22-أبريل-2019

طالب المحتجون المغاربة بإطلاق سراح معتقلي الريف (تويتر)

لم تخب آمال المتضامنين مع قضية معتقلي حراك الريف في المغرب. فبعد مرور أسبوعين على النطق بالأحكام الاستئنافية في الملف، والتي أيدت الأحكام الابتدائية، خرج صباح الأحد، الآلاف من المحتجين في مسيرة حاشدة سار فيها اليساري إلى جانب الإسلامي، حاملين شعارًا واحدًا: "أطلقوا سراح الشباب".

الحرية ولا شيء غيرها، مطلب رفعه المشاركون في مسيرة اختار لها المنظمون اسم "الحرية للوطن"، انطلقت من أمام البرلمان المغربي مطالبة بالإفراج عن معتقلي الريف

كان الصوت متحدًا والصف متراصًا. الآلاف من المغاربة حجوا من مدن مختلفة. لبوا نداء موعدٍ عُبئ له من طرف مجموعة من الأحزاب اليسارية والمنظمات الحقوقية، وأيضًا جماعة العدل والإحسان المعارضة التي نزلت بثقلها، بالإضافة إلى عائلات المعتقلين التي تقدمت المسيرة بصور أبناءٍ زُج بهم في غياهب السجون، فقط لأنهم رفعوا شعار "حرية كرامة عدالة اجتماعية".

تعود فصول قضية معتقلي حراك الريف في المغرب إلى صيف 2017 القائض، حين خرج مجموعة من شباب مدينة الحسيمة ونواحيها في مسيرات احتجاجية يطالبون ببناء مستشفيات وجامعات ومراكز لعلاج مرضى السرطان الذين يرتفع عددهم في منطقة الريف بسبب الآثار التي خلفها القصف الكيماوي للاستعمار الإسباني في المنطقة.

اقرأ/ي أيضًا: حراك الريف.. انتهاكات الأمن مستمرة بتعذيب المعتقلين داخل السجون

اعتقلت السلطات المئات من الشباب الذين عُرضوا على محاكم الريف، وصدرت في حقهم أحكام بالسجن لمئات السنين. في حين تم ترحيل 53 معتقلًا إلى مدينة الدار البيضاء، وحوكموا في 94 جلسة ابتدائية لم تصحح مثيلاتها الاستئنافية مسار القضية، فكان صوت القضاء صادمًا؛ تأييد الأحكام. والتهمة "المس بسلامة الدولة".

الحرية للوطن

لم تمنع حالة الطقس الماطرة أن يتقاطر على مدينة الرباط المشاركون في المسيرة، فما كان أمام السلطات، سوى غلق منافذ الطرق المؤدية للمدينة، وتطويق مبنى البرلمان، بالإضافة إلى إخلاء الشوارع الرئيسية من السيارات، وإنزال أمني مكثف حتى لا "تزيغ المسيرة" عما كان مقررًا لها.

الحرية ولا شيء غيرها، مطلب رفعه المشاركون في مسيرة اختار لها المنظمون اسم "الحرية للوطن"، انطلقت من أمام البرلمان المغربي، وسارت في أهم شارع وانتهت بقراءة أحمد الزفزافي، والد ناصر الزفزافي، القائد الميداني لحراك الريف، والمدان بـ20 سنة سجنًا نافذًا، لرسالة نقلها من المعتقلين ودعوة لتنظيم مسيرة أخرى في مدينة الحسيمة في الأسابيع المقبلة، تزامنًا مع معركة الأمعاء الخاوية التي يخوضها المعتقلون.

من المظاهرة (ألترا صوت)

اعتبر والد ناصر الزفزافي في كلمته أن مسيرة الأحد هي استفتاء شعبي حول قضية الريف، الذي عانى من عدة محن منذ مئات السنين، أولها القصف الكيماوي، وقرار العسكرة المفروض على المنطقة وأخيرًا محنة الحراك، التي تحولت من مسيرات سلمية إلى معاناة أسر تذوقت مرارة الفقد والتجوال بين السجون لزيارة أبناء رُمي بها وراء القضبان.

لم تكن كلمة أحمد الزفزافي واحدة، فصوت شجن الأمهات أتى من وراء لافتات زُينت بصور أبنائهم، وبدموع وثقها زمن يشهد على فصول محنة الريف. كانت كلمتهن جامعة؛ أبناؤنا ليسوا قتلة، إنهم أبناء هذا الوطن. لا تقسوا عليهم فـ20 سنة ليست سهلة. اجمعوا شتاتنا وأعيدونا لمدينتها وجبالنا، أعيدوا لنا الشباب.

مظاهر الاحتجاج لم تكن تقليدية، إذ التجأ عدد من المشاركين في المسيرة إلى خياطة أفواههم بطريقية شكلية، محاكاة للخطوة التي أقدم عليها المعتقل ناصر الزفزافي، بعد النطق عليه بالحكم الاستئنافي، إذ التجأ إلى خياطة فمه باستعمال الإبرة، بعدها أعلن دخوله في إضراب عن الطعام مستمر إلى الآن.

أيضًا، شاركت في المسيرة أسماء حقوقية بارزة على رأسها خديجة الرياضي، والأمينة العامة لحزب الاشتراكي الموحد، نبيلة منيب، في حين غابت الأحزاب السياسية الكبرى، سواء التي في الأغلبية أو المعارضة.

أطلقوا سراح الشباب

بعد انتهاء المسيرة الحاشدة، عقدت عائلات معتقلي الحراك ندوة صحفية، ترأسها أحمد الزفزافي، وألقى كلمة باسم جميع العائلات قال فيها إن مطلب الأسر موحد ويتلخص في جملة بسيطة سيرفعها الأهالي إلى حين معانقة أبنائهم للحرية: "أطلقوا سراح الشباب".

وقال الزفزافي الأب إن "الكلام عن مآسي الريف يحتاج إلى موسوعة تاريخية، والريف سيبقى يعاني لأن ما يقع لأبنائه يُظهر أن هؤلاء الناس صدوا الأبواب في وجوه أبناء المنطقة مذكرًا بأن حراك الريف انطلق بعد مقتل محسن فكري، بائع السمك بطريقة تراجيدية داخل شاحنة للنفايات في تشرين الأول/أكتوبر 2016، بشكل حضاري راق جدًا وأصبح مدرسة في السلمية، لكن الدولة شاءت غير ذلك، فتدخلت، واعتقلت، ووزعت على أسوأ سجون.

نقلت كلمة والد قائد الحراك وضع المعتقلين، مبينًا أن عددًا منهم من أقسم أن لا يخرج إلا في نعش، ومنهم من يتقيأ دمًا، وابنه يعاني من مرض على مستوى رجليه قد تكون نتيجته الششل النصفي، مضيفًا: "اليوم نطلب من المتواجدين حاليًا في مراكز صنع القرار أن يتعقلوا لأن هؤلاء من خيرة أبناء الوطن".

اقرأ/ي أيضًا: حراك الريف المغربي.. وأزمة العقل السياسي المخزني 

من جهته، طالب أحمد الهايج، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بإيجاد حل سياسي لقضية معتقلي حراك الريف، الرهان لم يعد موضوعًا على القضاء، بل أصبحت أعلى سلطة في البلاد مطالبة بالتدخل، في إشارة إلى انتظار عفو ملكي ينهى الأزمة.

طالب المحتجون بالإفراج الفوري عن معتقلي الريف (ألترا صوت)

يعتبر العفو الملكي حقًا سياديًا مخولًا للملك محمد السادس ينص عليه الفصل 58 من الدستور المغربي، ويمكن من خلاله أن يُمتع الملك المساجين بحريتهم في مناسبات دينية ووطنية، الأمر الذي يطالب به المتضامنون مع حراك الريف، إذ اقترح الممثل المغربي، محمد الشوبي، توقيع عريضة وتوجيهها للملك بغرض العفو عن معتقلي الحراك.

ترحيل المعتقلين

وقبل أيام من المسيرة قررت المندوبية العامة للسجون وإعادة الإدماج، وهي المؤسسة المسيرة لسجون المملكة، توزيع المعتقلين في السجن المحلي في الدار البيضاء على مؤسسات سجنية في مدن مختلفة، بحجة تقريبهم من عائلاتهم، بعد صدور الأحكام الاستئنافية في حقهم.

وانتقدت عائلات المعتقلين، في الندوة الصحافية الخطوة التي  أقدمت عليها المندوبية العامة للسجون وإعادة الإدماج، معتبرين أن تشتيت المعتقلين هو تعذيب جديد للعائلات، التي قضت سنة ونصف في رحلة ذهاب وإياب بين الريف والدار البيضاء.

اعتبر والد قائد الحراك ناصر الزفزافي في كلمته أن مسيرة الأحد هي استفتاء شعبي حول قضية الريف، الذي عانى من عدة محن تاريخية ومنذ مئات السنين

بينما طالبت عائلات المعتقلين بتجميع أبنائها في سجن واحد بمدينة الناظور المجاورة للحسيمة والاستجابة لمطالبهم المتعلقة بحقوقهم داخل المعتقل لتوقيف إضرابهم عن الطعام.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"العياشة".. بلطجية المغرب الذين يهددون سلمية حراك الريف

من "كوميرا" إلى حراك الريف.. هذه انتفاضات الجوع بالمغرب