16-أبريل-2016

صورة من الجو لجزيرتي تيران وصنافير (Getty)

نشر مركز ستراتيجيك فوركاستنج للدراسات الاستراتيجية المعروف باسم ستراتفور والمعني بقطاع الاستخبارات تقريرًا عن الجسر المصري السعودي المقترح والاتفاق الذي يقضي بنقل ملكية جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية واللذين تم الإعلان عنهما أثناء زيارة الملك السعودي سلمان إلى القاهرة. يعد المركز أحد أشهر المؤسسات في مجاله، حيث يعمل به العديد من العاملين المتقاعدين بالقطاع الأمني الأمريكي، وتعتبره كبريات وسائل الإعلام العالمية مصدرًا رئيسيًا للتحليلات المتعلقة بالقضايا الاستراتيجية والاستخبارية. فإلى نص التقرير:

يظهر استعداد الحكومة المصرية لتحمل الثمن السياسي للتنازل عن الجزيرتين إلى جارتها المدى الذي وصلت إليه السعودية في جذب مصر إلى تكتلها الدولي

ملخص

خلال الزيارة الرسمية الأولى له إلى القاهرة، أعلن الملك سلمان مع الرئيس عبد الفتاح السيسي نيتهما إعادة إحياء الخطط التي كثيرًا ما تجري مناقشتها لبناء جسر يربط مباشرةً بين بلديهما. بينما تبدو خطط الجسر مبهمة بدرجةٍ ما، وافق الزعيمان رسميًا أيضًا على اتفاقيةٍ أكثر وضوحًا تعيد رسم الحدود البحرية بين البلدين لتعيد السيطرة على جزيرتين استراتيجيتين تقعان في مدخل خليج العقبة، تعرفان باسم تيران وصنافير، إلى السعودية. إذا تم بناء الجسر، فسوف يكون له مميزاته وعيوبه لكلا البلدين؛ أما نقل ملكية الجزيرتين، من جانبٍ آخر، فقد خلق سخطًا سياسيًا في مصر.

اقرأ/ي أيضًا: بسبب تيران وصنافير..المصريون يكسرون قانون التظاهر 

تحليل

جذب اقتراح الجسر الكثير من الانتباه الإعلامي، لكنها ليست أول مرة يتم فيها الإعلان عن خطة كبرى لربط السعودية ومصر. خلال قمةٍ عقدت عام 1988، أعلن الملك السعودي فهد والرئيس المصري حسني مبارك خططًا لبناء مثل ذلك الجسر، وفي 2012، أعاد الرئيس المصري محمد مرسي إحياء الفكرة، لكن في كلا المرتين لم يصل الأمر إلى مرحلة التنفيذ. دعت الخطط السابقة إلى جسرٍ يمتد بطول 20 إلى 25 كيلومتر وارتفاع 100 متر ويمر بجزيرة تيران، أو وعدت بخط سكة حديد، أو تجاوزت تيران بالكامل. تفتقد التعديلات الجديدة تصميمًا للجسر وجدولًا زمنيًا، لكن تلك الخطط لبناء جسرٍ مشترك تقدر التكلفةً بما يتراوح بين 3 إلى 4 مليارات دولار وزمن إنشاء 7 سنوات.

لكن نقل ملكية جزيرتي تيرات وصنافير، اللتين تقعان على جانبي مضايق تيران الاستراتيجية في مدخل خليج العقبة، هو ثمرة 11 لقاءً دبلوماسيًا امتدت على مدار ست سنوات. يُعتقد أن الأمر بدأ عبر طلبٍ سعودي للسيطرة الكاملة على الجزر عام 1988.

المسار المقترح للجسر

قبل تأسيس دولة السعودية الحديثة عام 1932 وقبل أن تستقل مصر من الإمبراطورية العثمانية عام 1922، كانت الجزيرتان والممرات المائية حولهما خاضعة للسيطرة العثمانية. عقب تأسيس إسرائيل عام 1948، سمحت اتفاقٌ بين مصر والسعودية لمصر بوضع مجموعة صغيرة من الجنود على الجزيرتين لحمايتهما من عدوانٍ إسرائيلي محتمل. احتلت إسرائيل جزيرة تيران بعد حرب الأيام الستة عام 1967 وتولت السيطرة على مضايق تيران. استمر هذا حتى توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1978. تتمركز قوة حفظ سلام متعددة الجنسيات، تتكون في أغلبها من جنودٍ أمريكيين مع بعض القوات المصرية، على الجزيرتين منذ عام 1982.

مضيق استراتيجي

رغم الأهمية الاستراتيجية للجزيرتين إلا أن بناء جسر لن يكون له تأثير كبير على التوازن العسكري بين مصر والسعودية والأردن وإسرائيل. ورغم أن الإعلام الإسرائيلي عبر من قبل عن مخاوف من أن مثل ذلك الجسر سوف ينتهك اتفاقية كامب ديفيد، فإن المسؤولين الإسرائيليين لم يعبروا عن أي اعتراضاتٍ على خطة الجسر الأخيرة أو على نقل ملكية الجزيرتين. حسب صحيفة الأهرام المصرية، وعد ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أن بلاده سوف تستمر في احترام وجود القوة متعددة الجنسيات على الجزيرتين وضمان العبور الآمن للسفن من البحر الأحمر إلى خليج العقبة، الذي يقع عليه الميناء الأردني الوحيد، ميناء العقبة، والميناء الإسرائيلي الوحيد الذي يتصل مباشرةً بالبحر الأحمر، وهو ميناء إيلات. تورد تقارير أن الحكومة الإسرائيلية تم إبلاغها بنقل ملكية الجزيرتين قبل توقيع الاتفاقية بفترةٍ كافية.

إذا اتبع الجسر الحالي الخطط السابقة، فإنه لن ينتهك بنود اتفاقية كامب ديفيد التي تضمن حق الملاحة عبر المضايق. عندما تخلى مبارك عن خطط بناء الجسر عام 2005، مبررًا ذلك بالضرر الذي سوف يسببه إنشاؤه للشعب المرجانية، كان من المخطط أن يكون ارتفاع الجسر 100 متر. سوف يترك هذا الارتفاع مساحة كافية لعبور السفن التجارية والعسكرية من كافة الأنواع (بالمقارنة، يبلغ الارتفاع المسموح به لجسر البوابة الذهبة بسان فرانسيسكو 67 مترًا).

لن تظهر مخاوف استراتيجية عسكرية أخرى إلا في حالة حدوث صراع في أيٍ من البلدين تطّلب نشر قوات الأخرى. وجود جسر بين مصر والسعودية سوف يقلل زمن وتكلفة عبور الجنود والمعدات بين البلدين. تعهدت مصر مرارًا بحماية السعودية في حالة اختراق حدودها، ورغم أنه لا يوجد مثل ذلك الصراع في الأفق، فإن السعودية تقوم بجمع كل ما تستطيعه من دعم لضمان أن يكون لديها أصدقاء قريبين وبعيدين لديهم قوة عسكرية يستطيعون المساعدة بها. أما فيما يتعلق بالفائدة العسكرية للجزيرتين، فإن السعودية لديها بالفعل مدفعية على أرضها تغطي المضايق.

اقرأ/ي أيضًا: تيران وصنافير..من المستفيد؟

حسب مصادر ستراتفور، نصح المجلس الأعلى للقوات المسلحة السيسي بالتراجع عن نقل ملكية الجزيرتين لأن ذلك قد يجرح الكبرياء الوطني ويسبب سخطًا شعبيًا

الفوائد الاقتصادية لبناء الجسر

الهدف المعلن لبناء الجسر اقتصادي، وهو تسهيل التجارة وزيادة نمو فرص العمل. قال رئيس المجلس الأعمال المصري السعودي في 12 أبريل بالقاهرة أن السعودية تهدف إلى خلق 320,000 فرصة عمل عبر السنوات الخمس القادمة، مع التركيز على منطقة شمال سيناء، حيث يسبب عدم الاستقرار والنشاط المتطرف بسبب الفقر مخاوف لدى كلا البلدين. في خطابٍ أمام البرلمان المصري لاستعراض مزايا الجسر فيما يتعلق بخلق فرص عمل جديدة، دعا الملك سلمان إلى إقامة منطقة تجارة حرة في المنطقة.

كان تسهيل نقل البضائع المصرية إلى السعودية دائمًا جزءًا من خطة بناء الجسر، لكن من غير الواضح إلى أي مدى سيساعد الجسر في زيادة تدفقها. سوف يكون إيصال البضائع إلى الجسر رحلة طويلة نسبيًا على طرقٍ سيئة عبر صحراءٍ جبلية. يمكن أيضًا للمتشددين الذين ينشطون في سيناء استهداف بعض المسافرين في طريقهم إلى الجسر، مما يقلص من فوائد الجسر كممرٍ تجاري.

لكن إحدى المزايا المحتملة هي زيادة عدد الحجاج المسافرين بريًا من مصر إلى السعودية. يسافر أغلب الحجاج المصريين حاليًا إلى السعودية جوًا، لكن البعض سوف يلجأ إلى الطريق البري رغم أن ما سيوفرونه من أموال قد يكون بسيطًا.

السيسي يدفع ثمنًا

يظهر استعداد الحكومة المصرية لتحمل الثمن السياسي للتنازل عن الجزيرتين إلى جارتها المدى الذي وصلت إليه السعودية في جذب مصر إلى تكتل الدول السنية. في مصر، استغل منتقدون ما يرونه رضوخًا من السيسي للراعي الثري لمصر وتخليه عن أرضٍ مصرية. يدعي البعض أن التخلي عن الجزر يخالف الدستور المصري، والذي يمنع بيع الأراضي العامة، وقاد احتجاجٌ على الاتفاقية بالقاهرة إلى القبض على خمسة أشخاص. سوف تنظر محكمة إدارية بالقاهرة في طعنٍ على الاتفاق في السابع عشر من مايو. تأتي الاحتجاجات والقضية المنظورة وانتقاد الإعلام في وقتٍ يواجه فيه السيسي انخفاضًا كبيرًا في شعبيته. حسب مصادر ستراتفور، نصح المجلس الأعلى للقوات المسلحة السيسي بالتراجع عن نقل ملكية الجزيرتين، لأن ذلك قد يجرح الكبرياء الوطني ويسبب سخطًا شعبيًا. أدى توقيت الاتفاقية، والذي جاء بالتزامن مع الإعلان عن استثماراتٍ سعودية كبيرة في مصر، إلى أن يبدو نقل ملكية الجزيرتين أقرب إلى عملية بيع.

أشار المدافعون عن الاتفاقية إلى أنه لم يكن هناك عملية بيع للجزيرتين على الإطلاق وأن الجزيرتين كانتا تعتبران أرضًا سعودية قبل عام 1950. تجعل الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها مصر البلاد تعتمد على سخاء رعاتها من أجل البقاء وتوفر لها خياراتٍ أقل عما كان لديها عندما كانت أكثر ثراءً واكتفاءً ذاتيًا.

قد تلحق خطة الجسر الحالية بسابقاتها، والتي تم الإعلان عنها بنيةٍ صادقة لكنها لم تنفذ. ففي النهاية الوضع المالي للسعودية ليس كما كان من قبل، والفوائد الاقتصادية التي سيجلبها مثل هذا الجسر تبدو مبالغًا فيها على أفضل تقدير. لكن الثمن السياسي الذي تدفعه الحكومة المصرية بسبب قرارها المتعلق بالجزيرتين سوف يستمر في مطاردتها على مدار الأشهر القادمة، حيث يرى المصريون أن حكومتهم قد خانت سيادة البلاد.

اقرأ/ي أيضًا:

 اليمن..هدنة هشة في انتظار مفاوضات الكويت

مباحثات جنيف..المرحلة الانتقالية أولًا