29-ديسمبر-2023
مأزق إسرائيل الاستراتيجي

تفشل إسرائيل في تحقيق أي تفوق استراتيجي في قطاع غزة (Getty)

تدور التقديرات في إسرائيل، حول أن العدوان على قطاع غزة، يفشل حتى الآن في تحقيق أهداف، وقد يعني استمرار دولة الاحتلال الإسرائيلي في حرب استنزاف طويلة، ضمن سياق متشابك من التعقيدات السياسية والعسكرية، في ظل رفض نتنياهو تغيير تكتيك العدوان، وممارسته حملة انتخابية خلال العدوان، وانعدام وجود ملامح لأي تغير كبير في قطاع غزة.

وافتتح المعلق العسكري لصحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل، مقالته، بالقول: "لا بد من قول الحقيقة: لقد وجدت إسرائيل نفسها في فخ استراتيجي خطير نتيجة هجوم حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر".

الفخ الاستراتيجي، هو نتيجة امتناع نتنياهو عن اتخاذ أي قرار، سواء بالانتقال إلى مرحلة أخرى من العدوان، أو نقاش "اليوم التالي"، مع انعدام تحقيق تفوق عسكري واضح

وأضاف، أن "التهديدات الأمنية التي تم قمعها لسنوات، بطريقة سمحت لمعظم المواطنين الإسرائيليين بممارسة حياتهم اليومية بإحساس محدود بالمخاطر، تصاعدت بشكل كبير، مما أدى إلى تغيير جذري في الحياة اليومية الإسرائيلية".

وتحدث هارئيل عن مستقبل غير واضح في الفترة القادمة، قائلًا: "ليس من الواضح بعد ما إذا كان من الممكن الخروج من الفخ وكيف". مضيفًا: "من الممكن أن ينشأ وضع شبه دائم يتم فيه شن حرب استنزاف طويلة الأمد على طول حدودين على الأقل. ولا يزال الخطر قائمًا في أن تسخن الجبهة اللبنانية، الأكثر تهديدًا إلى مستوى حرب قد تختلط بمواجهة أوسع مع إيران".

وقيم الحالة القائمة في إسرائيل، بالقول: "لقد عادت مشكلتان لم يتم حلهما بعد، ولكنهما برزتا على نار هادئة، الصراع الفلسطيني والمواجهة مع حزب الله، إلى مركز الساحة الإقليمية". مضيفًا: "لأكثر من عقد من الزمان، روينا لأنفسنا قصصًا: إيران قابلة للاختراق من قبل المخابرات الإسرائيلية؛ والحملة بين الحروب التي يشنها الجيش الإسرائيلي تقوض ذخيرة حزب الله وتجعل إيران وحلفائها عاجزين؛ كل جولة قتال في قطاع غزة تنتهي بتفوق إسرائيلي ساحق وتترك حماس والمنظمات الفلسطينية ضعيفة وخائفة ومرتدعة. وفي الضفة الغربية، إذا حلم فلسطيني في الليل فقط بتنفيذ هجوم، فإن جهاز الأمن العام الشاباك يأتي إلى منزله في الصباح ويعتقله". وعلق هارئيل على هذا التصور، قائلًا: "لقد تحطمت هذه الأوهام".

تحدي غزة

أمّا عن التحدي غزة، فهو الأصعب حاليًا، وقال هارئيل: "التحدي الحالي في غزة لا يشبه الاصطدام مع الفرق المصرية في القطاع وفي سيناء في حرب الأيام الستة، أو المعارك على ضفتي قناة السويس في حرب 1973... إن ما غير قواعد اللعبة بالنسبة لحماس هو الفضاء الجوفي. وتبين أن شبكة الأنفاق والممرات أكثر تطورًا وتعقيدًا من أي شيء عرفته المخابرات الإسرائيلية قبل الحرب".

وأضاف: "الأضرار الكبيرة التي لحقت بكتائب حماس في شمال القطاع لم تمنع المنظمة من القتال مع ما تبقى منها. وبدلًا من الفصائل والسرايا، استخدمت فرقًا صغيرة، حيث خرج أفراد من ممرات الأنفاق لمهاجمة القوات الإسرائيلية قبل أن يختفوا بسرعة".

واستمر بالقول: "إن الانتشار المكثف لأربع فرق من الجيش الإسرائيلي في حوالي ثلثي قطاع غزة يخلق مساحة داخلية واسعة للاحتكاك والضربات على النقاط الضعيفة. وتنجح حماس في تقاضي ثمن يومي ثابت من دماء الجيش الإسرائيلي".

ويشير هارئيل، إلى أن تقدم الجيش الإسرائيلي على الأرض "بطي"، ويضيف: "ضمن هذه المعادلة، يشكل الرأي العام الإسرائيلي عاملًا ذا وزن. جزء من الجمهور يتأثر سلبًا بالعدد المتزايد من الخسائر ويحصل تدريجيًا على دفعة أقل من الإنجازات التي يتم تحقيقها، حتى لو استمرت وحدة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي في الإبلاغ بحماس عن عملية محلية أخرى يقوم بها فريق قتالي من لواء أو آخر".

وبحسب هارئيل، فإن "مشكلة إسرائيل في غزة"، تتفاقم بسبب "الحاجة إلى الحفاظ على قدر كبير من الذخيرة لاحتمال تطور حرب مكثفة مع حزب الله في الشمال، والحمل على جنود الاحتياط، والعبء على الاقتصاد، والإرهاق العقلي بين الجنود الذين يقاتلون في غزة والشكوك المتزايدة بين الجمهور".

getty

مرحلة جديدة

المقدمة السابقة، جاءت لتشير أن تراكم هذه الظروف، سوف يدفع جيش الاحتلال وهيئة الأركان إلى "تغيير أسلوب الحرب"، وهي نقطة تناقش منذ أكثر من شهر، لكن بشكلٍ غير مستعجل داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية والإدارة الأمريكية.

أمّا عن المعالم الأبرز لهذه المرحلة، فهي وفق هارئيل، تتضمن تشكيل محيط أمني ضيق داخل قطاع غزة، ومنطقة عازلة في شمال جنوب القطاع، وتسريح قوات الاحتياط، وتقليص عدد جنود الجيش الإسرائيلي في غزة، وتحول إلى "صيغة عسكرية تقوم على أساس غارات واسعة النطاق على معاقل حماس".

ويستدل هارئيل على هذا التحول، من تصريح رئيس هيئة أركان الاحتلال هرتسي هليفي، الذي قال: "لا توجد حلول سحرية أو مختصرة. سنصل إلى قيادة حماس، سواء استغرق الأمر أسبوعًا أو أشهرًا".

يقارن هارئيل العدوان على غزة، باجتياح نيسان للضفة الغربية عام 2002، والمعروف إسرائيليًا باسم "السور الواقي"، إذ يشير إلى أن العملية التي شاركت فيها 5 فرق من جيش الاحتلال، لم تساهم في إنهاء العمليات الفلسطينية، لكن التحول حصل بعد عامين. والهدف كما يلخصه هارئيل "تآكل القوة بشكلٍ تدريجي".

وأضاف هارئيل: "الظروف في غزة أكثر تعقيدًا، والميل إلى تقليص القوات الهجومية ينبع أيضاً من شعور الكثيرين بأن الصيغة الحالية قد استنفدت نفسها، وبسبب التساؤلات حول قدرة المجتمع الإسرائيلي على الصمود على المدى الطويل وقدرته على تلبية الاحتياجات القائمة".

وعن قرار التحول إلى المرحلة التالية من العدوان، قال هارئيل: "سيتخذه نتنياهو"، الذي يعاني من أزمات عدة سياسيًا.

ويشير هارئيل، إلى أن "نتنياهو ينشر خطابات حول نيته الذهاب إلى أبعد الحدود ضد حماس ويستفيد من مساعدة مختلف المنتديات ذات الشخصية الحريدية (القومية الحريدية)، التي ترى أن الحملة في غزة هي حرب مقدسة من أجل إسرائيل الكبرى"، مضيفًا: "غانتس وآيزنكوت محصوران إلى حد ما في الزاوية، خوفًا من أنه إذا غادرا بسبب أحد هذه الخلافات، فإن إيتمار بن جفير وبتسلئيل سموتريش، سيدخلان إلى حكومة الحرب مكانهما".

بحسب هارئيل، فإن "مشكلة إسرائيل في غزة"، تتفاقم بسبب "الحاجة إلى الحفاظ على قدر كبير من الذخيرة لاحتمال تطور حرب مكثفة مع حزب الله في الشمال"

وعن التحول نحو المرحلة التالية، يؤكد هارئيل قيام أعضاء حزب غانتس بالضغط على نتنياهو لاتخاذ هذا القرار، فيما يرتبط رفض نتنياهو، بشكلٍ وثيق مع عدم رغبته بـ"مناقشة اليوم التالي في غزة"، وذلك ضمن قلقله من انهيار الائتلاف الحكومي وخسارة قاعدته التصويتية، إلى جانب فشل مفاوضات إطلاق سراح المحتجزين في غزة، كما أن الانتقال إلى مرحلة أخرى يعني فشل المرحلة القائمة حاليًا، يضاف إلى قلقه من عودة جنود الاحتياط للاحتجاج.

وينقل هارئيل، حديث الجنرال احتياط في جيش الاحتلال آساف أوريون، من معهد دراسات الأمن القومي، بالقول: "لقد وضع صناع القرار السياسي أهدافًا طموحة للغاية. تلك الأهداف تفرض حربًا طويلة، إن لم نقل لا نهاية لها". مضيفًا: "من الزاوية العسكرية، تم تدمير جزء من قدرات حماس. ولكن مع مرور الوقت، سيكون الاختبار هو قدرتها على إعادة تنظيم صفوفها. وإذا كانت هناك ثلاثة أشياء ليست قليلة في غزة، فهي الشباب، وبنادق الكلاشينكوف والمجارف. فإن حماس التي لم تُهزم بالكامل يمكنها تجنيد مقاتلين جدد وتسليحهم وحفر الأنفاق من جديد. ولكي لا يتمكنوا من القيام بذلك، لا بد من إنشاء نظام جديد هناك. لكن الحكومة [الإسرائيلية] غير راغبة في السماح للسلطة الفلسطينية بالمشاركة في ذلك، والدعم الدولي لهذه الخطوة يتطلب رسم أفق سياسي، وهو ما يرفض نتنياهو القيام به. إذا لم نملأ الفراغ، فسيقوم شخص آخر بملئه"، وفق قوله.