27-ديسمبر-2022
gettyimages

يسعى مودي إلى فرض اللغة الهندية على كافة الهند رغم التنوع اللغوي الكبير فيها (Getty)

يسعى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، إلى فرض اللغة الهندية باعتبارها اللغة الوطنية والرسمية المهيمنة في بلاده، مما يتسبب في تصاعد الاحتجاجات والتوتر في الهند التي تعتبر من أكثر البلد تنوعًا من حيث اللغات في العالم.

يسعى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، إلى فرض اللغة الهندية باعتبارها اللغة الوطنية والرسمية المهيمنة في بلاده

ويستمر رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، وحزبه "بهاراتيا جاناتا" في إثارة الجدل والسخط، واتخاذ إجراءات تدفع للانقسام في البلاد، من التصريحات المعادية للمسلمين والتواطؤ مع أعمال العنف ضدهم، إلى قوانين الإصلاح الزراعي التي استهدفت صغار المزارعين، مرورًا بقانون المواطنة الذي أثار غضبًا واسعًا.

وفي آخر خطوات مودي وحزبه المثيرة للجدل جاءت مساعيه لجعل اللغة الهندية، لغةً مهيمنةً على البلاد، وهو ما أثار موجةً من الغضب في الهند، حيث اتُهمت حكومة حزب "بهاراتيا جاناتا" بتنفيذ أجندة "فرض اللغة الهندية"، و"الإمبريالية الهندية"، على المناطق غير الناطقة بالهندية في جنوب وشرق الهند، حيث ترفض ولايات تلك المناطق هذه السياسة، كما وجهت للحزب وزعيمه اتهامات بمحاولة القضاء على اللغات الأخرى، على الرغم من أن أكثر من نصف سكان الهند لا يتقنون التحدث باللغة الهندية.

getty

وتشير صحيفة "الغارديان" في تقرير لها، إلى أن الهند هي واحدة من أكثر البلدان تنوعًا لغويًا في العالم، وطالما كانت اللغة قضية خلافية، لكن في عهد ناريندرا مودي، ظهرت محاولات ملموسة لجعل اللغة الهندية هي اللغة المهيمنة في البلاد، سواء بجعلها لغةً إلزاميةً بالمدارس في جميع أنحاء البلاد، أو بجعل جميع المعاملات الحكومية باللغة الهندية.

وأصبحت خطابات ناريندرا مودي تُلقى باللغة الهندية حصرًا، وتُعدّ أكثر من 70% من أوراق مجلس الوزراء باللغة الهندية، وقال وزير الداخلية أميت شاه، الرجل القوي في الحزب، وأقرب حلفاء ناريندرا مودي، في تصريحات سابقة "لو أنه توجد لغة واحدة يمكنها توحيد الأمة معًا، فهي اللغة الهندية".

وينتقد رئيس وزراء ولاية تاميل نادو موثوفيل كارونانيدهي، هذه السياسة في خطاب ألقاه مؤخرًا، قائلًا: "حزب بهاراتيا جاناتا يسعى إلى تدمير اللغات الأخرى بمحاولاته فرض اللغة الهندية، وجعلها اللغة الوحيدة من منطلق سياسة أمة واحدة في كل شيء".

وبحسب تقرير الغارديان، رفض مساعي مودي لا يتوقف عند رئيس وزراء ولاية تاميل نادو، بل أن أحد أشهر اللغويين في الهند غانيش نارايان ديفي، والذي كرس حياته لتسجيل أكثر من 700 لغة وآلاف اللهجات الهندية، يرى أن المحاولات الأخيرة لفرض اللغة الهندية "مضحكة وخطيرة"، وأضاف ديفي "تعدد اللغات وليس اللغة الواحدة، هو ما وحّد الهند عبر التاريخ، لا يمكن أن تكون الهند هندًا ما لم تستوعب جميع اللغات الأصلية". متابعًا، "تعدد اللغات هو في صميم كونك هنديًا"، وأوضح "ستجد الناس يستخدمون اللغة السنسكريتية في صلواتهم، والهندية للأفلام وشؤون القلب، ولغتهم الأم لعائلاتهم وأفكارهم الخاصة، واللغة الإنجليزية في حياتهم المهنية"، مشيرًا إلى أنه من "الصعب العثور على هندي أحادي اللغة، ويجب الاحتفال بذلك، لا التهديد".

ووفقًا لآخر تعداد سكاني في العام 2011، يتحدث 44% من سكان الهند اللغة الهندية، ومع ذلك تم تصنيف 53 لغة أصلية، بعضها مختلف تمامًا عن اللغة الهندية، ولديها الملايين من المتحدثين، وتصنف تحت راية اللغة الهندية. وسيؤدي حذف جميع تلك اللغات الأخرى إلى تقليص عدد المتحدثين باللغة الهندية إلى حوالي 27%، مما يعني أن ما يقارب من ثلاثة أرباع البلاد لا يجيدون التحدث باللغة الهندية بطلاقة.

مع أن الدستور الهندي لعام 1949 ينص على عدم فرض لغة وطنية واحدة في البلاد، حيث تم تبني 14 لغةً، ثم 22 لغةً لاحقًا معترفًا بها دستوريًا، بينما تبقى الهندية والإنجليزية اللغات الرسمية.

وتعود جذور فكرة جعل اللغة الهندية لغةً وطنيةً للبلاد، والتي يسعى ناريندرا مودي لتطبيقها إلى كتابات "والد القومية الهندية المتشددة (هندوقا)"، وأيقونة حزب "بهاراتيا جاناتا" فيناياك دامودار سافاركار، الذي كان أول من أطلق شعار "الهندية، الهندوسية، هندوستان" والذي لا يزال شائعًا بين التيار اليميني المتطرف الهندوسي حتى يومنا هذا.

مؤخرًا، تصاعد التوتر حول محاولات حزب رئيس الوزراء جعل اللغة الهندية لغةً رسميةً وحيدةً، فقد أقدم رجل ثمانيني من ولاية تاميل نادو على حرق نفسه، بعد أن توجه نحو مقر حزب "بهاراتيا جاناتا" في بلدته، ورفع شعارًا منددًا بالسعي الحثيث لفرض اللغة الهندية عليهم كلغة وطنية.

getty

كما أن المناطق الهندية التي طالما تعايشت مع تعدد اللغات، بما يضمن حق الجميع في التحدث والكتابة بلغته، شهدت خلال السنوات الأخيرة منذ مجيء ناريندرا مودي للحكم، سعي حثيث من طرف السلطات لفرض اللغة الهندية في المدارس بمختلف المناطق مهما كانت لغتها المسيطرة، وهو ما خلق ردود أفعال عنيفة، ودفع بالسلطات إلى التراجع عن تلك القرارات.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر أثار القرار غضب ولايات لا تتحدث الهندية، وهذه المرة كانت التوصية بأن تقدم الجامعات والمعاهد المركزية ذات الأهمية الوطنية الدروس والامتحانات باللغة الهندية فقط، عوضًا عن الإنجليزية.

وبررت الحكومة بأن القرار سيطبق فقط على مؤسسات الولايات الناطقة باللغة الهندية، ولكن كُثر اعترضوا متعللين بأن الطلاب من جميع أنحاء البلاد يذهبون إلى هذه المدارس، بما في ذلك من ولايات جنوبية وشرقية ليست اللغة الهندية فيها جزءًا من المناهج الدراسية.

وردًا على توصية من وزير الداخلية الهندي، أصدر رئيس وزراء ولاية تاميل نادو، قرارًا برلمانيًا للولاية ضد "فرض لغة مهيمنة"، وزعم أن حزب "بهاراتيا جاناتا" يحاول جعل "اللغة الهندية رمزًا للسلطة"،  وسعى رئيس وزراء ولاية تاميل نادو، أيضًا لجعل التاميل لغة رسمية، لتصبح متساويةً مع اللغة الهندية.

وحذر متابعون من التاريخ الدموي الذي أحدثه فرض لغة معينة في المنطقة، إذ انزلقت سريلانكا إلى حرب أهلية استمرت 26عامًا بعد أن حاول القوميين السنهاليين فرض لغتهم على أقلية التاميل في الجزيرة، وكان قمع اللغة البنغالية في شرق باكستان السبب في اندلاع حرب عام 1971، وتأسيس بنغلاديش.

وردًا على السياسات التي يعتبرها البعض ترويجًا للغة الهندية، ظهرت حركات لغوية قومية متعددة على مستوى الهند، من راجاستان إلى ولاية البنغال الغربية، حيث يُنظر هناك إلى اللغة البنغالية على أنها جزء أساسي من الهوية الثقافية للناس.

إمبريالية هندية، تريد تحويل الهند من اتحاد ولايات متنوعة إلى دولة قومية واحدة، يتعامل فيها مع الأشخاص الذين يتحدثون الهندية على أنهم مواطنون من الدرجة الأولى

ويتحدث الأمين العام لحركة "Bangla Pokkho" القومية البنغالية التي تأسست عام 2018 غارغا تشاترجي عن أن "إمبريالية هندية، تريد تحويل الهند من اتحاد ولايات متنوعة إلى دولة قومية واحدة، يُتعامل فيها مع الأشخاص الذين يتحدثون الهندية على أنهم مواطنون من الدرجة الأولى، بينما نحن من لا نتحدث الهندية، مواطنون من الدرجة الثانية"، وأضاف أنه على الرغم من أن اللغة البنغالية هي ثاني أكثر اللغات تحدثًا في الهند، إلا أنه لم يتمكن من الحصول على نسخة من الدستور الهندي أو فتح حساب مصرفي أو حجز تذكرة قطار أو تعبئة إقرار ضريبي بلغته الأم، وتابع "إنهم يجعلون الهندية وجه الهند، وهذا تهديد مباشر لوحدة الهند"، موضحًا أنه يتم "التحدث إلينا نحن البنغاليين باللغة الهندية، ولكننا الآن نقاوم، لغتنا هي مَن نحن، وسنموت من أجلها"، كما قال لصحيفة الغادريان.