14-سبتمبر-2020

خلافات بين الأحزاب اللبنانية بشأن تشكيل الحكومة (رويترز)

الترا صوت – فريق التحرير 

كشفت مصادرة مطلعة من داخل قصر بعبدا مقر إقامة الرئيس اللبناني ميشال عون عن عدم إصدار مرسوم يوافق على التشكيلة الحكومية، التي كان من المتوقع أن يقدمها الرئيس المكلف بتشكيلها مصطفى أديب في وقت لاحق من الاثنين، وذلك بعدما كانت الأحاديث المتداولة تشير لتوافق أولي على تشكيلة أديب الحكومية تماشيًا مع الضغوط الفرنسية للإعلان عنها قبل نهاية الأسبوع الجاري.

لا يبدو أن الضغوط المكثفة لقصر الإليزية المرتبطة بدفع الأحزاب اللبنانية للإيفاء بوعود تشكيلهم حكومة جديدة بحلول نهاية الأسبوع الجاري قد تؤتي بنتائجها المطلوبة

وعلى عكس ما كان متوقعًا، لا يبدو أن الضغوط المكثفة لقصر الإليزية المرتبطة بدفع الأحزاب اللبنانية للإيفاء بوعود تشكيلهم حكومة جديدة بحلول نهاية الأسبوع الجاري قد تؤتي بنتائجها المرجوة، رغم الاتصالات المكثفة التي أجريت بين الإليزيه وزعماء الأحزاب اللبنانية، والتي كان آخرها اتصال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بزعيم حركة أمل ورئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، الذي شدد على أن تكون حقيبة وزارة المالية من نصيب ما يُعرف بـ"الثنائي الشيعي".

اقرأ/ي أيضًا: لإخفاء ملفات فساد.. اتهامات لمسؤولين لبنانيين بافتعال حريق المرفأ

ويعتبر بري أحد أبرز حلفاء حزب الله السياسيين في لبنان، ويشكلان معًا أكبر كتلة نيابية في مجلس النواب بما مجموعه 29 نائبًا من أصل 128 نائبًا، ووفقًا لما تداولته وسائل إعلام فإن بري أعرب عن قلقه من غياب المشاورات الخاصة بتشكيل الحكومة، إضافةً لما وصفه "الاستقواء بالخارج" في تشكيل الحكومة، في إشارة للضغوط الفرنسية الممارسة على الأحزاب السياسية المقربة من حزب الله لقبول تشكيل الحكومة.

وعززت الحركة تصريحات بري في بيان صادر عنها الأحد، أكدت في مضمونه على معارضتها  الأسلوب المتبع في تشكيل الحكومة، موضحةً في البيان أن "المشكلة ليست مع الفرنسيين المشكلة داخلية ومن الداخل"، وتابعت الحركة مضيفة أنه "أطلق عنوان واحد للحكومة الاختصاص مقابل عدم الولاء الحزبي وعدم الانتماء النيابي وفيتوات على وزارات والاستقواء بالخارج وعدم إطلاق مشاورات".

وأشارت الحركة في بيانها الصادر عن المكتب الإعلامي لبري إلى أنها أبلغت أديب بعدم رغبتها "بالمشاركة على هذه الأسس" في التشكيلة الحكومية الجديدة، قبل أن تضيف مستدركة بالقول إنها أبلغت أديب في مقابل ذلك استعدادها "للتعاون إلى أقصى الحدود في كل ما يلزم لاستقرار لبنان وماليته والقيام بالإصلاحات وإنقاذ اقتصاده".

وتحدثت مصادر سياسية عن أن الأسباب التي أدت لموقف بري المتشدد من تشكيلة الحكومة الجديدة، جاءت على خلفية العقوبات التي فرضتها واشنطن على القيادي البارز في حركة أمل ووزير المالية السابق علي حسن خليل، بالإضافة لوزير الأشغال العامة والنقل السابق والقيادي في تيار المردة يوسف فنيانوس، بسبب مساعدتهما حزب الله خلال فترة تولي منصبهما بتحقيق مكاسب مالية، وفيما تصنف واشنطن حزب الله ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، فإن باريس تنظر للحزب على أن له دور سياسي مشروع في لبنان.

وفي تطور مفاجئ على موقف الرئاسة من التشكيلة الحكومية الجديد، يبرز تحول موقف عون الذي كان يدور في إطار انتظاره الأسماء المكلفة في التشكيلة للتوقيع عليها إلى عدم الموافقة قبل الاطلاع عليها، فقد نقلت صحيفة الأخبار اللبنانية المقربة من حزب الله على لسان مصادر مطلعة في قصر بعبدا أن عون "لن يُصدر مرسوم تأليف الحكومة، بل سيدرس ما سيقدمه الرئيس المكلف أولاً، قبل اتخاذ القرار المناسب"، مرجعة السبب إلى أن الأسماء المرشحة للحقائب الوزارية توحي "بأنهم أشخاص مجهولون، وينبغي درس سيرهم الذاتية".

وبحكم الواقع بات من المؤكد أن الحركة والحزب المعروفين بـ"الثنائي الشيعي" يملكان موقفًا متشددًا من تسمية وزير للمالية "بالنيابة عنهما"، وفقًا لما ذكرت الصحيفة عينها في تقرير منفصل نقلًا عن مصادر مطلعة على قرار الثنائي الشيعي، موضحةً أن موقف الحليفين السياسيين أصبح أكثر تشددًا بعد شعورهما بأن "(الثنائي الشيعي) مستهدف هذه المرة بأكثر من السابق".

ومن السيناريوهات التي رجحتها الصحيفة نقلًا عن مصادرها المطلعة – والتي عادة ما تعكس موقف الثنائي الشيعي بشكل كبير في القضايا الداخلية – إما أن يرفض عون تشكيل الحكومة بذريعة عدم رغبته إلى جانب التيار الوطني الحر المشاركة في حكومة يرفضها الثنائي الشيعي، أو  الموافقة عليها ليصار تحويلها لمجلس النواب للتصويت عليها، وعندها يقوم الثنائي الشيعي بمقاطعة جلسة التصويت التي يدعو إليها بري.

وانضم صهر الرئيس اللبناني وزعيم التيار الوطني الحر جبران باسيل إلى موقف الثنائي الشيعي – يشكل الاثنان تحالفًا في مجلس النواب – مؤكدًا وجود أحزاب ساسية لبنانية "يستقووا ويفرضوا على كل اللبنانيين، باسم فرنسا، حكومةً ومشروعًا كاملًا من بعدها"، مضيفًا بأن الأحزاب السياسية "يريدون أن يكسروا دستورًا وتوازنات، ويقومون بالتذاكي والنكايات والمصالح الصغيرة بحجة إنجاح المبادرة الفرنسية".

إلى ذلك، أوضح باسيل في كلمة بُثت الأحد أن مشاركة التيار الذي أسسه الرئيس عون في "الحكومة ليست شرطًا لدعمها، لا بل أكثر من ذلك، لا رغبة لدينا بالمشاركة بالحكومة"، مضيفًا بأن "كثيرين يتحدثون معنا لضرورة مشاركتنا وأن الحكومة لا تشكل من دوننا"، قبل أن يربط الموافقة على التشكيلة الحكومية الجديدة بموافقة عون بقوله "نحن نجيب إن رئيس الجمهورية بتمثيله وميثاقيته يغطينا ويغطي الحكومة ويعوض عنا بهذه الظروف الاستثنائيّة".

وكانت موجة من الاحتجاجات الشعبية الغاضبة قد اجتاحت لبنان منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر 2020، تخللتها في أيام عديدة مواجهات عنيفة بين المحتجين وقوات الأمن، نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية، وتنامي الفساد. وتأججت الاحتجاجات في لبنان بشكل متزايد على خلفية الانفجار الضخم الذي ضرب مرفأ بيروت، مما أسفر عن دمار قرابة ثلث العاصمة اللبنانية، ومقتل ما لا يقل عن 190 شخصًا، وإصابة الآلاف، فضلًا عن تشريد ما يزيد عن 300 ألف لبناني فقدوا منازلهم بسبب  الانفجار المشار إليه.

كانت موجة من الاحتجاجات الشعبية الغاضبة قد اجتاحت لبنان منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر 2020، تخللتها في أيام عديدة مواجهات عنيفة بين المحتجين وقوات الأمن

كما شهد لبنان خلال الفترة الماضية تقديم سعد الحريري استقالته من رئاسة الحكومة اللبنانية نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وفي أعقاب ذلك توافق الثنائي الشيعي مع التيار الوطني على تسمية حسان دياب لتكليف حكومة جديدة، غير أن دياب أعلن عن استقالة حكومته في آب/أغسطس الماضي، تحت ضغوط من الثنائي عينه أرجعت تقارير أسبابها لدعوة دياب إلى إجراء انتخابات نيابية مبكرة بعد الاحتجاجات التي خرجت ردًا على انفجار مرفأ بيروت، مما قد يتسبب بفقدان الحركة والحزب لأكبر كتلة نيابية في مجلس النواب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 "كأنها مدينة بلا سماء".. شهادات عن بيروت في لحظات الانفجار