24-فبراير-2024
مفهوم الجودة الشاملة للعمل

مفهوم إدارة الجودة الشاملة

إدارة الجودة الشاملة، كمفهوم شامل ومتكامل، تعد أكثر من مجرد مجموعة من الأساليب والتقنيات، إنها ثقافة وفلسفة تهدف إلى تحقيق الإتقان في كل عملية ومنتج. وفي هذا المقال سنجيب عن سؤالين يطرحان نفسهما بقوة، ألا وهما؛ ما هي الجودة؟ وماذا تعني الجودة الشاملة؟

 

تعريف الجودة الشاملة

على الرغم من كتابة الكثير من الباحثين، وعلماء الجودة الأوائل؛ أمثال شوهارت، وديمنج، وجوران، وكروسبي، وغيرهم عن إدارة الجودة الشاملة، لكن لا يوجد تعريف محدد متفق عليه وحاز قبولًا عامًا لدى المفكرين والباحثين، ويرجع السبب في ذلك إلى أن كل تعريف اقتصر على إبراز خاصية معينة للجودة.

وقد ذكر د. ديمينج في كتابه الخروج من الأزمة (Out of the Crisis) أن إحدى المجلات الفرنسية اتصلت به، طالبةً منه وضع تعريف محدد لإدارة الجودة الشاملة؛ كونه صاحب هذا المفهوم، وباعتباره الأب الروحي للجودة، لكن كان جوابه بأنه لا يعرف المقصود بإدارة الجودة الشاملة. حيث أنه أراد بذلك توضيح أن هذا المفهوم يتطور كثيرًا، وله دلالات متعددة.

وبحسب تقرير نشره موقع Investopedia فإن الجودة الشاملة هي عملية مراقبة وتوجيه جميع العمليات والواجبات اللازمة لضمان الوصول إلى درجة عالية من الجودة المطلوبة. ويتضمن هذا وضع سياسات للجودة، بالإضافة إلى تطوير وتطبيق استراتيجيات لضمان الجودة وإجراءات الرقابة والارتقاء بها.  وتركز  الجودة الشاملة على تحقيق الأهداف طويلة المدى من خلال تنفيذ مبادرات قصيرة الأجل.

وفي جوهرها، تعتبر الجودة الشاملة فلسفة عمل تدعم الفكرة القائلة بأن نجاح الشركة على المدى الطويل يأتي من رضا العملاء وولائهم. وتتطلب الجودة الشاملة أن يعمل جميع العاملين معًا لتحسين العمليات والمنتجات والخدمات وثقافة الشركة نفسها.

إدارة الجودة الشاملة هي نظام متكامل يسعى إلى توظيف جميع الطاقات لرفع الجودة في العمليات الإدارية والمنتج النهائي لتحقيق رضا العميل

 

عناصر الجودة الشاملة

يتضح من مفهوم إدارة الجودة الشاملة أنه يحتوي على ثلاثة عناصر رئيسية؛ هي الإدارة، والجودة، والشمول.

  1. الشمول:

تشير الشمولية في إدارة الجودة الشاملة إلى ضرورة إشراك جميع الموظفين في العملية الإدارية وفي جهود تحسين الجودة. حيث إن هذا الإشراك يعني أن كل فرد، من الإدارة العليا إلى العاملين على الخطوط الأمامية، يلعب دورًا نشطًا في تحديد المشكلات وحلها، وفي تطبيق استراتيجيات الجودة. والفكرة هي أن تحسين الجودة ليس مسؤولية قسم معين (مثل قسم الجودة) بل هو مسؤولية جماعية تشمل كل فرد في المنظمة.

  1. الجودة:

الجودة، كما هو موضح، لا تعني فقط الجوانب التقنية للمنتج أو الخدمة، بل تشمل أيضًا العنصر البشري والتفاعل مع العميل. حيث إن التحسين المستمر للجودة يعني البحث الدائم عن طرق لتحسين كل جانب من جوانب العمل، من التصميم والإنتاج إلى التسليم والخدمة بعد البيع. والهدف هو تحقيق التميز وتلبية احتياجات العملاء وتجاوز توقعاتهم.

  1. الإدارة

تعتبر الإدارة في إطار إدارة الجودة الشاملة عنصرًا حيويًا يشمل استخدام مهارات ووظائف الإدارة الأساسية بطريقة تعزز الجودة وتحقق أهداف المنظمة. وهذا يعني التخطيط الفعال، والتنظيم الدقيق، والتوجيه الإيجابي، والرقابة الصارمة، مع التركيز دائمًا على تحسين الجودة في كل خطوة. والإدارة هنا لا تعمل فقط على تحقيق الأهداف الراهنة بل وأيضًا على تحديد فرص التحسين المستقبلية وتنفيذ الإستراتيجيات اللازمة لاستغلال هذه الفرص.

ويمكن أن نخلص إلى أن إدارة الجودة الشاملة هي عبارة عن نظام متكامل يسعى إلى توظيف جميع الطاقات والأنشطة لرفع الجودة في العمليات الإدارية والمنتج النهائي لتحقيق رضا عالٍ للعميل، وإشباع رغباته.

 

الجودة من منظور إسلامي

على الرغم من اعتبار ظهور علم الجودة حديثًا نسبيًا، إلا أن الدين الإسلامي لم يغفل عن الجودة؛ حيث يعتبر إتقان العمل والاهتمام بجودته؛ أساسًا مهمًا من أسس ديننا الإسلامي الحنيف. وتتلخص كل معاني الجودة ومفرداتها ومقصدها إلى كلمة واحدة؛ ألا وهي الإحسان.

فقد أمر الله سبحانه وتعالى بتحسين العمل؛ فقال تعالى: "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ" [الملك: 2]. وكذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على إتقان العمل وتحسينه، من خلال أداءه على أفضل وجه، فقال: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء" [صحيح مسلم 1/ 93].

ومن المفاهيم الإسلامية التي تتلاقى مع مفاهيم الجودة الشاملة: الإحسان، والإصلاح، والإتقان، والشورى، والأمر بالمعرف والنهي عن المنكر، والإخلاص في العمل، والعلم، والحكمة، واستغلال الوقت، والقدوة، والتعاون، المسؤولية.

إدارة الجودة الشاملة
الجودة الشاملة هي عملية مراقبة وتوجيه جميع العمليات اللازمة للوصول إلى درجة عالية من الجودة المطلوبة

 

مفاهيم الجودة الشاملة

حين التحدث عن تعريف الجودة الشاملة لا بد للتطرق إلى مفاهيم الجودة، والتي تركز على تحقيقها في المنتجات سواء كانت سلع أو خدمات. وإليك بعض هذه المفاهيم؛ كالتالي:

  1. الرقابة على الجودة

بدأ الاهتمام بالرقابة على الجودة من خلال الإشراف على المهارات، وتحديد المواصفات المنشورة عن الجودة، ثمّ تطورت النظم ليتم فحص الجودة آليًا بدلًا من الاعتماد على العامل البشري، وهذا بدوره أدى إلى سرعة ودقة الفحص، كما تمّ استخدام الأساليب الإحصائية وخرائط الرقابة على الجودة التي ابتكرها شورهات عام 1942م لمتابعة عمليات الإنتاج.

  1. توكيد الجودة

ظهر هذا المفهوم لضمان قدرة المنتجات سواء كانت سلعًا أو خدمات على إشباع حاجة العملاء، ويشمل فحص الجودة والرقابة عليها وصولًا إلى إشباع احتياج العملاء، ويتسم مفهوم توكيد الجودة على منع حدوث رداءة الجودة من الأساس. كما يشير إلى الأنشطة المصاحبة لضمان مواصفات جودة المنتجات والخدمات.

  1. إدارة الجودة

هي عبارة عن مجموعة من الأنشطة تعمل على تحقيق وتوكيد الجودة، وذلك من خلال تطوير مواصفات وخصائص المنتج أو الخدمة، وتخطيط العمليات، وتدريب العاملين، ونشر ثقافة الجودة، وفهم استراتيجيات الجودة لدى المنافسين. ويمكن حصر إدارة الجودة في ثلاث عمليات رئيسية؛ هي: تخطيط الجودة، والرقابة عليها، وتحسينها.

  1. دوائر الجودة

يقوم مفهوم دوائر الجودة بشكل أساسي على إدراك العاملين للجودة وأهميتها، والمساهمة في التطوير من خلال وضع المقترحات لحل المشكلات التي تواجه تطوير الجودة في المنظمات، وذلك من خلال تشكيل مجموعات من العاملين لا تقل عن 4 ولا تزيد عن 12، ويكون لهم اجتماعات رسمية وغير رسمية لمناقشة وحل المشكلات.

  1. نشر وظيفة الجودة

هي عبارة عن تحويل رغبات العميل النهائي إلى تصميم وبناء الجودة، لنشر وظائف الجودة وطرق تصميمها في كافة النظم ومكونات المنتج، وذلك من أجل تحديد عناصر العملية الإنتاجية بدقة. وتختلف أداة نشر وظيفة الجودة عن نظام الجودة التقليدي؛ فالنظام التقليدي يهدف إلى الحد من الجودة الرديئة، وهذا يعتبر غير كافٍ، حيث يجب على المؤسسات رفع جودتها الموجبة، بحيث تطور المنتج أو الخدمة لتكون أكثر ملاءمة أو سهلة الاستعمال، وهذا بدوره يؤدي إلى رضا الزيون وإشباع حاجاته.

 

 

أنواع الجودة الشاملة

يمكن تصنيف الجودة بطرق مختلفة، اعتمادًا على السياق والمعايير المستخدمة لتقييمها. وعمومًا يمكن تقسيم الجودة إلى عدة أنواع، إليك بعض أنواع الجودة الشاملة كالتالي:

  • جودة المنتج: تتعلق بالميزات والخصائص التي تحمل في طياتها القدرة على تلبية الاحتياجات المعلنة أو المفترضة. ويتم قياس هذا النوع من الجودة غالبًا بعوامل مثل الدوام والموثوقية والأداء.
  • جودة الخدمة: تشير إلى تقييم مدى جودة الخدمة المقدمة بما يتوافق مع توقعات العميل. وتشمل أبعاد جودة الخدمة الملموسات والموثوقية والاستجابة والضمان والتعاطف.
  • جودة العملية: تتضمن كفاءة وفعالية العمليات المستخدمة لتصميم وإنشاء وتقديم المنتجات أو الخدمات. وتركز جودة العملية على تقليل العيوب وخفض الهدر وتحقيق تدفقات عمليات سلسة.
  • جودة المطابقة: تقيس مدى جودة منتج أو خدمة ما في مطابقته للمواصفات المحددة. وتتعلق بقدرة المنتج أو الخدمة على تلبية معايير التصميم والتطوير.
  • جودة الأداء: تقيم مدى جودة أداء المنتج لوظائفه المقصودة تحت ظروف محددة على مر الزمن.
  • جودة الموثوقية: تهتم باحتمالية أداء المنتج دون فشل خلال فترة محددة تحت ظروف موصوفة.

 

في ختام المقال؛ ندرك أن معنى الجودة ومفهومها الشامل يتجاوزان حدود تحسين المنتجات والخدمات، ليشملا جوهر العمليات والسلوكيات في كل مرافق الحياة. حيث إن السؤالان: ما هي الجودة؟ وماذا تعني الجودة الشاملة؟ يتحولان من مجرد استفسارات إلى رؤية شاملة تعيد تشكيل طريقة تفكيرنا وعملنا نحو الإتقان. حيث إن الالتزام برؤية الجودة الشاملة يمهد الطريق لتحقيق أعلى مستويات التميز والكفاءة، مما يضمن استمرارية النجاح وتحقيق أعلى درجات الرضا للمستفيدين في الأمد البعيد.