16-فبراير-2024
نازحون في رفح قرب الحدود المصرية (رويترز)

نازحون في رفح قرب الحدود المصرية (رويترز)

أظهرت صور التقطتها الأقمار الصناعية ومقاطع فيديو حصلت عليها وحللتها صحيفة "نيويورك تايمز"، قيام جرافات وآليات هندسية بتهيئة قطعة أرض كبيرة على الجانب المصري من الحدود مع قطاع غزة وإحاطتها بجدار خرساني، وسط معلومات عن قيام السلطات المصرية بتجهيز مساحة واسعة لاستقبال النازحين من رفح، مع زيادة المخاوف من هجوم إسرائيلي متوقع على المدينة الواقعة أقصى جنوب القطاع. 

ونشرت صحيفة "واشنطن بوست"، بدورها، مقاطع مصورة تُظهر شاحنات وجرافات تقوم بإزالة الأنقاض من قطعة أرض مستطيلة تبلغ مساحتها 13 كيلومترًا مربعًا متاخمة لحدود غزة، مع بناء جدار خرساني حول محيطها. وقامت الصحيفة الأمريكية بالتحقق من بعض المواد المصورة التي حصلت عليها، كما حصلت على صور أقمار صناعية تُظهر الانتهاء من تطهير مساحة تتجاوز 3 كيلومترات داخل تلك المنطقة، خلال الفترة ما بين 5 و14 شباط/فبراير الجاري.

وردًا على طلبها التعليق على الموضوع، أحال مسؤول مصري الصحيفة إلى بيان صدر الشهر الماضي عن رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، ضياء رشوان قال فيه إنّ: "مصر تتمتع بالسيادة الكاملة على أراضيها، ولها سيطرة كاملة على كامل حدودها الشمالية الشرقية، سواءً مع قطاع غزة أو مع إسرائيل".

المخيم الذي بدأت مصر بتجهيزه هو جزء من خطتها للتعامل مع احتمال عبور أعداد كبيرة من الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية في حال هجوم "إسرائيل" على رفح

وقال مسؤول مصري سابق للصحيفة إنه: "على الرغم من رفضها العلني قبول أي سيناريو يتم فيه دفع الفلسطينيين إلى مصر، فمن المرجح أن تقوم مصر بإعداد خطط طوارئ". وعن سؤالها حول ما إذا كان الجيش المصري سيطلق النار على الفلسطينيين في حال عبورهم الحدود نتيجة الهجوم الإسرائيلي على رفح، أجاب المسؤول بـ"لا"، وأضاف: "على أي حكومة مسؤولة أن تفكر، حسنًا، إذا كان لدينا السيناريو الأسوأ، فكيف سنتعامل معه؟".

ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين في القاهرة قولهم إن السلطات المصرية تقوم ببناء سور حول منطقة مساحتها 21 كيلومترًا مربعًا على الحدود مع قطاع غزة. وذكرت تلك المصادر أن المنطقة التي يحيط بها السور ستكون مهيأة لاستقبال 100 ألف شخص من النازحين المتواجدين في رفح. وتم تجهيز الخيام لكن لم يتم نقلها إلى المنطقة المذكورة.

وتخشى السلطات المصرية أن يدفع الهجوم الإسرائيلي على رفح إلى عبور طوفان بشري الحدود المصرية نحو سيناء. ولمواجهة ذلك، سعت السلطات المصرية إلى تعزيز الأمن على طول حدودها لإبعاد النازحين الفلسطينيين، وذلك عبر نشر الجنود والمركبات المدرعة وتعزيز الأسوار.  

وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن المخيم الجديد الضخم هو جزء من خطط الطوارئ، إذا تمكنت أعداد كبيرة من نازحي غزة من دخول الأراضي المصرية.

في المقابل، نفى محافظ منطقة شمال سيناء المصرية، أمس الخميس، التقارير الأولية عن بناء مخيم محتمل للاجئين للفلسطينيين، قائلًا إنّ: "النشاط في المنطقة كان جزءًا من محاولة لإعادة تهيئة المنازل التي دمرت خلال الحملة العسكرية المصرية السابقة ضد متطرفي الدولة الإسلامية في المنطقة".

بدورها، كشفت مصادر قبلية لصحيفة "العربي الجديد"، أن الآليات الهندسية التي بدأت أعمالًا هندسية مفاجئة في مدينة رفح المصرية تابعة لشركة "أبناء سيناء"، المملوكة لرجل الأعمال المصري المقرب من جهاز الاستخبارات العامة المصرية، إبراهيم العرجاني، وقد بدأت بالعمل منذ أيام عدة في تسوية مساحات واسعة من مدينة رفح، وذلك بحضور قوة عسكرية من  ميليشيات "فرسان الهيثم" التابعة لاتحاد قبائل سيناء الذي يقوده العرجاني.

هذا، وسادت حالة من القلق لدى أهالي محافظة شمال سيناء، تحديدًا المهجرين من مدينتي رفح والشيخ زويد، من مصير أراضيهم في ظل النشاط الميداني المسجل في المنطقة، والذي يبدو أنه يتقاطع مع المخططات الإسرائيلية بالتهجير القسري لمئات آلاف من سكان قطاع غزة نحو سيناء.

يذكر أن المنطقة التي تقوم الآليات المصرية بالعمل فيها، قام الجيش المصري قبل سنوات بإخلائها من سكانها الذين يقدر عددهم بعشرات الآلاف. 

من جانبه، قال الباحث في شؤون سيناء مهند صبري لصحيفة "العربي الجديد": إنّ "ما يحدث في رفح المصرية بالتوازي مع خط الحدود مع قطاع غزة، هو أمر سرّيته هي مصدر الشبهة فيه، ولكن كل المؤشرات تدل على الأقل على أن النظام المصري يقترب بشدة من بدء التعامل مع مرحلة تهجير الفلسطينيين، وذلك من خلال تهجيرهم من داخل قطاع غزة إلى منطقة محددة ومحاطة بسيادة أمنية داخل سيناء".

وأضاف: "خطة الإخلاء باتجاه سيناء تتماشى تمامًا مع وجهه النظر الدولية ووجهة النظر الأمريكية والأوروبية وأيضًا بعض التصريحات المصرية التي تقول إن عمليات رفح لا يجب أن تتم قبل إيجاد مكان آخر للمدنيين".

وتساءل الباحث صبري: "أين هو المكان الآخر؟ لا يوجد مكان على الخريطة ستقبل به إسرائيل، وقالت ذلك صراحة، غير خروجهم من قطاع غزة، ولا يوجد اتجاه للخروج من غزة سوى باتجاه سيناء، وتحديدًا رفح المصرية في منطقة محاطة بقوات الأمن المصرية".

وتابع: "كيف سيتطور هذا الوضع هو سؤال مفتوح، ولكن هذا الفعل في حد ذاته يمثل كارثة أمنية وعسكرية، وأيضًا على مستوى الرأي العام العربي والإسلامي وكذلك المصري، لأن من شأن هذا التهجير أن يعطي فرصة لإسرائيل لكي تستمر في سياساتها العسكرية الغاشمة ضد قطاع غزة".

على الجانب الإسرائيلي، نشر الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرنوت" صورة أولية لبناء جدار حول المنطقة التي يبدوا أنها ستستقبل النازحين الفلسطينيين من قطاع غزة. وبحسب الموقع العبري، يتوقع أنّ تستقبل المنطقة التي يتم تجهيزها ما لا يقل عن مليون ونص نازح فلسطيني، أي أولئك الذين تجمعوا في خيام قرب الحدود المصرية، إذا أجبرتهم القوات الإسرائيلية على ترك المنطقة خلال هجومها المتوقع على رفح.   

يُذكر أن منظمة حقوقية مصرية نشرت، أمس الخميس، مقاطع مصورة على حسابها في منصة "إكس" قالت إنّها: "لبناء منطقة أمنية عازلة محاطة بأسوار في مدينة رفح المصرية شرق سيناء".

وتحدثت مؤسسة "سيناء لحقوق الإنسان" عن أنّ: "الهدف من تشييد هذه المنطقة المعزولة في مدينة رفح المصرية هو استقبال لاجئين حال حدوث عملية نزوح جماعي من سكان القطاع"، وأشارت إلى أن المقاطع المصورة تظهر إزالة أنقاض منازل سكان المنطقة الأصليين التي دمرت خلال "الحرب على الإرهاب".

وكانت المؤسسة الحقوقية قد نشرت، الإثنين الماضي، مقاطع مصورة لما قالت إنّها "أعمال هندسية مجهولة" شرق سيناء، وجنوب مدينة رفح، مؤكدةً أنها رصدت تحركات لضباط تابعين لجهاز المخابرات الحربية وعناصر مسلحة من قبائل سيناء، وذلك بصحبة عدد كبير من المعدات والجرافات وعدد من المقاولين المحليين بالقرب من منطقة قوز أبو رعد جنوب مدينة رفح المصرية.

وكشفت مؤسسة "سيناء لحقوق الإنسان"، أنّ أعمال الهندسة بدأت في منطقة حدها الشمالي قرية الماسورة غربًا ونقطة على خط الحدود الدولية جنوب معبر رفح، بينما ينحصر حدها الجنوبي بين قرية جوز أبو رعد ونقطة على خط الحدود الدولية جنوب معبر كرم أبو سالم.

بينما كشف أحد المقاولين المحليين للمؤسسة الحقوقية أنّ هذه الأعمال تأتي في: "إطار البدء في تشييد خمسة تجمعات تنموية حصلت مجموعة العرجاني على عقد حكومي خاص بها عن طريق الأمر المباشر". وأضاف أنّ: "العرجاني اشترط على المقاولين المحليين تسليم المشاريع في وقت قياسي، لأن تكليفات رئاسة الجمهورية تقضي بأن الحد الأقصى لافتتاح المشروع بعد عام ونصف".

يُشار إلى أن موقع "الترا فلسطين"، نشر قبل أيام  صورًا لوضع السلطات المصرية سواتر وأسوار ترابية على الحدود مع قطاع غزة لتشديد الحراسة، مع تزايد التهديدات بشن الجيش الإسرائيلي عملية واسعة في منطقة رفح.