17-مارس-2022
الهند

"Getty"

لا يزال الحجاب من أكثر المواضيع جدلية، ومحطّ تقدير أو سخرية لدى مجتمعات بشرية متباينة، ولأنه رمز ديني لدى معظم المسلمين، يعدّ كذلك أداة للاضطهاد وممارسة الديكتاتورية بأقبح صورها من قبل المجتمعات الكارهة للإسلام، حتى تلك التي تتغنى بدعمها وتمكين المرأة من حقوقها وحرياتها، متناسين أن الحجاب صورة من صور التعبير بحرية عن المعتقدات الدينية، والذي يكفله القانون الدولي لحقوق الإنسان، لتعاني المرأة المسلمة بمجتمعات كثيرة من حرية اختيارها في هذا الصدد، إن كان حرمانها حرية الاختيار بإجبارها على الحجاب، أو منعها ممارسة حريتها بارتدائه، كما يحدث في الهند حاليًا، حيث مُنعت مسلمات من ارتداء الحجاب في دور التعليم بولاية كارناتاكا، مثلما مُنع غيرهنّ في دول أخرى من قبل.

الهند

حظر الحجاب في المدارس والجامعات، جاء إثر قرار صدر عن محكمة ولاية كارناتاكا الهندية قبل أكثر من شهر، والذي أدى إلى إغلاق مؤقت حينذاك لبعض المدارس، واحتجاجات عارمة امتدت من كارناتاكا لولايات أكبر، ورغم تقديم طالبات مسلمات طعون في القرار، إلا أن حكمًا رسميًا للمحكمة العليا في الولاية الثلاثاء الفائت قضى باستمرار حظر الحجاب.

وعليه، طالبت جماعات هندوسية متشددة بفرض قيود على ارتداء الحجاب في الفصول الدراسية بالمزيد من الولايات الهندية، فيما رحب الوزراء الفيدراليون الكبار من حزب "بهاراتيا جاناتا" بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، بقرار المحكمة العليا، بحسب ما ذكرت وكالة رويترز.

ونقلت الوكالة عن ريشي تريفيدي، رئيس مجموعة الهندوسية الأولى "أخيل بهارات هندو مهاسابها" قوله: "نحن أمة هندوسية، ولا نريد أن نرى أي نوع من الزي الديني في المراكز التعليمية في البلاد". ولا توجد مبادئ توجيهية وطنية بشأن الزي الرسمي في الهند، وغالبًا ما تترك الولايات للمدارس تحديد ما يجب أن يرتديه طلابها.

يشير محللون إلى أن أجندة الدعاة المتطرفين في الهند يتم تمكينها و تطبيعها من قبل القادة السياسيين ومسؤولي إنفاذ القانون

بدورها، تخوّفت عائشة حجيرة الماس (18 عامًا)، الفتاة التي طعنت في قرار حظر كارناتاكا بالمحكمة، من أن يصبح منع الحجاب وطنيًا بعد الآن، مشيرة إلى أنها لم تلتحق بالمدرسة منذ أواخر ديسمبر/ كانون الأول الفائت، حالها حال طالبات أخريات، بعد أن منعت السلطات الفتيات المسلمات من ارتداء الحجاب، حتى قبل فرض الحظر على مستوى الولاية في أوائل فبراير/ شباط.

وتضيف ألماس "لا نشعر بالمساواة في الهند، ولذا أنا أقاتل من أجل نفسي، أقاتل من أجل أخواتي، أقاتل من أجل ديني، وأخشى أن تكون هناك تغييرات مثل هذه في البلد بأكمله، لكنني آمل ألا يحدث ذلك."

من جهتها، تقول منظمة العفو الدولية إن قرار حظر الحجاب يعد انتهاكًا لحرية التعبير عن المعتقد الديني، لافتة إلى أن الاحتجاجات الأخيرة في ولاية كارناتاكا الهندية بشأن ارتداء الحجاب في المؤسسات التعليمية، كشفت عن الانقسامات الطائفية في الهند التي تغذيها الحملات السياسية الخلافية.

كراهية ضد الإسلام

علانية، وأمام حشد كبير من الجمهور وآلاف من المشاهدين عبر الإنترنت، دعا رهبان بعضهم على صلة بحزب "بهاراتيا جاناتا" المتطرف، إلى ممارسة العنف ضد الأقلية المسلمة في الهند، والذين روّجت خطاباتهم لحملة إبادة جماعية بحق المسلمين "لقتل مليونين منهم"، وحثّوا على التطهير العرقي من النوع الذي استهدف مسلمي الروهينغا في ميانمار.

الهند

وتقول صحيفة "نيويورك تايمز" إنه وبمجرد اعتبار المتطرفين أمر هامشي، فإن رسالتهم المتشددة ستنتقل بشكل متزايد إلى الاتجاه السائد، مما يثير الكراهية الطائفية، في محاولة لإعادة تشكيل الجمهورية العلمانية المحمية دستوريًا في الهند إلى دولة هندوسية.

فيما يشير ناشطون ومحللون إلى أن "أجندة الدعاة المتطرفين يتم تمكينها، بل وحتى تطبيعها، من قبل القادة السياسيين ومسؤولي إنفاذ القانون، الذين يقدمون موافقات ضمنية من خلال عدم معالجة مثل هذه القضايا الخلافية بشكل مباشر".

ومن مظاهر العنصرية ضد المسلمين في الهند، كان إطلاق تطبيقات "لبيع النساء المسلمات"، حيث سجلت الشرطة في ولايتين هنديتين حالات، بعد نشر تطبيق صورًا لأكثر من 100 امرأة مسلمة هندية في "مزاد علني" عبر الانترنت، لكن سرعان ما تم إغلاق التطبيقات، لكن دون محاسبة القائمين عليها، بحسب ما ذكرت "BBC".

وفي طليعة الاحتجاجات المناهضة لقرار منع الحجاب مؤخرًا، وقفت ست طالبات مسلمات نلن نصيبهنّ من الجهاد في معركة حرية ارتداء الحجاب، وذلك بعد تسريب بياناتهن الشخصية من المدرسة ونشرها عبر تطبيق "واتساب"، بما فيها عناوينهن وأرقام هواتفهن الخاصة، والتي تلقين عبرها مكالمات مسيئة، وفقًا لموقع "ذا كوينت".

تضامن في الميدان

خلال الفترة الماضية، خرجت مظاهرات واسعة بولايات هندية عدة، منددة بقرار حظر الحجاب في ولاية كارناتاكا، كما نزل متضامنون في بلدان عربية وأجنبية إلى الساحات تأكيدًا على حرية المرأة باختيار لباسها، واستنكارًا لقرار المحكمة منع المحجبات دخول المدارس والجامعات إلا إذا نزعن الحجاب عن رؤوسهنّ، وهذا فعلًا ما حدث، إذ أجبرت فتيات على خلعه، فيما فضلن أخريات مغادرة المدرسة أو الجامعة على نزعهنّ الحجاب.

الهند

وشاركت دول كالولايات المتحدة وتركيا وباكستان وبنغلادش والكويت وغيرها في الاحتجاجات، فيما وجه مسلمون انتقادات لحكومات عربية وإسلامية، لم تبدِ موقفًا صارمًا لما اعتبروه انتهاكات بحق المسلمين، وبحق حرية ممارسة معتقداتهم الدينية.

الحجاب والموضة

نالت قضية الحجاب تفاعلًا لدى المهتمّين بالأزياء والموضة، وكانت عارضة الأزياء الأمريكية من أصول فلسطينية بيلا حديد نشرت عبر حسابها في إنستغرام، صورًا لنساء محجبات وكتبت برفقتها عبارات متضامنة مع حرية المرأة باختيار لباسها، داعية إلى احترام المحجبات ورغبتهن في الهند، ودول أخرى كفرنسا وبلجيكا وغيرها ممن يمنعون الحجاب في دور التعليم.

كما حضر الحجاب في أزياء العارضات ضمن أسبوع الموضة في نيويورك الأمريكية الشهر الفائت، وكانت حديد من بين من ارتدين الحجاب، خلال العرض، بمثال صارخ لدعم ونصرة المرأة للمرأة، بغض النظر عن دينها أو انتمائها.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

A post shared by Bella 🦋 (@bellahadid)

تفاعل إلكتروني ضخم

حظيت قضية حظر الحجاب في الهند على مدار الأسابيع الماضية بتفاعل على مستوى العالم، ترجم بعشرات آلاف التغريدات العربية وغير العربية، التي نددت بقرار الحظر، ودعت إلى نصرة المرأة المسلمة في الهند.

الإعلامي المصري أحمد منصور أشار عبر حسابه في تويتر، إلى ما أسماه "الحرب على الحجاب في الهند"، وتعرّض المسلمين هناك إلى قمع بما يتعلق بممارسة شعائرهم وحقوقهم الدينية، منتقدًا صمت الحكومات العربية والإسلامية إزاء ذلك.

من جانبه، تحدّث أمين عام الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين علي القره داغي، عبر تغريدة له، عن "محاولة فاشلة" للقضاء على معالم الإسلام؛ وعلى تعاليمه، واصفًا من يقوم بها بالداعشية، بإشارة إلى التطرف لدى السلطات الهندية، في حين أكد ممارسة السلطات الاضطهاد الديني على المسلمين، وما "يسايره من صمت عربي".

"اليوم أيدت محكمة هندية حظرا على ارتداء الحجاب في أماكن الدراسة....مودي يواصل استخفافه بالأقلية المسلمة، وبروح التعدّدية في الهند"، يغرد الكاتب والمحلل السياسي ياسر الزعاترة، مهاجمًا رئيس الوزراء الهندي، وداعيًا إلى الوقوف في وجهه.