10-مارس-2024
مقال من هو مخترع الرياضيات؟

ساهمت الحضارات المختلفة في تطوير علم الرياضيات

علم الرياضيات من أهم العلوم التي تجمع الحضارات وتتخطّى حدود الزمان؛ إذ بدأ علم الرياضيات قبل 3000 عامًا من قبل السومريين الذين طوّروا نظام العد والترقيم، مرورًا بالحضارة المصرية القديمة ومساهمتها في تطويره، والحضارة الصينيّة القديمة أيضًا، ثم أتت الحضارة الإسلامية بعلمائها المميزين الذين كان لهم دورهم الخاص في تطوير هذا العلم، وفيما بعد اقتبست الحضارة الأوروبية في عصر النهضة من الكتب العربية أساسيات الرياضيات ثم بنت عليها علومها.

أما فيما يخص بتسميةِ عالمٍ بعينه مخترعًا للرياضيات فهذا أمرٌ مستحيل، فالرياضيات علمٌ تراكميّ قد بدأ منذ الحضارة السومرية حتى وصل إلى ما هو عليه اليوم، ويعرض هذا المقال تطوّر الرياضيات عبر الحضارات المُختلفة ودور العلماء وإسهامهم.

السومريون أول من وضع وصفًا رياضيًا رمزيًاثم عموا إلى تجريد الأعداد لإحصاء أيّ أمر يحتاجون إليه.

علم الرياضيات عند السومريين

تُعدّ سومر -وهي منطقة في العراق حاليًا- مهدًا للحضارة؛ فهي أول حضارة طوّرت الكتابة عبر استخدام الكتابة المسمارية إذ ظهرت فيها نقوش تُوضّح استخدامهم للرياضيات في عدّة جوانب مثل فرض الضرائب، وقياس قطع الأراضي وغيرها. 

يُعدّ السومريون أول من وضع وصفًا رياضيًا عن طريق تعيين رموز لمجموعات من الأشياء مثل استخدام حزم القمح أو جِرار الزيت وغيرها حتى وصلوا إلى تجريد الأعداد لإحصاء أيّ أمر يحتاجون إليه.

بدأ السومريون في الألفية الرابعة قبل الميلاد في استخدام الرياضيات واستخدموا مخروطًا صغيرًا من الطين لتمثيل الرقم 1، واستخدموا كرةً طينيةً لتمثيل الرقم 10، ومخروطًا كبيرًا لتمثيل الرقم 60. استبدلت هذه الطريقة في بداية الألفية الثالثة بمرادفات الكتابة المسمارية إذ استخدموا كتابة الأرقام بنفس القلم الذي يُستخدم لكتابة الكلمات في النص.

 

علم الرياضيات عند المصريين القدماء

استخدم المصريون القدماء الرياضيات في العصر الهلنستي. فطوروا نظامًا رقميًا للعد وحل المشكلات الرياضيّة المكتوبة؛ والتي كانت تتضمّن عمليات الضرب بالإضافة إلى استخدامهم للكسور. 

وُجدت بعض أوراق البردى المكتوب عليها بعض المسائل الرياضيّة، وكان هناك أيضًا بعض الأوراق التي توضّح إتقانهم للمفاهيم الهندسيّة مثل تحديد مساحة السطح، وحجم الأشكال الثلاثيّة الأبعاد التي استخدمت في الهندسة المعماريّة، إلى جانب معادلات الجبر والمعادلات التربيعيّة.

 

مساهمات الصين في الرياضيات

ساهم العلماء الصينيون في تطوير علم الرياضيات وذلك في القرن الحادي عشر قبل الميلاد. وقد برعوا فيها؛ إذ طوّروا الأرقام السالبة، والكسور العشرية، والنظام العشري، والجبر، والنظام الثنائي، والجبر، والهندسة، وعلم المثلثات. كان الصينيون القدماء الأكثر تقدمًا في الحسابات الرياضية، إذ تمكّنوا من كتابة أرقام كبيرة بمنازل عديدة. 

يجدر الذكر أنه وُجدت اكتشافات لفكرة نظرية فيثاغورس في أقدم النصوص الصينيّة الكلاسيكيّة، كما وُجد لديهم المعرفة بمثلث باسكال قبل نظرية باسكال بقرون.

أدخل المسلمون رمز "الصفر" الذي يُمثّل نقطة تحوّل في تطوّر علم الرياضيات

مساهمات العرب المسلمين في علم الرياضيات

ساهم العلماء والمخترعون العرب المسلمون في تطوير علم الرياضيات خلال الحقبة الذهبية لنهضة العلوم المُمتدّة من القرن 7 إلى القرن 13 حيث ترجموا الكتب العلمية من اليونانية واللاتينية إلى العربية وتعلموها وطوروا ما فيها. وكتشفوا نظريات وعلومًا جديدًا. فاخترعوا النظام العشري الحسابي الحالي وجميع العمليات الحسابيّة المُرتبطة به كالجمع، والطرح، والضرب، والقسمة، واستخراج الجذر التربيعي والجذر التكعيبي، والرفع إلى قوة. 

كما أدخل المسلمون أيضًا رمز "الصفر" إلى الثقافة الغربيّة الأمر الذي يُعدّ اختراعًا يُمثّل نقطة تحوّل في تطوّر علم الرياضيات؛ إذ أدى ذلك إلى تبسيط النظام الحسابي وعملياته الأساسيّة إلى حدٍ كبير. 

يُذكر للعلماء الأوروبيين في مجال الرياضيات اكتشاف السلاسل اللانهائية، وحساب التفاضل والتكامل. وتطوير الهندسة التحليلية.

مساهمات أوروبا في الرياضيات

بدأت مساهمات أوروبا في الرياضيات في القرن السادس عشر، وبدأ العلماء الأوروبيون بترجمة النصوص الكلاسيكيّة من اللغة اليونانية إلى اللغة اللاتينية، واستعانوا أيضًا بالكتب والمصادر الإسلامية التي كانت تصل إلى أوروبا عبر البحر إذ كان هنالك حركة تجارية نشطة بين الحضارتين الإسلامية والأوروبية.

شعر العلماء الأوروبيون بأنّه يجب تغيير طريقة تفكيرهم للوصول إلى التطوّر المطلوب في الرياضيات لذلك استغنوا عن طريقة التعلّم القديمة، وطوّروا لغتهم وأدواتهم وذلك ساهم بتغيّر الرياضيات بسرعة عالية وبشكلٍ كبير في أوروبا. 

يُذكر للعلماء الأوروبيين العديد من الاكتشافات الهامّة في مجال الرياضيات ومنها اكتشاف السلاسل اللانهائية، إلى جانب حساب التفاضل والتكامل. ولا بُدّ من الإشارة إلى أنّ أهم أمر قدّمته أوروبا في علم الرياضيات هو تطوير الهندسة التحليلية.

 

دور الخوارزمي في تطوير الرياضيات

قدّم المسلمون في العصور الوسطى مُساهمات قيّمة ولا تُقدّر بثمن في علم الرياضيات، ومن أشهرهم الخوارزمي الذي ألّف مجموعةً كبيرةً من الأبحاثِ ذات الأهميّة. ويُعدّ كتابه "الجمع والتفريق في الحساب الهندي" من أهم الكتب التي نشرت نظام الترقيم الهندي (الأرقام العربية) في الشرق الأوسط وفي الغرب. 

ولد العالم العربي المسلم الخوارزمي في بغداد عام 780 وهو عالم رياضيات وله باع طويل ومساهمات مهمّة في علم الفلك. عمل في "دار الحكمة" في عهد الخليفة المأمون. كان عمله في  بيت الحكمة هو اقتناء الرسائل العلمية والفلسفية خاصةً اليونانية منها وترجمتها، فضلًا عن كتابة ونشر الأبحاث الأصلية للعلماء العرب. 

كان الخوارزمي يعمل في تطوير علم الجبر الأساسي وقد كتب "الكتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة" والذي تُرجم إلى اللغة اللاتينية في القرن 12 والذي اشتق منه مصطلح الجبر لاحقًا. 

يُعتبر الجبر مجموعة من القواعد والعروض التوضيحيّة لإيجاد حلول للمعادلات الخطيّة والتربيعيّة وفقًا على حجج هندسية بديهيّة بدلًا من التدوين المُرتبط بالموضوع. يمتاز الكتاب بطريقة طرحه المنهجيّة الواضحة وهو ما يُميّزه عن الكتب الأخرى. يحتوي الكتاب أيضًا على عدّة أقسام توضّح طريقة حساب مساحات وأحجام الأشكال الهندسية. وقد ساهم علم الجبر في حل مسائل الميراث وفق الشريعة الإسلامية.

قدّم الخوارزمي في القرن 12 كتابًا عن الأرقام الهندوسيّة العربيّة، وساهم اختراعه لهذه الأرقام إلى جانب علم الجبر في رفد الرياضيات الأوروبيّة بهذا العلم وقد كان أساسًا لها، ومن اسمه اُشتقت كلمة خوارزميّة (Algorithm) التي تُستخدم في اللغة اللاتينية. وقد ألّف كتاب "الخوارزمية والجبر" الذي تُرجم إلى اللغة اللاتينية وقد أصبح من أشهر الكتب في العالم في علم الجبر

تعود أهمية اختراع الأرقام إلى أنّ الأنظمة التقليديّة كانت تستخدم الحروف الأبجديّة لتمثيل الأرقام أو كانت تستخدم الأرقام الرومانية التي تُعدّ صعبة للاستخدام وغير عملية؛ وهنا جاءت أهمية نظام الأرقام العربية الهندوسية التي سهّلت على الناس عمليات الضرب والقسمة وجعلتها أكثر سلاسة. 

تعلّم التاجر الإيطالي ليوناردو فيبوناتشي الأرقام العربيّة في تونس وكان يُعدّد أهمية استخدام هذه الأرقام ممّا جعلها تنتشر بسرعة في إيطاليا. وبحلول القرن 14 تخلّى التجار الإيطاليون عن المعداد وأصبحوا يستخدمون الورقة والقلم لعمل حساباتهم، بالطريقة المُستخدمة في الوقت الحالي.

ساهمت الحضارات المختلفة في تطوير علم الرياضيات لذلك فإنّ الرياضيات لا يُعد اختراعًا يختص به عالم ما وإنما هو علم مُتراكم

دور العالم أرخميدس في تطوير الرياضيات

ساهم العالم أرخميدس في تطوير علم الرياضيات على المدى الطويل، ويُعود له الفضل في تطوير أهم المفاهيم الرياضيّة ومنها طريقة الاستنفاد والتي تُستخدم لحساب مساحة الأشكال غير المنتظمة. تتضمّن هذه الطريقة تقريب مساحة الشكل عن طريق تقسيمها إلى قطع أصغر حتى تُصبح كل قطعة بسيطة يُمكن قياسها بدقّةٍ وسهولة. استخدم أرخميدس هذه الطريقة لحساب مساحة الدائرة؛ حيث وجد أنّها تُساوي حاصل ضرب نصف قطر الدائرة ومحيطها. ويعتبر هذا الاكتشاف من أهم الاكتشافات التي مهدّت لتطوّر الرياضيات في المستقبل. تجدر الإشارة إلى أنّه بسبب اختراعاته المهمة سُمي أرخميدس باسم "أبو الرياضيات".

 

ساهمت الحضارات المختلفة في تطوير علم الرياضيات لذلك فإنّ الرياضيات لا يُعد اختراعًا يختص به عالم ما وإنما هو علم مُتراكم حتى وصل إلى ما هو عليه الآن. بدأ علم الرياضيات قبل 3000 عام في الحضارة السومرية فقد طوّروا وصفًا للأرقام عبر رموز مُعيّنة لاستخدامها في التعداد والقياس. وكان للحضارة المصريّة القديمة أيضًا دور في تطوير الرياضيات حيث كانوا يُتقنون مُعادلات الجبر والمعادلات التربيعية إلى جانب معرفتهم بالمفاهيم الهندسية.

ساهمت أوروبا في اكتشاف حساب التفاضل والتكامل إلى جانب تطوير الهندسة التحليلية. أما الحضارة الصينية فكان لها دور في تطوير الأرقام السالبة، والكسور العشرية، والنظام العشري، وعلم المثلثات، والجبر، والهندسة وغيرها. ولا بُدّ من ذكر أنّ حضارة الصين كانت متطورة جدًا في الحسابات الرياضية. وبالطبع لا يمكن أن ننسى مساهمات العلماء العرب والمسلمين في تطوير علم الرياضيات إذ اخترعوا نظام العد العشريّ وجميع العمليات الحسابيّة المُرتبطة به كالجمع والطرح والضرب والقسمة.