22-نوفمبر-2017

لقطة من فيلم The Shining (1980)

كأي قارئ متابع لأعمال كاتب ما، يصلك خبر أنه سوف يتم تحويل أحد أعماله إلى مسلسل أو فيلم من باب شهرة الرواية أولًا، ولقوة أحداثها ثانيًا، ولكسب جمهور الرواية أخيرًا. في الحقيقة سنويًا يتم تحويل ما بين ثماني إلى تسع روايات إلى أفلام، ربما أغلبها لم يفلح ويحقق النجاح المطلوب فتذهب في المُهملات أو في طي النسيان. وسواء نجح العمل أو فشل فهذه الخطوة من تحويل رواية إلى فيلم يجب فيها مراعاة عدة جوانب منها:

"الخلاص من شاوشنك" هو رواية قصيرة جدًا لا تتعدى 100 صفحة داخل مجموعة روايات أطلق عليها "الفصول الأربعة" مجمعة في كتاب واحد، فكيف خرج من هذه الصفحات القليلة فيلم ناجح وعظيم؟

1. المعالجة السينمائية

المعالجة السينمائية هي حجر أساس العمل عندما يتم نقله من أوراق الكتاب إلى أوراق نص الفيلم، وحتى تعرف ماذا تفعل المعالجة، فهي تمتلك ثلاث مهام قوية تعطي للفيلم حقه وتغطي على نقاط ضعفه من خلال عرض الجوانب التفصيلية الأخرى؛ وهذه المهام الثلاثة هي: تحديد البؤرة المقترحة على السيناريو، وإضفاء الإحساس العاطفي على القصة، والتجسيد الذي يضيق أو يزيد من اتساع بؤرة السيناريو، وهو ما يعطي الفيلم الطابع النهائي.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Poetry" للمخرج لي تشانغ دونغ.. لغة جديدة لفهم الحياة

كثير من الأعمال راحت ضحية المعالجة وخصوصًا المقتبسة، لنقل إن للكاتب رؤية ولفريق السيناريو رؤية أخرى إما تصيب أو تخيب، ومثال على هذه الرؤى التي خالفت رؤية الكاتب: فيلم The Shawshank Redemption للكاتب ستيفن كينج، والمخرج داربونت. وفيلم Shutter Island للكاتب دينس ليهان، والمخرج مارتن سكورسيزي.

لاحظ هنا أن "الخلاص من شاوشنك" هو رواية قصيرة جدًا لا تتعدى 100 صفحة داخل مجموعة روايات أطلق عليها "الفصول الأربعة" مجمعة في كتاب واحد، كيف خرج من هذه الصفحات القليلة فيلم ناجح وعظيم؟ السر يكمن في المعالجة وطريقة الإخراج.

كذلك فيلم شاتر أيلاند، الرواية تحاكي نفسية القارئ من خلال شخصية بطل الرواية والأحداث مثل لغز مفكك، مخرج رائع مثل مارتن سكورسيزي؛ ركز على جمع قطع هذا اللغز وتحويلها الى عوامل مشاهدة نفسية مربكة جعلت للفيلم مكانة كبيرة في فئة أفلام الإثارة النفسية والغموض.

رغم أنه تم إعادة هيكلة رواية Silence التي هي بالأصل مذكرات قس مسيحي في اليابان، إلّا أن المخرج مارتن سكورسيزي استغل هذا البناء أفضل استغلال

عناصر فاشلة من الدراما والمعالجة

إن أكثر ما يخيف مهووسي السينما والقراءة؛ هو تحويل الأعمال الأوروبية أو غير الأمريكية إلى فيلم، بالتأكيد لن يذهب الخبز إلى خبازه بسبب عدم فهم فريق الكتابة والمخرج.

في هوليوود يركز هؤلاء على جعل العمل أمريكيًا بصورة أو بأخرى، مثال على هذا فيلم Blindness المقتبس من رواية "العمى" للبرتغالي جوزيه ساراماغو، وأخرج النسخة السينمائية فرناندوا ميريليس، وأيضًا فيلم The Dinner المقتبس من رواية "العشاء" للروائي الهولندي هيرمان كوخ.

اقرأ/ي أيضًا: راسل كرو: لديّ نموذجي الأخلاقي الشخصي

فشلت هذه الأعمال ولم تلقَ رضا الكتاب حتى كون فيلم "العمى" أهدر فلسفة الرواية، ورؤية ساراماغو للموضوع، ورواية العشاء تم دحض العمل وأسماء الشخصيات وموضوع الرواية إلى أفشل ما يكون.

ومن المؤسف أن يحل فيلم The Shining في هذه الخانة بسبب أنه خيب ظن الكاتب والمشاهدين، رغم أنه على مستوى الإخراج والعناصر النفسية غني جدًا وناجح، إذ أن المعالجة قد أخرجت من الرواية عملًا آخر غير الذي كتبه ستيفن كينج وضاع المعنى والتأثير الحقيقي للرواية.

لكن ليس الكل فشل في المعالجة أو انتقل النص من دولة إلى دولة، فلدينا هنا فيلم Perfume: The Story of a Murderer، المقتبس من رواية العطر للكاتب الألماني باتريك زوسكنيد. من منا لا يستطيع نسيان مشهد نهاية الفيلم! إن الرواية تقرأ بالأنف -من وجهة نظري- لأنك ستعيش كل حالات الشخصية الأساسية وكيف يتعقب الروائح ويرصدها لتحويلها إلى زجاجة سائل تغري أهل باريس.

معالجة مرضية للطرفين
هذا النوع من المعالجة، هو الذي يرضي الكاتب والمشاهد في نفس الوقت؛ نرى هذه التوليفية في أفلام مثل Still Alice وGone Girl؛ صحيح أن أنماط العرض مختلفة وكذلك التصنيف، لكن نجحت في جذب انتباه النقاد والمشاهدين لها ونالت صيت على مستوى عرضها، أين الفرق؟

صحيح أن فيلم Still Alice درامي ويتحدث عن آلزهايمر المبكر لدى دكتورة لغات، ويسرد لنا كيف ستكون حياتها قبل وبعد الحالة، ولكن Gone Girl تفوق بسبب التجسيد وإظهار عناصر مؤثرة في القصة سوف أناقشها في النقطة القادمة.

 

معالجة تنعش الرواية

هذا القسم الأخير من المعالجات التي تضيف للرواية الكثير وربما تكون سببًا في نجاحها من خلال أخذ فكرة الرواية وإعادة إنتاجها من جديد لكن بحسب رؤية المخرج وذكاء كاتب السيناريو، هذه النوعية من المعالجات عادة ما تكون حوارية وذات إسقاطات نفسية، وأحيانًا دينية، لكن في النهاية ستضيف للعمل وتجعله في الصدارة.

كاتب رواية Fight Club تشاك بولانيك عندما شاهد الفيلم المقتبس منها والصدى الذي لحق بالرواية ظل مبهورًا من هذه المعالجة الدقيقة لعرض أفكار البطل والحبكة

كاتب رواية Fight Club تشاك بولانيك عندما شاهد الفيلم المقتبس منها والصدى الذي لحق بالرواية ظل مبهورًا من هذه المعالجة الدقيقة لعرض أفكار البطل والحبكة الإخراجية المرهقة للذهن، وقال في لقاء له أن الفيلم أضاف الكثير للرواية.

كذلك لدينا فيلم The Great Gatsby للروائي سكوت إف. جيرالد فمن حيث الرواية فهي قصة قصيرة ملخصها 180 صفحة، لها إسقاطات على الرأسمالية، والفترة التي فيها غاتبسي، وتركيز عادي على رهانه على حبه الوحيد، لكن نرى في الفيلم أن الرهان على محبوبته دايزي في أوج طاقته وصراعه تحول إلى قصة محزنة للغاية، رغم أن الرواية أفصحت بالنهاية لكن ما تقرأه ليس كما تشاهده متجسدًا أمامك بالعاطفة.

2. الإخراج

بجانب المعالجة، فللمخرج رأي أيضًا في طرحها وهذا ما يطلق عليه رؤية المخرج للعمل، والرؤية هي فن إظهار الأشياء الخفية؛ قد تحمل الرؤية كادرات تعبيرية أو رمزية تظهر خلال التصوير، تحويل الأفكار عمومًا إلى صور حية ناطقة، وهذا بالطبع يعتمد على ذكاء المخرج وسعة خياله. لكن هذا الأمر يتعلق بالنصوص الأصلية، لكن ماذا عن الرواية الجاهزة التي تقدم لك صورة بمواصفات وما عليك إلا تطبيقها، كيف يتصرف المخرج؟

اقرأ/ي أيضًا: دنزل واشنطن: "لا أعتقد أن هناك أي نظام"

في فيلم "اللص والكلاب" للمخرج المصري كمال الشيخ، المقتبسة من رواية تحمل نفس الاسم للروائي نجيب محفوظ، نرى أن محفوظ قد أعطى الخطوط العريضة بين السطور لحالة البطل النفسية وما يدور من حوله.

البطل في فيلم "اللص والكلاب" خرج من السجن بعد اتهامه بالقتل العمد؛ ليبدأ رحلة الانتقام ممن ظلموه، طيلة الفيلم نرى إسقاطات دينية على مصير الإنسان، وكذلك نجد قضبان السجن تحيط به من خلال عرض المخرج للشبابيك، وأسوار الحدائق العامة التي تظهر لنا في كادر يحصر البطل في نطاق القضبان وكأن المخرج يخبرنا أن المظلوم خرج من سجن صغير إلى سجن كبير كونه يظل مطارد حتى النهاية.

ورغم أنه تمت إعادة هيكلة رواية Silence التي هي بالأصل مذكرات قس مسيحي في اليابان، إلّا أن المخرج مارتن سكورسيزي استغل هذا البناء أفضل استغلال، ليخرج لنا بعمل عبارة عن لوحات رائعة، نرى في ألوانها وأجوائها حجم المعاناة الذي هبط على شخصيات العمل وأحيانًا تخبرنا بما سيحدث!

في الحقيقة أنا لم أقرأ سلسلة "The Godfather" (العرّاب) الكاملة؛ لكن المخرج فرانسيس فورد كوبولا قام بتوظيف ذكائه لإظهار المخفي من الفيلم؛ لدينا في الكادرات يظهر البرتقال دائمًا وهي رمزية الموت في الفيلم، أي شخص سيموت لاحقًا يظهر وهو يحمل البرتقالة، أو بجانبه طبق مليء به.

أيضًا حتى يفصل الشخصيات بين عالم الجريمة الخفي وعالمهم الطبيعي، نرى الكادرات تتغير ألوانها لحد العتمة، هنا نرى أن العرَّاب عندما يناقش شخصًا في أمر يتعلق بالقتل أو ما يدور في هذا العالم نجد أن الألوان قاتمة، سوداء يتخللها ضوء طفيف من النافذة أو ضوء خافت من المصابيح.

قارن هذا الإبداع في الرؤى في إحدى الروايات التي اقتبس منها الفيلم وستلاحظ الفرق بلا شك.

3. التجسيد
التجسيد، كمفهوم هو إسناد الصفات والخصائص التشبيهية إلى شخص، وهذا ما يجعلنا نعود لموضوع تفوق Gone Girl على Still Alice، بجانب المكونات المذكورة أعلاه؛ للممثل حصة لا يستهان بها في إنجاح العمل لأنه سيترك طابعًا لدى المشاهد العادي وقارئ العمل المقتبس منه، روزاموند بايك عندما جسدت شخصية "أيمي" الزوجة التي انتقمت من زوجها البليد اللامبالٍ لأمر اختفاءها.

اقرأ/ي أيضًا: آرنوفكسي لا يصنع فيلمًا عاديًا

فنجد "أيمي" قد جذبت بأدائها أنظار النقاد والفئة النسائية من المشاهدين، وكذلك حازت بمقت الرجال لها من باب المزاح لا أكثر، اسأل أي شخص شاهد الفيلم؛ ماذا تذكر من قصته؟ على الأرجح سوف يذكر حدث أو اثنان لكنه لن ينسَ آداء بايك للشخصية، انظر إلى تاريخ الممثلة لا يوجد فيه عمل مماثل للمواصفات التي تم إسنادها لها في الشخصية التي قدمتها وهذا يسمى تفوق!

على جانب آخر، وفي المسلسلات، صحيح أن التمثيل موهبة خارقة لطبيعة الشخص الذي يمزج أحاسيسه وعاطفته حسب توجيهات حسية من المخرج، لكن عارض الأزياء الاسترالي ترافيس فيميل نجح في إبراز شخصية راغنار لوثبرك الخيالية وجعل للمسلسل نكهة رغم أن مسيرته الفنية محدودة والتمثيل ليس مجاله.

وأيضًا لدينا العنصر البارد الذي شوه من شخصية العمل المكتوب، وهي شخصية يورون جريجوي التي يجسدها النجم يوهان اسبايك؛ القراء كرهوا الشخصية التلفزيونية واعتبروها هزلية لأن شخصية الكتاب قمة الدهاء، ولها صفات جسدية خاصة مثل أنه يرتدي رقعة على عينه اليمين، ولهذا يطلقون عليه عين الغراب، بجانب الشعر الطويل والجسد القوي.

المشاهد والقارئ أكثر ما يهمهما هي النفسية التي يؤديها الممثل؛ لن نذهب بعيدًا عن سياق المقال، لكن سر عبقرية ونجاح شخصية الجوكر هي نفسية الممثل التي هي مهئية على أتم استعداد، ولهذا هي مؤثرة عند جمهور الكوميكس والهواة.

أيضًا شخصية باتريك بيتمان في فيلم American Psycho التي تعكس جوانب نفسية عدة ولها طابعها الخاص. كذلك شخصية هانبيال ليكتر سواء في الفيلم أو المسلسل المقتبس عنها أو حتى الرواية كان لها ذاك الحضور العميق بفضل أداء الممثل الذي يجبرك على حُب الشخصية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

8 أسئلة تجيبك عن كل ما تحتاج معرفته عن تحفة دي سي الجديدة "Justice League"

هيدي لامار.. وثائقي جديد عن الممثلة الفاتنة والمخترعة العبقرية