05-أغسطس-2020

استفاق اللبنانيون الأربعاء على خراب كبير (رويترز)

بعد ليل مأساوي ودموي لم تشهد له مثيلًا حتى في أعتى الحروب التي عرفتها، استفاقت بيروت المنكوبة صباح الأربعاء، واستفاق معها اللبنانيون، الذين لم ينم معظمهم، على مشهدية صادمة وموجعة. شمس الصباح أظهرت بيروت كمدينة أشباح تعرضت لزلزال مدمّر لتوّها. أعداد الجرحى فاقت القدرة الاستيعابية للمستشفيات وتمت معالجة مئات الحالات في الشارع وبمواد أولية، في ظل الحديث عن عشرات القتلى وآلاف الجرحى، فيما كان مصير عدد كبير من المواطنين مجهولًا، مع ترجيحات بارتفاع عدد الضحايا مع الوقت، بعد القيام برفع أنقاض المباني المهدّمة.

بعد ليل مأساوي ودموي لم تشهد له مثيلًا حتى في أعتى الحروب التي عرفتها، استفاقت بيروت المنكوبة صباح الأربعاء، واستفاق معها اللبنانيون، الذين لم ينم معظمهم، على مشهدية صادمة وموجعة

وفيما لفّ الغموض ملابسات وأسباب حدوث الانفجارين الذين طالا مرفأ بيروت في ظل تضارب الأنباء وتعدّد الروايات، وفيما وعد رئيس الحكومة حسان دياب المواطنين في خطاب متلفز بأن الحقيقة ستُكشف وبأن المسؤولين والمقصّرين سيلقون العقاب، يبدو أن اللبنانيين لا يملكون أي ثقة بالخطاب الرسمي، ويخشون أن يتم التحايل على القضية كما جرت العادة في كل المآسي السابقة التي أصابتهم.

اقرأ/ي أيضًا: مستشفيات بيروت تفقد قدرتها الاستيعابية ومخاوف من كارثة

وبالرغم من عشرات التفجيرات التي شهدها لبنان في السنوات الأخيرة، واستهدفت شخصيات سياسية وعسكرية أو تجمعات مدنية، فإن انفجار مرفأ بيروت يختلف عن كل ما سبق في الشكل وفي المضمون، وقد سُمع دويّه في عدد كبير من المناطق اللبنانية، بل أن عددًا من سكان جزيرة قبرص قالوا إن صوت الانفجار وصل إليهم. المصوّر الصحفي ابراهيم الجاويش قال إنه خلال 24 سنة من عمله في التصوير والتي شهد خلالها الكثير من الحروب، لم يرَ شيئًا مشابهًا لما رآه في الأشرفية (بيروت) بُعيد التفجير.

المرفأ معطّل والأمن الصحي والغذائي في خطر

بالإضافة إلى الخسائر البشرية، خلّف الانفجار أضرارًا مادية جسيمة في المباني والمؤسسات التجارية المحيطة بمنطقة المرفأ، إضافة للمنشآت الأثرية والمستشفيات ودور العبادة. وتعرّضت إهراءات القمح ومستودعات الأدوية المستعصية لأضرار بالغة قضت على جزء كبير منها، ما يشكّل تهديدًا جدّيًا للأمن الغذائي والصحي في الفترة القادمة، مع العلم أن مرفأ بيروت يعد العصب الأساسي في حركة الاستيراد والتصدير في لبنان. وقد تضرّرت بشكل كامل أو جزئي مئات السيارات التي تساقطت أنقاض الأبنية فوقها، فيما أدى عصف الانفجار ودويّه إلى تحطيم الزجاج في معظم مباني مدينة بيروت، ووصلت الأضرار إلى مباني تبعد أكثر من عشر كيلومترات عن موقع الانفجار.

أثناء إطفاء الحريق الناتج عن الانفجار (Wael Hamzeh/EPA-EFE)

يقيم في بيروت وضواحيها اليوم أكثر من مليوني نسمة، ويستطيع كل واحد منهم أن يخبر بروايته الخاصه لما حصل عصر الثلاثاء. يشعر كل واحد منهم بأنه نجا من الموت بأعجوبة، لأنه تأخّر خطوتين في المشي، أو لأنه خرج من الغرفة التي انهار زجاجها قبل دقيقتين. وقد وجد الآلاف أنفسهم بدون مأوى بسبب الأضرار الجسيمة التي لحقت بمنازلهم، فيما انتشرت تحذيرات على وسائل التواصل الاجتماعي من استنشاق الهواء بشكل مباشر في ظل انبعاث مواد كيميائية سامة من سحابة الدخان المهولة التي غطت سماء بيروت. وقد كان لافتًا في هذا المجال، إعلان مئات المواطنين من مختلف المناطق اللبنانية، ومن خلال مواقع التواصل عينها، عن تقديم منازلهم لأهل بيروت الذين تدمّرت منازلهم.

شهادات حية.. الموت يحيط بنا من كل جانب

 تواصل "ألترا صوت" مع عدد من المواطنين الذي عايشوا الانفجار، والذين تشابهت شهاداتهم إلى حد كبير، حيث وصفوا جميعًا ما جرى بالكابوس المخيف، وبأنهم لم يختبروا في السابق شعورًا قريبًا لما خبروه الثلاثاء. تقول "فرح" أنها كانت في أحد شوارع الغبيري في ضاحية بيروت الجنوبية لحظة حدوث الانفجار، وتروي حالات الهلع التي أصابت المواطنين في الشارع. وبعد تقصّي الحقيقة وتبيّن طبيعة الانفجار وموقعه، توجّهت فرح إلى منطقة الجميزة القريبة من المرفأ للاطمئنان على زملائها في العمل.

 تصف المشهد المرعب هناك، وتقول إنها شعرت بأن بيروت بلا سماء وبأن المباني كلها ستسقط في أية لحظة. زملاؤها في العمل أُصيب معظمهم بفعل تحطّم الزجاج. توجهت فرح إلى مستشفى الروم للبحث عن إحدى صديقاتها المفقودات. هناك، تقول، كانت الجثث تملأ المكان، وسيارات الإسعاف تتحرك في كل الاتجاهات، الموت في كل مكان. تقول فرح إن أحداث الثلاثاء ستترك آثارًا نفسية وجروحًا عميقة في نفوس الذين عايشوا اللحظة والساعات التي تلتها. تضيف: "لقد مات كل شيء في داخلنا، لقد قتلتنا هذه السلطة".

إجلاء المصابين بعد الانفجار (تويتر)

 من جهتها، تقول "سلام" التي تسكن مع والديها في منطقة برج أبو حيدر التي تبعد كيلو مترات قليلة عن الواجهة البحرية، إنها كانت تمارس الرياضة على آلة المشي على شرفة منزلها على الطابق الرابع، عندما دوّى الانفجار الأول الذي يشبه صوت الرعد، قبل أن يدوي الانفجار الثاني بعد عشر دقائق، والذي أسقطها أرضًا، وحطّم كل الزجاج في المنزل، وهشّم الأواني الزجاجية واللوحات المعلقة. وقد ظنّت مع عائلتها في البداية أن زلزالًا أصاب بيروت، قبل أن يتبيّنوا مع الوقت أن الدوي ناجم عن انفجار في بيروت، وقد رجحوا أن تكون أحد الشخصيات السياسية مستهدفة، خاصة في ظل الأزمة السياسية الدقيقة التي يعيشها لبنان، وعشية إصدار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان حكمها في قضية اغتيال رفيق الحريري. تقول إن ما حصل أعادها 15 سنة إلى الوراء، وتحديدًا إلى لحظة اغتيال الحريري، لكنها تؤكدّ أن الدوي اليوم كان أقوى بكثير وبشكل لا يقارن.

اقرأ/ي أيضًا: بيروت مدينة منكوبة: انفجار "رهيب"

من جهته، يصف "مصطفى" الذي يسكن في منطقة الشويفات لـ"ألترا صوت" تجربته، قائلًأ إنها المرة الأولى التي يعيش فيها هذا الشعور بالرغم من أن منزله يبعد 10 كيلومترات عن مكان الانفجار، وأنها المرة الأولى التي يشعر فيها بهذه الكمية من الحقد، الغضب، والرغبة في الانتقام. يقول مصطفى إن المبنى الذي يقطنه اهتز بسبب دوي الانفجار، وسقط زجاج النوافذ فيما كان طفلاه في المنزل، وقد ظنّ للوهلة الأولى أنها ضربة إسرائيلية، من ضمن سلسلة المناوشات الأخيرة مع حزب الله.

.يصف "مصطفى" الذي يسكن في منطقة الشويفات لـ"ألترا صوت" تجربته، قائلًأ إنها المرة الأولى التي يعيش فيها هذا الشعور بالرغم من أن منزله يبعد 10 كيلومترات عن مكان الانفجار

لا يجد مصطفى الكلمات المناسبة ليصف ما حدث، لكنه يؤكد أنه شعر للحظات بأن "سقوف منازلنا لم تعد آمنة، وبأننا مهدّدون بالموت في كل لحظة. فالسلطة لا تقيم أي اعتبار لأمننا ومصيرنا، وتترك أطنانًا من المواد القابلة للتفجير بين المناطق السكنية بدون أية إجراءات".