن، قبل فوكوياما بفترةٍ كبيرة، نقطة ضعف محتملة لليبرالية. في كتاب "ضلع الإنسانية الأعوج" ، كتب برلن: "إن موعظةً ليبرالية توصي بآلية مصممة لمنع الناس من إلحاق الكثير من الضرر ببعضهم البعض، وإعطاء كل جماعة بشرية مساحة كافية لتحقيق غاياتها الخاصة والفريدة دون الكثير من التدخل في غايات الآخرين، ليست صيحة حرب متقدة تصلح لإلهام الرجال بالتضحية والشهادة والمآثر البطولية".

لا، ولكن كما يعرف واضعو الدستور الأمريكي، فإن آليات هذا الإلهام الليبرالي هي أفضل أمل لمنح المواطنين دفاعًا دائمًا ضد الطغيان.

لكن الحرية تتطلب أشياءً معينة. تتطلب الليبرالية قبول اختلافاتنا البشرية والقدرة على التوفيق بينها من خلال المؤسسات الديمقراطية. إنها تتطلب قبولًا لحقائق متعددة، وربما غير متوافقة. في عصر الخطابات الحماسية والصياح، في عصر الاستقطاب وتشويه السمعة، وبيع السياسة والانغمار الخبيث للسياسة في عالم الترفيه الخالي من الحقائق، فإن ظهور ترامب هو غير مفاجئ بنفس القدر الذي ينذر به بالخطر.

اقرأ/ي أيضًا: بسبب تيران وصنافير..المصريون يكسرون قانون التظاهر

ليس من المستغرب أن يعجب بوتين بترامب. لا تتعلق السلطوية الروسية سوى باستعراض القوة والتملق الشعبي الذي يتم ترسيخه من خلال وسائل الإعلام المتزلفة لشخصيةٍ تماثل القيصر. أشار برلن إلى أن هناك "بعض الصحة" لما طرحه الكاتب المحافظ جوزيف دي ميستر بأن "الرغبة في التضحية بالنفس، والمعاناة، والخضوع أمام السلطة، بل أمام القوة المتفوقة، بصرف النظر عن مصدرها، والرغبة في الهيمنة، وممارسة السلطة، والسعي وراء السلطة لذاتها لا لشيءٍ آخر" هي قوىً "من الناحية التاريخية على الأقل تعادل قوة الرغبة في السلام والرخاء والحرية والعدالة والسعادة والمساواة".

وهكذا فإن التاريخ لا ينتهي. إنه يتأرجح إلى الأمام والخلف.

الفشل الذريع للصحوة العربية -أكبر حركة تحرر منذ عام 1989 في محاولةٍ من الشعوب العربية لتمكين أنفسها- له أسبابٌ عدة، ولكن أحد الأسباب المحورية كان غياب أي قاعدة جماهيرية ليبرالية في المجتمعات من مصر إلى ليبيا. حتى دولة ذات طبقة وسطى كبيرة مثل مصر لم تكن مستعدة لقبول التوفيق بين حقائق متعددة من خلال المؤسسات الديمقراطية. وهكذا عادت السلطة إلى الجنرالات، وحُكم على الإسلاميين -حتى المعتدلين منهم- بالسجن أو ما هو أسوأ.

في روسيا، والآن في بلدانٍ من المجر إلى بولندا، وفي الصين، تصعد أشكال الاستبداد بينما تتراجع الليبرالية (أو حتى التحرر المتواضع). في الشرق الأوسط، يلقي تنظيم "الدولة الإسلامية" بظلاله الرقمية الطويلة على المنطقة. وفي المجتمعات الغربية التي تعاني من تنامي عدم المساواة (أضعفت الاقتصادات النيوليبرالية أيضًا أوراق اعتماد الليبرالية)، فإن المسار السياسي والنقاش في حرم الجامعات والصراخ على وسائل التواصل الاجتماعي، جميعها تعكس ضيقًا جديدًا بالحقائق المتعددة، وتعصبًا وعدم رغبة جديدين في تقديم التنازلات التي تسمح بنجاح الديمقراطية الليبرالية.

يأتي التهديد الذي تواجهه المجتمعات الغربية الليبرالية من الداخل والخارج على حدٍ سواء. قد تكون الليبرالية واهنة كصيحة حرب، لكن ليس هناك ما هو أكثر أهمية من الكرامة الإنسانية.

اقرأ/ي أيضًا: 

الجسر بين مصر والسعودية..يبدأ بجزيرتين

الرئيس الغلبان..السيسي نموذجًا