29-أغسطس-2017

مسرح القمر الخامس في مدينة معسكر

يبدو أنّ حالة التقشف المالي التي فرضها هبوط أسعار النفط في الجزائر، بما قلّص هوامش الدّعم الحكومي للقطاع الثقافي، بدأت تؤتي ثمارًا غير منتظرة، منها إنعاش روح المبادرة والاعتماد على النفس لدى النخبة المثقفة والجمعيات المستقلّة، من خلال اقتراح مبادرات وبرامج سرعان ما راحت تشكّل بديلًا للمبادرات والبرامج الثقافية والفنية الحكومية، التي تشهد انكماشًا ملحوظًا.

حالة التقشف المالي أنعشت روح المبادرة لدى النخب والجمعيات المستقلّة في الجزائر

من ذلك، إقدام "مسرح القمر الخامس" التابع لـ"جمعية الآداب والفنون"، في مدينة معسكر، 400 كيلومتر إلى الغرب من الجزائر العاصمة، والتي كانت عاصمة الأمير عبد القادر الجزائري، قبل نفيه من طرف فرنسا عام 1847، على إطلاق مقهى ثقافي، على غرار ما حدث في مدن وادي سوف وتيارت والأغواط.

اقرأ/ي أيضًا: منع مقهى أدبي يحرّك الشارع في الجزائر

يهدف المقهى، بحسب رئيس الجمعية الممثل محمد بن يحي، في حديث لـ"الترا صوت"، إلى ردم الهوّة بين المسرحيين والمبدعين في الفنون الأخرى، "انسجامًا مع أبوّة المسرح للفنون كلّها. إذ على المسرحي الحقيقي أن يكون عارفًا جيّدًا بالشّعر والسّرد والموسيقى والسّينما والنّحت والتشكيل والهندسة المعمارية والرّقص والتصوير، حتى يستطيع أن يبني خطابًا مسرحيًا متوازنًا وواعيًا بمنطلقاته وآفاقه".

يضيف: "إن المسرح مثل الإسفنجة التي تمتصّ كلّ السّوائل، ومن الجهل به وبروحه وآلياته أن يعتقد أحدنا أنه يستطيع أن ينجز عملًا مسرحيًا عميقًا بمعزل عن الاستفادة من تجارب الشركاء في الحقول الفنية الأخرى، إلا إذا كان يتحدّث عن التهريج لا عن المسرح". ويبدي بن يحي قلقه ممّا أسماه القطائع السلبية بين الفنانين الجزائريين، كأنهم يعيشون في جزر متباعدة، "ما معنى ألا يحضر الكاتب إلى العروض المسرحية، في مقابل عدم قراءة المسرحي لنصوصه؟ أليست هذه أمية فنية علينا أن نعمل على وضع حدّ لها عوض ممارسة النميمة في المقاهي ومواقع التواصل الاجتماعي؟".

من هنا، يقول المسرحي عبد الإله بن مولاي، بادرنا إلى بعث المقهى الثقافي، حتى نضع أنفسنا أمام رهان الحوار الفني بين منتجي الفنون المختلفة من جهة، وبينهم وبين متلقّيها من جهة ثانية، "يدهشني كثيرًا أن الكتاب والموسيقيين والسينمائيين والمسرحيين والرسامين والإعلاميين الجزائريين كانوا يلتقون في المقاهي الشعبية، في كل المدن الجزائرية، خلال الفترة الاستعمارية وبعد العقود الثلاثة التي تلت الاستقلال الوطني، فيتبادلون الأفكار والرؤى ويختلفون فيها ويتكاملون، فتطلع مشاريعهم عميقة وواعية، بينما عجزنا عن فعل ذلك اليوم، في ظلّ توفّر كلّ إمكانياته.

ما معنى ألا يحضر الكاتب إلى العروض المسرحية، في مقابل عدم قراءة المسرحي لنصوصه؟

لقد لمسنا، يضيف بن مولاي، من خلال العددين الأوّلين من المقهى، الذي لم يتلقّ أي دعم من المؤسسات الحكومية، فهو مبادرة صرف للشباب المهموم بالفعل الثقافي في المدينة، أن هناك استعدادًا لدى جميع الحقول الإبداعية للانخراط في هذا المسعى، "فقط يحتاج الأمر إلى مبادرة تجمع الشمل وتذكي شرارة النشاط".

اقرأ/ي أيضًا: مقهى دار النقادي الأدبي.. انبعاث الرّوح الجزائرية

في هذا السّياق، يقول الممثل نصر الدين شرقي إن آخر نشاط للمقهى الثقافي كان أمسية ضمّت خمسة شعراء في القصيدة المحكية المعروفة محلّيًا بالشعر الشعبي، "كيف يستطيع المسرحي أن يجسّد روح الكلمة إذا لم يكن قادرًا على أن يتذوّقها؟ وليس هناك فن يمكّنه من تذوّق الكلمة ويدرك روحها مثل الشعر، لذلك سنعمل في المقهى على أن نستضيف كثيرًا من الحساسيات الشعرية لمساعدة المسرحيين الشباب على تحقيق هذا الهدف". يختم: "علينا تكوين أنفسنا بأنفسنا، في ظلّ استقالة المؤسسات الثقافية الحكومية من توفير الفرص الخاصّة بذلك".

اقرأ/ي أيضًا:

مقهى فلسفي في الجزائر.. عرس الأسئلة

صفاقس.. مقهى من أجل الفلسفة