01-أبريل-2024
البحار الذي اكتشف أستراليا

إنجازات جيمس كوك تعد بداية الوجود الاستعماري الفعلي لأستراليا

لطالما كان التوسع في حكم الأراضي الجديدة التي لا يسكنها بشر ، الأراضي البكر المليئة بالكنوز والمحملة بأوصاف أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع حلمًا يدغدغ الأطماع الأوروبية بعد نهضتها من وحول العصور الظلامية. هذا الحلم باكتشاف العالم والسيطرة عليه دون حساب لأي عواقب كان ما يميز الرحلات الاستكشافية للرجل الأوروبي الأبيض، الذي أعطى لنفسه الحق دون أن يرف له جفن باقتحام البلاد بحجة "اكتشافها" وسلب خيراتها والاستيطان فيها. فإذا ما وجد للأرض سكانًا أصليين اعتبر وجودهم هم الطارئ على المكان، وأنه هو الواصل للتو من بلاد بعيدة- صاحب الحق المطلق في أن يستعمر الأراضي التي تطيب له؛ فهو كأوروبي صاحبها بما أنه هو من اكتشفها قبل غيره من الأوروبيين، والسكان الأصليون؟ ليسوا في المعادلة أصلًا، فهم ليسوا أوروبيين!

كان لاكتشاف الطريق حول رأس الرجاء الصالح دور كبير في الرحلات الاستكشافية اللاحقة، فقد شجع الأوروبيين على الذهاب أبعد وأبعد في أطماعهم الاستعمارية. ومن بين المناطق التي كان اكتشافها حلما للأوروبيين أرض أستراليا أو كما كانت توصف بالأرض الجنوبية المجهولة Terra Australia Incognita التي كان يُعتقد بضرورة وجودها في نصف الكرة الجنوبي. في المقال عرض مختصر للوصول الأوروبي إلى أستراليا وبداية رحلة الاستعمار في الأرض الجنوبية.

الهولنديون أصحاب الاكتشاف الأول لأستراليا، ولكن إنجازات جيمس كوك تعد بداية الوجود الاستعماري الفعلي لها.

من البحار الأوروبي الذي اكتشف أستراليا

كانت أستراليا مأهولة بالسكان منذ آلاف السنين، ولكن بطبيعة الحال لم يُتركوا لشأنهم؛ فقد وُثق أول رسو للسفن الأوروبية على أستراليا في عام 1606. إذ هبط المستكشف الهولندي ويليم جانزون على الجانب الغربي من شبه جزيرة كيب يورك ورسم حوالي 300 كيلومتر من الخط الساحلي. وخلال أكثر من 150 عامًا أبحر العديد من المستكشفين الهولنديين على طول الساحل الشمالي والغربي والجنوبي. حتى جاء جيمس كوك وصار أول مستكشف مسجل يهبط على الساحل الشرقي في عام 1770. وكان معه خرائط توضح السواحل الشمالية والغربية والجنوبية بناءً على الاستكشاف الهولندي السابق.

 

وليام جانسون والبحارة الهولنديون

  • ولد وليام جانزون بحدود عام 1570 ولكن لا تتوفر أي معلومات عن حياته المبكرة أو عن والديه. وصار ملاحًا وحاكمًا استعماريًا. وخدم في جزر الهند الشرقية الهولندية في الفترتين 1603-1611 و1612-1616.
  • في أواخر عام 1605، أبحر ويليم يانزون (جانزون) من أمستردام على متن السفينة Duyfken من بانتام في جزر الهند الشرقية الهولندية بحثًا عن غينيا الجديدة. وصل إلى مضيق توريس وأطلق على ما ثبت فيما بعد أنه جزء من الساحل الأسترالي اسم كيب كير-وير، على الجانب الغربي من شبه جزيرة كيب يورك. 
  • لاحقًا أبحر أبيل تسمان، الذي نال احترامًا كبيرًا كبحار في جزر الهند الشرقية الهولندية، في مهمة لاستكشاف الجنوب. في فأبحر في جولة كبيرة ورأى الساحل الغربي ورسا قبالة الساحل الجنوبي الشرقي. وساهمت رحلة استكشافية ثانية عام 1644 في معرفة الساحل الشمالي لأستراليا؛ وبذلك رسم الهولنديون كامل السواحل الغربية والشمالية. وأطلق الهولنديون على مساحة اليابسة الجديدة اسم نيو هولاند.
  • بالتزامن مع رحلة جانزون، كانت أساطيل السفن الإسبانية أيضُا تجوب البحار فقاد القبطان بيدرو فريناديز دى كويروس الأسطول الإسباني نحو أستراليا، وبناء على ذلك سجل اكتشاف جزر فانواتو وبيتكيرن، ثم أكمل بعده الملاح لويس فاز دي توريس الذي أبحر عبر مضيق توريس، الذي سُمّي تيمنًا باسمه؛ حيث كان أول أوروبي يستكشف هذا المضيق.

انطلق جيمس كوك في رحلة علمية نحو أستراليا ولكن أهدافها الحقيقة استعمارية عسكرية

البحار البريطاني جيمس كوك

بعد الهولنديين، كان للإمبراطورية البريطانية في غزو أستراليا؛ ففي عام 1688، وصل القرصان الإنجليزي ويليام دامبير على الساحل الشمالي الغربي لنيو هولاند. وعندما رجع إلى إنجلترا، نشر رحلاته وأقنع الأميرالية بدعم مشروع لإرسال أسطول لمتابعة الاكتشافات الجغرافية.وقدم تقارير كاملة أكثر من أي مستكشف سابق. وبذلك زادت الأطماع في اكتشاف المناطق المجهولة والانتفاع بقيمتها التجارية المحتملة. أدى ذلك إلى زيادة اهتمام الحكومة البريطانية بدعم عدة رحلات. مع زيادة الطموحات والآمال في إنشاء إمبراطورية تجارية عظيمة في البحار الشرقية. هذا بطبيعة الحال كان الخلفية التي تحرك وفقها الكابتن جيمس كوك رحلاته الثلاثة التي قادها نيابة عن الأميرالية البريطانية. 

وفي حين كان الهولنديون أصحاب الاكتشاف الأول للأرض المجهولة، فإن إنجازات جيمس كوك تعد بداية الوجود الاستعماري الفعلي لأستراليا.

  • بدأت مسيرة كوك المهنية كمستكشف في أغسطس 1768، عندما غادر إنجلترا على متن سفينة HM Bark Endeavour ومعه 100 من أفراد الطاقم. انطلقت رحلتهم تحت ستار الاستكشافات العلمية، فكان مكلفًا بالإبحار إلى تاهيتي لمراقبة عبور كوكب الزهرة أمام الشمس، ولكن بطبيعة الحال فالهدف الحقيقي وراء الرحلة متمثل بالأغراض العسكرية الاستعمارية.
  • شاهد أحد أفراد الطاقم أراضي جنوب شرق أستراليا. فهبط كوك عدة مرات في خليج بوتاني وفي جزيرة بوسيشن في الشمال، حيث طالب بالأرض في 23 أغسطس، وأطلق عليها اسم نيو ساوث ويلز.
  • بعد هبوطه في أستراليا خلال رحلته الأولى، وجه كوك سفينته شمالًا وتوجه إلى ميناء باتافيا الهولندي. ولأنه كان في منطقة غير محددة على الخريطة، لم يكن لديه أي فكرة أنه كان يبحر مباشرة إلى التكوينات المرجانية الحادة في الحاجز المرجاني العظيم.
  • في 11 يونيو 1770، اصطدمت سفينته إنديفور بالشعاب المرجانية وبدأت تتسرب إليها المياه، مما عرض طاقمه ومخططاته التي لا تقدر بثمن لاكتشافاته في المحيط الهادئ للخطر. قام رجال كوك بضخ المياه بشكل محموم من عنابر السفينة وألقوا المدافع وغيرها من المعدات في البحر لتخفيف وزن السفينة. حتى أنهم استخدموا شراعًا قديمًا لمحاولة سد ثقب في بدنها. وبعد أكثر من 20 ساعة يائسة، أوقفوا أخيرًا التسرب واتجهوا نحو الساحل الأسترالي. حيث سيستغرق كوك قرابة شهرين من الإصلاحات لجعل سفينته صالحة للإبحار مرة أخرى.
  •  كانت رحلات كوك اللاحقة خلال الـ9 سنوات إلى مناطق أخرى في المحيط الهادئ، بدافع الاهتمام البريطاني بالبحار الشرقية، كنوع من فرض الهيمنة البريطانية على جزر المحيط الهادئ.

كان فليندرز من غير اسم  نيو هولاند، إلى أستراليا واعتُمد الاسم رسميًا في عام 1817

 

مستكشفو ما بعد الاستيطان والتسمية الجديدة

كانت رحلات كوك بداية للاستيطان لكنها لم تكمل استكشاف السواحل الأسترالية. فلعبت سفن أخرى فرنسية أدوارًا في اكتشاف مناطق جديدة من أستراليا، فقد دارت سفينة ماريون دوفريسن من فرنسا حول تسمانيا عام 1772، وزار الكونت دي لا بيروس خليج بوتاني في وقت مبكر من عام 1788، ولكنه لم ينجز أي اكتشافات فعلية في أستراليا:

  • لاحقًا كان البريطانيان جورج باس، وهو جراح بحري، وماثيو فليندرز، وهو ضابط بحري، من أشهر المستكشفين بعد الاستيطان. فقد دخلا معًا بعض الموانئ على الساحل بالقرب من خليج بوتاني في عامي 1795 و1796. وغامر باس بالتوجه نحو الجنوب متجولًا حول كيب إيفرارد إلى الميناء الغربي. أما فليندرز فقد كان موجودًا في تلك المنطقة في أوائل عام 1798، حيث كان يرسم خريطة لجزر فورنو. وفي أواخر ذلك العام، أبحر فليندرز وباس حول تسمانيا في نورفولك، وأثبتا أنها جزيرة ووثقا مزيدًا من الاكتشافات. وبمساعدة العديد من الملاحين الآخرين، بما في ذلك التجار، جمعت المعلومات المتعلقة بمنطقة مضيق باس؛ وكان أبرزها اكتشاف بورت فيليب في عام 1802.
  • عندما عاد فليندرز إلى وطنه وفي عام 1801 اختير لقيادة رحلة استكشافية من هدفها الإبحار حول أستراليا وإكمال رسم خريطة القارة تقريبًا. وعلى مدى السنوات الثلاث التالية أثبت فليندرز أنه أهل لهذه المهمة. فأثبت بما لا يقبل الشك أن القارة الأسترالية كانت عبارة عن كتلة يابسة واحدة. وبناء على توصياته اعتُمد اسم أستراليا بدل نيو هولاند، وتغير الاسم رسميًا منذ عام 1817.
  • بالتزامن مع بعثة فلندرز رعت فرنسا رحلة استكشافية بالنوايا الاستعمارية ذاتها. فأعطيت العديد من المعالم أسماء فرنسية بما في ذلك "أرض نابليون" للساحل الجنوبي. وجمعت الكثير من المعلومات لكنها لم تتولّ إلا القليل من الاستكشافات الجديدة. 
  • كان الساحل الشمالي، من أرنهيم لاند إلى شبه جزيرة كيب يورك، بحاجة إلى المزيد من الاستكشاف. فأُرسلت بعثتان بريطانيان بقيادة فيليب باركر كينغ وجون كليمنتس ويكهام لهذا الغرض

بمجرد أن استقر المستعمرون الإنجليز وغيرهم جُلب المحكومون للعمل في الإنشاءات والبناء، وبنيت مكاتب البريد والمستشفيات وغيرها، وصكت أول عملة أسترالية في 1814، وأنشئت الحكومات وحقق المستعمرون نفوذهم على مدار 200 عام من الصراعات وعدم الاستقرار مع استمرار التوسع وبسط السلطة في الأراضي الداخلية لأستراليا. كل ذلك على حساب السكان الأصليين لخدمة الأطماع الأوروبية في الاستعمار.