12-مارس-2020

من الفيلم (IMDB)

"الرجل الذي عرف اللانهاية" (The Man Who Knew Infinity)، فيلم أُنتج من قبل نيتفلكس في 2015 يروي السيرة الذاتية لعالم الرياضيات الهندي سريامينافا رامانوغان، وتستند أحداثه على الرواية التي ألّفها الروائي الأمريكي روبرت كانيغيل في 1991 بالعنوان نفسه.

بالرغم من عبقريته وموهبته النادرة إلا أن عالم الرياضيات الهندي سريامينافا رامانوغان لا يحظى بشهرة واسعة

بالرغم من عبقريته وموهبته النادرة، والأثر الكبير لنظرياته في حل المسائل الرياضية المعقّدة، الأمر الذي انعكس إيجابًا على الكثير من العلوم الأخرى، فإن رامانوغان لا يحظى بشهرة واسعة اليوم إسوةً بباقي علماء مطلع القرن العشرين، وبالتالي فإن رواية كانيغيل، ولاحقًا الفيلم الذي كتب نصّه وقام بإخراجه مات براون، أرادت تخليد ذكرى الراحل، وإيفاءه بعضًا من حقه المهدور.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "خرطوم أوفسايد" والهوية الإنسانية المفتوحة

يبدأ الفيلم بعبارة شهيرة للعالم براتند راسل، الذي عاصره رامانوغان يقول فيها: "الرياضيات في حال نظرت إليها بشكل صحيح، فإنك لن تملك الحقيقة فحسب، بل ستملك الجمال الأسمى". المقولة هذه تكسر الصورة النمطية التي توسم بها الرياضيات، باعتباره علمًا جامدًا يقوم على النظريات المجرّدة غير الملموسة، وتؤكد على الجانب الجمالي في مادة الرياضيات الذي لا يستطيع أن يراه إلا من يغوص داخله. رامانوغان الذي اكتشف هذا الجمال بالفطرة ومنذ الصغر، لا يشبه باقي علماء الرياضيات الذي حصلوا على تعليم جيد في طفولتهم ودرسوا لاحقًا في جامعات عريقة وعلى يد أساتذة أفذاذ، الأمر الذي ساعدهم في تطوير مواهبهم وصقلها، كما أنهم ينتمون بغالبيتهم للطبقة الأرسقراطية. على النقيض تمامًا، نشأ رامانوغان في حي فقير في مدينة مدراس الهندية، في مجتمع متدين محافظ يؤمن بالغيبيات ولا يعطي اهتمامًا كبيرًا بالعلم.

شُغف رامانوغان بالأرقام منذ طفولته. لم تكن لديه الوسائل، الأدوات، المراجع الكافية والتعليم الجيد بطبيعة الحال للوصول إلى المعلومات اللازمة، وبالتالي بناء منهجيات المادة في رأسه، ما يخوله تعلّم كتابة البراهين بطريقة علمية. لكنه عوّض عن ذلك بموهبته الفطرية، وهوسه بالعلاقات بين الأرقام والمتتاليات الحسابية. يقول عالم الرياضيات جون ليتلوود عنه: "تشعر أن كل عدد موجب هو صديق لرامانوغان".

تبدأ أحداث الفيلم في مدراس في الهند، مطلع العقد الثاني من القرن العشرين. يعيش الشاب رامانوغان (يقوم بدوره ديف باتيل) مع زوجته ووالدته.

كانت الهند خاضعة يومها للانتداب البريطاني. برع رامانوغان في الحساب الذهني، وفي حل المعادلات المعقدة بثوان قليلة. كان يسجل اكتشافاته على الأوراق ويحتفظ بها وكان يؤمن بأنه سيكون لها شأن كبير يومًا ما. لم يكن على دراية بما يحصل على صعيد الاكتشافات الرياضية في النصف الغربي من الكرة الأرضية. بناء على نصيحة رب عمله في مدراس، قام رامانوغان بمراسلة علماء رياضيات في بريطانيا، مضمّنًا رسائله بعضًا من اكتشافاته ونظرياته. لفتت نظريات الفتى عالمَ الرياضيات الشهير يومها غودفري هاردي المتخصص في علم الأرقام وتحليلها، وأستاذ الرياضيات في جامعة كامبريدج، والعضو في  الجمعية الملكية البريطانية للعلوم. لم يصدّق هاردي في البداية أن الأوراق الموجودة بين يديه تعود لشاب في العشرينات من عمره، لم يزر أوروبا من قبل ولم يطّلع على النظريات الرياضية الأساسية.

أرسل هاردي دعوة إلى رامانوغان لزيارة بريطانيا، حصل التعارف بينهما في كامبريدج. آمن هاردي بموهبة الشاب الهندي منذ اللحظة الأولى، ونشأت صداقة بين الاثنين بالرغم من فارق السن بينهما. تعرّض رامانوغان لأقسى أنواع التمييز العنصري بسبب جنسيته وسحنته الهندية،  وبسبب أصوله المتواضعه. لم يتقبّل معظم الأساتذة في كامبردج الإقرار والتسليم بأن فتىً نشأ في مدراس ولم ينل تعليمًا جيد قادر على مقارعتهم. كانت نقطة ضعف رامادوغان الأساسية، إضافة إلى التمييز الذي تعرّض له، والشعور بالغربة وانسلاخه عن عائلته، هي أنه كان عاجزًا عن كتابة براهين نظرياته بالطريقة العلمية، وذلك لأنه لم يتعلم في صغره كيفية بناء منهجيات البرهنة. كان رامانوغان يقول إن النظريات تأتيه عن طريق الإلهام والوحي، فيما كان هاردي يصرّ على ضرورة وضع البراهين ينشر له أبحاثه في الصحف العلمية، ولكي يثبت نفسه في كامبريدج أمام الرياضيين المشككين به.

اندلعت الحرب العالمية الأولى وساءت الأمور في كامبريدج وازداد منسوب الكراهية والحقد. أصيب رامانوغان بالسل وشعر بالخذلان لأن زوجته لم تكن تراسله (يكتشف لاحقًا أن أمه كانت تخبّئ الرسائل ولا ترسلها)، حاول الانتحار برمي نفسه أمام قطار لكن عامل القطار أنقذه في اللحظة الأخيرة.

رامانوغان: "الرياضيات في حال نظرت إليها بشكل صحيح، فإنك لن تملك الحقيقة فحسب، بل ستملك الجمال الأسمى"

وقف هاردي إلى جانب رامانوغان ودعمه، وساعده في الوقوف على قدميه مجدّدًا. نجح هاردي في إقناع أعضاء الجمعية الملكية البريطانية في ضم رامانوغان إلى الجمعية بعد محاولة أولى باءت بالفشل. عاد رامانوغان إلى الهند بعد انتهاء الحرب، التقى بعائلته من جديد، كانت خطته هي أن يعود مع زوجته إلى بريطانيا والاستمرار بأبحاثه هناك، لكن الموت كان أسرع منه فرحل عن العالم سنة 1920، عن عمر 33 سنة فقط، بعد صراع مع السل، لتخسر الرياضيات موهبة عظيمة كان من شأنها أن تحل الكثير من الألغاز الرياضية، خاصة في ما يخص الأعداد الأولية.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Operation Finale".. الهولوكوست في رؤية صهيونية

بالرغم من أن الكثيرون لم يسمعوا برامانوغان من قبل، لكن أبحاثه ونظرياته كان لها الفضل الكبير في الكثير من المجالات الفيزيائية والفلكية، وارتكزت الأبحاث على الثقوب السوداء في السبعينيات بشكل رئيسي على المعادلات التي حلّها الشاب الهندي.

اقرأ/ي أيضًا:

بعد "الباباوان"... عودة واجبة إلى ناني موريتي؟

فيلم "1917".. الحرب من كابوس إلى وقت للتنزّه