26-سبتمبر-2023
كوسوفو

وصفت السلطات في كوسوفو الهجوم بـ"الإرهابي"، واتهمت جارتها صربيا بالمسؤولية عنه (Getty)

قال رئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي إن المحادثات التي تتم بوساطة الاتحاد الأوروبي بين كوسوفو وصربيا أصبحت أحادية الجانب مؤكدًا وصولها بذلك إلى طريق مسدود.

وقد فشلت جهود الوساطة التي قادتها أوروبا على مدى أكثر من عقد من الزمن، وكان آخرها في مولدوفا وبروكسل، في تطبيع العلاقات بين كوسوفو وصربيا، إذ ما تزال بلغراد ترفض الاعتراف باستقلال كوسوفو، الذي أعلن في عام 2008 بموجب خطة رعتها الأمم المتحدة.

اندلعت اشتباكات مسلحة شمال جمهورية كوسوفو بين عشرات المسلحين والشرطة بعد قيام المهاجمين في وقت مبكر من صباح أمس الأحد، باستهداف دورية للشرطة في المنطقة، ما أدى إلى مقتل أحد أفرادها وجرح آخر

ووفقًا لمصادر متعددة فقد فشلت المحاولات الأخيرة لإجراء محادثات بين رئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي والرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، للتوصل إلى اتفاق حول تسوية جديدة اقترحها مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل.

وكانت التوترات قد تصاعدت مجددًا أمس الأحد، بعد مقتل ضابط شرطة وإصابة آخر في شمال كوسوفو، في أول أعمال عنف تشهدها المنطقة منذ أشهر.

حيث اندلعت اشتباكات مسلحة شمال جمهورية كوسوفو بين عشرات المسلحين والشرطة بعد قيام المهاجمين في وقت مبكر من صباح أمس الأحد، باستهداف دورية للشرطة في المنطقة، ما أدى إلى مقتل أحد أفرادها وجرح آخر. 

وفي أول تعليق، وصفت السلطات في كوسوفو الهجوم بـ"الإرهابي"، واتهمت جارتها صربيا بالمسؤولية عنه. مؤكدةً أن الهجوم تم "بدعم سياسي ومالي ولوجستي من مسؤولين في بلغراد".

حيث اتهم رئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي صربيا بالمسؤولية عن الهجمات التي تستهدف بلاده، قائلًا في منشور على حسابه في فيسبوك: إنّ "إطلاق النار على الشرطة مستمر. ولهذا السبب طلبنا من صربيا التوقف عن تشجيع الهجمات الإرهابية في شمال كوسوفو".

getty

وأكّد كورتي أن "قوات الشرطة التابعة لنا تحاصر 30 مهنيًا وعسكريًا أو شرطيًا مسلحًا"، مردفًا القول "أدعوهم للاستسلام إلى أجهزتنا الأمنية". وأضاف كورتي أن الهجوم من تنفيذ "محترفون ملثّمون ومسلّحون بأسلحة ثقيلة".

بدورها، قالت رئيسة كوسوفو فيوسا عثماني، إنّ "هذه الهجمات هي دليل إضافي على القوة المزعزعة للاستقرار التي تتمتّع بها العصابات الإجرامية التي تنظّمها صربيا، والتي تعمل على زعزعة استقرار كوسوفو والمنطقة منذ فترة طويلة"، داعيةً حلفاء بلادها إلى دعمها "في جهودها لإحلال السلام والنظام والحفاظ على السيادة على جمهورية كوسوفو بأكملها".

ووفقًا بيان لشرطة كوسوفو "تعرّضت وحدة لهجوم من مواقع مختلفة بالأسلحة الثقيلة، بما في ذلك القنابل اليدوية".

فشل الوساطة الأوروبية

وكان رئيس الوزراء في كوسوفو، ألبين كورتي، قال في مقابلة مع صحيفة الغارديان قبل أعمال العنف التي وقعت نهاية هذا الأسبوع، إن استمرار عدم الاستقرار جعل المنطقة "ملعبًا للأطماع الجيوسياسية الروسية والصينية".

ووصف كورتي الاجتماع الفاشل الأخير في 14 أيلول/سبتمبر الجاري بينه وبين الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش بأنه كان بمثابة كارثة، مضيفا القول إن المبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي، ميروسلاف لايتشاك، "فقد حياده".

حيث فشل لايتشاك، حسب رئيس وزراء كوسوفو، في نقل الموقف التفاوضي الصربي المكتوب إلى الكوسوفيين قبل الاجتماع ولم يتم تقديمه إليهم إلا بعد انتهاء المحادثات.

وقال كورتي: "ليس هناك أي تقدم آخر بهذه الطريقة لقد أظهر اجتماع 14 أيلول/سبتمبر حدود الأساليب القديمة".

كما ادعى رئيس وزراء كوسوفو أن الرئيس الصربي فوتشيتش قام بتوجيه الإهانات إليه أثناء المحادثات، وهو ما قال إنه أصبح حدثًا منتظمًا دون أي جهد من جانب الوسطاء لوقف، "فهو يسيء ويسب باللغة الصربية في كثير من الأحيان طوال هذين العامين، ولقد طلبت من الوسطاء إيقافه وإدانته لكن ذلك لم يحدث أبدًا".

وفي قمة أخرى، عقدت في مولدوفا في الأول من حزيران/يونيو، وحضرها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والألماني أولاف شولتز، ومسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، وجّه الرئيس الصربي فوتشيتش الإهانات لرئيسة كوسوفو، فيوسا عثماني، وفقًا لمكتبها.

وقال بليريم فيلا، مدير مكتب عثماني: "لقد خاطب رئيسة كوسوفو والموظفين المرافقين لها بكلمة جرذان المهينة وغير الإنسانية"، مضيفًا القول "إن نوبات الغضب التي يعاني منها فوتشيتش تعكس شخصيته وعدم قدرته على قبول الآراء المختلفة".

وقال أحد المصادر للغارديان، إنه على الرغم من أن ماكرون وشولتز لم يستطيعا فهم ما كان يقوله، إلا أن "لغة جسد فوتشيتش أظهرت أنه منزعج ولا يريد أن يكون في الغرفة مع الكوسوفيين".

ولم يحدد كورتي النعوت التي يزعم أن الرئيس الصربي استخدمها ضده، لكن دبلوماسيين في كوسوفو قالوا، إن إحدى الكلمات المسيئة التي استخدمت في الاجتماعات السابقة كانت " شيبتار"، وهي إهانة عرقية باللغة الصربية للإشارة إلى الألبان.

وقال كورتي للغارديان: "يبدو الأمر وكأنه متنمر في المدرسة يتم تكريمه من قبل إدارة المدرسة، إلا أنه في هذه الحالة ارتكب المتنمر في المدرسة جريمة إبادة جماعية وهو حليف قوي لـفلاديمير بوتين".

وتخلّف الإهانات العرقية تأثيرًا خاصًا في المنطقة لأنها تردد صدى الخطاب الذي رافق حملة مكافحة التمرد الوحشية وحملة التطهير العرقي التي قامت بها القوات الصربية في أواخر التسعينيات في عهد الرئيس سلوبودان ميلوسيفيتش آنذاك، وقُتل خلالها أكثر من 10.000 شخص، غالبيتهم العظمى من الأغلبية الألبانية في كوسوفو.

لقد اعتقد الوسطاء الأوروبيون أنهم حققوا انفراجة في شباط/فبراير عندما التقى فوتشيتش وكورتي في بروكسل واتفقا على "الطريق إلى التطبيع".

getty

وبموجب الاتفاقية، سيعترف كلا البلدين بجوازات السفر والأعلام والرموز الخاصة بكل منهما، ولن تعترض صربيا على عضوية كوسوفو في أي منظمة دولية، وستضمن كوسوفو "مستوى مناسبًا من الإدارة الذاتية للمجتمع الصربي في كوسوفو".

لكن على الرغم من الموافقة شفهيًا على وثيقة بروكسل وملحق التنفيذ في الشهر التالي في اجتماع منفصل عُقد في مقدونيا الشمالية، رفض فوتشيتش التوقيع على أي منهما وتراجع بعد فترة وجيزة، فبعد أن أشاد مسؤولو الاتحاد الأوروبي بما اتفق عليه في اجتماع مقدونيا الشمالية، ظهر فوتشيتش على شاشة التلفزيون الصربي لطمأنة أتباعه بأنه لم يوقع على أي شيء، قائلًا بلغة ساخرة: "أعاني من آلام مبرحة في يدي اليمنى، ومن المتوقع أن يستمر هذا الألم لمدة أربع سنوات".

وبعد فترة وجيزة، وبالتحديد في نيسان/أبريل، انتهكت بلغراد بشكل مباشر اتفاقية أوهريد في مقدونيا الشمالية بمعارضتها عضوية كوسوفو في مجلس أوروبا.

ومنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، تعتقد كوسوفو أن الأولوية قد تغيرت لضمان عدم وقوع صربيا تحت تأثير روسيا. وتزعم أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ركزا انتقاداتهما بدلًا من ذلك على حكومة كورتي في كوسوفو لعدم إنشاء رابطة للبلديات ذات الأغلبية الصربية لمنح المناطق الصربية المزيد من الحكم الذاتي.

ويطلب الاتحاد الأوروبي وصربيا من كوسوفو أن تتحرك أولًا بشأن البلديات الصربية كشرط مسبق لإحراز التقدم. ويرفض كورتي القيام بهذه الخطوة دون خطوات مماثلة من صربيا، مشيرًا إلى أنه لا يوجد شيء في سجل فوتشيتش يشير إلى أنه يمكن الوثوق به.

وقال كورتي إنه ذهب إلى الاجتماع الأخير في 14 أيلول/سبتمبر، حاملًا معه مقترحات حول كيفية تسلسل الخطوات الكوسوفية والصربية. 

هذا ويرغب الجانب الصربي بشكل مسبق في الحصول على نوع من الارتباط بالمجموعات الصربية في الشمال، في حين يطالب الجانب الكوسوفي قبل أي نقاش باعتراف بلغراد باستقلال كوسوفو.

اتهم رئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي صربيا بالمسؤولية عن الهجمات التي تستهدف بلاده

واتهم الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، في خطاب ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي، الغرب بالنفاق، معتبرًا أنّ الاعتراف بكوسوفو يستند إلى الحجج نفسها التي استخدمتها روسيا لغزو أوكرانيا.

يذكر أن بلغراد ترفض الاعتراف باستقلال كوسوفو، التي كانت إقليمًا بصربيا بأغلبية ألبانية وبتعداد سكاني يصل 1,8 مليون نسمة، لكن الإقليم الذي استقل 2008 يضم أقلية صربية تعدادها 120 ألف نسمة، يقيمون بشكل رئيسي في شمال كوسوفو، وتشهد تلك المنطقة توترات مستمرة، تفاقمت في أيار/مايو الماضي بعدما عينت السلطات رؤساء بلديات ألبان في أربع مناطق معظم سكانها من الصرب. ما أثار اضطرابات وأعمال شغب وعنف أدّت إلى إصابة أكثر من 30 عنصرًا من قوات حفظ السلام التابعة لحلف شمال الأطلسي.