15-فبراير-2017

كاثي أونيل محاضرة

ماذا لو كانت اللوغاريثمات (Algorithms) تدمّر مجتمعنا؟ بهذا السؤال تقدم كاثي أونيل كتابها "أسلحة دمار الرياضيات: دور قواعد البيانات في تعميق عدم المساواة وتهديد الديمقراطية" (2016). كاثي أونيل الأكاديمية الحائزة على درجة دكتوراه في الرياضيات من جامعة هارفارد، والعائدة من عالم الأعمال في وول- ستريت "Wall Street"، حيث عملت كاثي أونيل في تحليل البيانات؛ تمتلك معرفة كبيرة حول آليات تحليل البيانات، وقدرة مميزة في تحديد مخاطرها.

كاثي أونيل: ماذا لو كانت اللوغاريثمات (Algorithms) تدمّر مجتمعنا؟

أول الأمثلة التي يتناولها كتاب كاثي أونيل هو أزمة 2008 المالية، وعنوانها الأبرز القروض السكنية. برأي أونيل أن اللوغاريثمات الدقيقة والمعقدة التي تم اعتمادها من أجل الموافقة على القروض السكنية، كانت خاطئة كليًا وهو ما أدى إلى انهيار السوق المالية بأكملها. وتتوالى الأمثلة عن استخدام اللوغاريثمات في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من قبيل: تقييم الأساتذة والموظفين، عملية التوظيف، طلبات القبول في الجامعات، التسويق الشبكي "web marketing"، النظام الجزائي، تصنيف طلبات القروض، وترجيحات الفوز في الانتخابات… الإشكالية التي تطرحها أونيل في هذه الأمثلة هي النتائج الخاطئة الصادرة عن هذه التطبيقات، بما فيها من تنميط واجتزاء للبيانات يقودان إلى أحكام مسبقة، تساهم في نقل واقع انعدام المساواة من العالم الحقيقي إلى العالم الرقمي وبالعكس.

اقرأ/ي أيضًا: يارو ماموت يتحرر من العبودية

لغة كاثي أونيل في الكتاب بسيطة بحيث يسهل على غير المختصين فهم المسألة. الخطوة الأولى في تصميم اللوغاريثم هي بناء نموذج يماثل العالم الحقيقي، قادر على محاكاة بيانات ضخمة، ويتيح الوصول إلى استنتاجات لا يمكن الوصول إليها بغير وسيلة مثل تحديد السلم القيمي للشخص موضوع الدراسة، قدراته الفعلية ودرجة الموثوقية. وهذا كله في سبيل غاية معلنة هي تطوير النظام الاقتصادي والاجتماعي. 

بحسب كاثي أونيل فإن خلل اللوغاريثمات الأساسي هو غياب عامل الاسترجاع "feedback" الضروري من أجل تطوير اللوغاريثم، وبالتالي تصويب قياساته واستنتاجاته. الخطير في اللوغاريثم أنه يقوم بتعريف واقعه بنفسه وإذ يستخدم هذا الواقع لتبرير وتأكيد حساباته فهو يقوم بإدامة نفسه بنفسه. هنا تكمن قدرته التدميرية فبدل البحث عن الحقيقة، يبحث اللوغاريثم عن ما يجسده ويؤكده. مثلًا عندما يتم رفض طلب قرض جامعي بناء على أن المنطقة السكنية لصاحب الطلب ذات نسبة جريمة مرتفعة. ثم في حال ظهر اسم مقدم الطلب في سجلات الشرطة لاحقًا، يستخدم اللوغاريثم هذه المعلومة لتأكيد صوابية القرار الأول الخاص بالرفض.

مسألة أخرى تثيرها كاثي أونيل وهي السرية التامة التي تحيط باللوغاريثمات المستخدمة، والتي عادةً ما يتم تمويهها ضمن الكثير من الرياضيات المعقدة العصية على الجميع عدا الخبراء، وهذا ما يعيق المساءلة المجتمعية للقواعد المستخدمة، ويعقد مسألة فحص هذه البرامج من قبل خبراء محايدين. لكنها تعلم أن اللوغاريثمات التي تستهدف الفقراء بسيطة وغير مكلفة، بينما يخضع الأغنياء لأخرى أكثر شخصية "personnalisé". فالأكيد أن الأغنياء يدفعون أقل عندما يتسوقون على مواقع مثل AMAZON، EXPEDIA، أو ORBITZ، لأن الأسعار تعتمد على لوغاريثم التسعير الحركي "dynamic pricing" الذي يستخدم بيانات السكن والدخل والتاريخ الشرائي، ويتم العمل حاليًا على لوغاريثم للتسعير الإلكتروني "electronic pricing" لصالح شركة بريطانية، ويعتمد على البيانات القادمة من جهاز المتصفح الشخصي. بينما لوغاريثمات الفقراء تبحث أكثر عن نقاط الضعف "pain point"، وبالتالي تستخدم بيانات الفقراء الشخصية بالضد من مصالحهم، مثلًا إعلانات الدورات التدريبية الباهظة الثمن التي غالبًا ما تظهر على صفحات الباحثين عن العمل.

ماهية البيانات ومن أين تأتي: الفيسبوك مثالًا

يقوم الفيسبوك بجمع 98 نقطة بيانية لكل فرد من مشتركيه الذين بلغوا مليارين. وهذه النقاط تتضمن: العرق، الثروة، القروض، قيمة المنزل، عدد الأولاد، المهنة، أماكن السكن، تاريخ شراء السيارة، التقلبات المزاجية، حتى إذا ما كنت تهتم بشهر رمضان أم لا.. البيانات نفسها بالنسبة لأصدقائك. يجمع الفيسبوك جزءًا من هذه المعلومات من بيانات المستخدم الذي وافق مسبقًا على منحها. ومن جهة أخرى يقوم برنامج التعرف الصوري "facial recognition" بجمع المعلومات من صور المستخدم سواء نشرها بنفسه، أو نشرها آخرون، وهذا يتضمن صور التخرج، والزفاف، والمنزل، والولادة، والرحلات السياحية، والمطاعم والمقاهي المفضلة.. إلخ. 

في عالم اليوم لا توجد خدمة مجانية إلا الموت الطبيعي

كذلك يتيح زر اللايك "like" الموجود في أغلب مواقع الإنترنت بتتبع -من دون ضغطه- حركة المستخدم على الإنترنت. كذلك يشتري فيسبوك البيانات من شركات البيانات (هنالك حوالي 5000 شركة في العالم) التي بدورها تشتري المعلومات من محلات التسوق، والصيدليات، والبلديات التي تحظى بسجلات الناخبين، وسجلات الولادة والوفاة، وسجلات الشركات، وسجلات المركبات ورخص القيادة. بعد جمع كل هذه البيانات يقوم الفيسبوك ببيعها للمعلنين وشركات الدعاية (هذا المعلن على الأقل). 

اقرأ/ي أيضًا: الكتاب للجميع.. "أبابيل" تطلق مشروع الكتب الرقمي

لفهم القيمة الحقيقة لهذه البيانات يجب التنبه إلى أن عائدات فيسبوك في الربع الثالث لعام 2016 بلغت 2.3 مليار دولار مقابل 900 مليون للفترة نفسها من العام 2015. 

تتجلى خطورة استخدامات هذه البيانات في التطبيقات التنبؤية مثل "Acronym OCEAN" التي قام بتطويرها باحثون في جامعة كامبردج وهي خدمة مدفوعة هدفها تقييم أداء الموظفين أو أهلية المتقدمين للعمل بناءً على تاريخ لايكاتهم الفيسبوكية! كذلك تطبيق "PredPol" المستخدم من قبل شرطة مدينة نيويورك في سبيل تحديد أماكن "احتمال" حدوث جرائم، ما يعزز السلوك العنصري تجاه مجموعة بشرية بعينها أو أحياء سكنية محددة.

يهتم كتاب كاثي أونيل بالتداعيات الاقتصادية والاجتماعية لقواعد البيانات واللوغاريثمات على المجتمع الأمريكي، ويستكمل معركة الخصوصية والحقوق الفردية التي افتتحها إدوارد سنودن في تسريباته. وهذا لا يمنعنا من التساؤل عن تداعيات أسلحة الرياضيات على عالمنا العربي لجهة صناعة سياسات القوى العظمى الخارجية. غياب مراكز الأبحاث لا يساعد في تقديم أي إجابات، لكن الأكيد أنه في عالم اليوم لا توجد خدمة مجانية إلا الموت الطبيعي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"ظل الريح".. حكاية المدينة مدفونة في مقبرة كتب

استطلاع رأي: تلامذة إيطاليا معجبون بهتلر