27-يوليو-2017

الفساد وغياب حلول التنمية خاصة في الأرياف يهدد المغرب بتعدد بـ"انتفاضات الجوع" (سبنسر بلات/ Getty)

قصة المغرب مع الجوع قصة مريرة، فقد عاش سكان البلاد منذ قرون حقبًا قاسية من المجاعات، خلقت ندوبًا عميقة في نفسية الإنسان المغربي، وشكلت الوعي الجمعي للمغاربة، حتى بات توفر "الخبز" يعني ضمان الاستقرار وغيابه مرادفاً للقمع والانفجار الاجتماعي، إذ كان تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية سببًا في اندلاع العديد من الانتفاضات الشعبية بعد الاستعمار، والتي كان آخرها "حراك الحسيمة" الجاري في شمال المملكة.

كان الدفاع عن حق التعليم الفتيل الذي أشعل انتفاضة 23 مارس 1965 في المغرب ثم تأجج الغضب الشعبي للمطالبة بالعيش الكريم

اقرأ/ي أيضًا: أكثر من مليون ونصف شاب مغربي.. قنابل موقوتة؟

1. انتفاضة 23 مارس 1965

مباشرة بعد الاستقلال دخل المغرب في متاهة سياسية، عرفت صراعًا بين القصر والحركة الوطنية حول السلطة، وفي الوقت نفسه كانت البلاد على حافة إفلاس اقتصادي، وتعم البطالة المدن فيما يغطي الفقر المدقع أكثر من ثلثي سكان البلد القاطنين في البوادي والقرى، مع تنامي نشاط الحركة التلمذية والطلابية بشكل متحمس نحو التغيير.

وسط هذا السياق المشحون، أصدر يوسف بلعباس وزير التربية الوطنية آنذاك، في آذار/ مارس 1965، مذكرة تقضي بحرمان كل تلميذ تجاوز سنه 17 سنة من التعليم الثانوي، وبالتالي طرد التلاميذ المعنيين بالقرار من السنة الثالثة من التعليم الإعدادي، أملًا في التخلص من عبء الإنفاق على التعليم، ولاعتبارات سياسية تروم إلى تقزيم نشاط الطلاب والمعلمين في المجال السياسي، الذي كان يشكل صداعًا مزمنًا للسلطة.

فكانت المذكرة الفتيل الذي أشعل الانتفاضة، فانطلقت المسيرات الطلابية بدءًا من يوم 22 آذار/ مارس 1965 في اتجاه مقرات الأكاديميات الجهوية دفاعًا عن حق التعليم، ليدخلوا في مواجهات مع القوات الأمنية، مما أجج الغضب الشعبي فالتحق الكثير من عامة المواطنين مطالبين بالشغل والعيش الكريم، حينها ستستنجد السلطات بالجيش لتملأ المدرعات ووحدات العسكر شوارع المدن الكبرى.

خلف التدخل العسكري حصيلة ثقيلة، وصلت إلى 1500 قتيل، كما يقول محمد الحبابي القيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي، وعشرات الجرحى، بالإضافة إلى اعتقال الآلاف من الطلاب وأولياء الأمور.

2. "انتفاضة الكوميرا" سنة 1981

رغم انطلاق المغرب في تجربة "هيئة الإنصاف والمصالحة" منذ 2004، لكن لا يعرف حتى الآن مصير الكثير من جثث شهداء الكوميرا

في اليوم العشرين من حزيران/ يونيو سنة 1981، سالت دماء غزيرة في شوارع الدار البيضاء، إذ نزلت دبابات الجيش إلى الشوارع مع قوات الأمن المسلحة وبدأت في إطلاق الرصاص على مئات المحتجين، الذين تظاهروا وسط المدينة ضد غلاء الأسعار، بعد إضراب عام شلّ حركة الاقتصاد، دعت إليه الكونفدرالية الديمقراطية للشغل.

كان المغرب في تلك الفترة يعيش احتقانًا اجتماعيًا خطيرًا بفعل الأوضاع الاقتصادية المزرية آنذاك، زاد من تأجيجيه خبر نشرته "وكالة المغرب العربي للأنباء"، يفيد بزيادة كبيرة في أسعار بعض المواد الاستهلاكية الأساسية، انضافت لزيادات سابقة، مست الحليب والدقيق والزبدة، مما دفع النقابات العمالية إلى تنظيم إضراب شامل، توقفت على إثره حركة المواصلات وأغلقت المحلات التجارية.

وبعد تطور المواجهات بين المحتجين ورجال الأمن في شوارع الدار البيضاء، لجأت السلطات إلى الاستعانة بالجيش المسلح، ليتم ارتكاب مجزرة شنيعة بحق المتظاهرين، وصل عددها حسب رواية السلطة إلى 60 قتيل، فيما تحدثت الهيئات الحقوقية عن ما يزيد عن 600 قتيل، بالإضافة إلى اعتقال آلاف الناشطين، الذين سيزج بالكثير منهم في السجن بعقوبات حبسية مديدة، وإغلاق عدد من الصحف التابعة لحزب الاتحاد الاشتراكي.

الانتفاضة التي وصف ضحاياها وزير الداخلية السابق إدريس البصري، بـ "شهداء الكوميرا" ساخرًا ممن قضوا في الأحداث، كناية على "شهداء الخبز"، ولا تزال تلك الواقعة إلى اليوم تثير الكثير من الجدل رغم أن المغرب شرع في تجربة "هيئة الإنصاف والمصالحة" منذ 2004، إذ لا يعرف حتى الآن مصير الكثير من جثث الضحايا في ذلك اليوم.

اقرأ/ي أيضًا: الفوسفات.. الثروة المهدورة في المغرب

3. "انتفاضة الخبز والكرامة" سنة 1984

لم تمر أربع سنوات على "انتفاضة كوميرا"، حتى شهد المغرب حراكًا احتجاجيًا داميًا آخر، ففي يوم 19 كانون الثاني/ يناير 1984، اندلعت مجموعة من المظاهرات الشعبية بعدد من المدن المغربية، خاصة في الناظور وتطوان ومراكش والقصر الكبير والحسيمة، بدأت هذه المظاهرات الحركة التلمذية في الثانويات والوداديات، وسرعان ما التحق بهم العمال والعاطلون وعموم المواطنين، ليتم مواجهتها بوحشية من قبل الأجهزة العسكرية.

قال رئيس الوزراء آنذاك محمد كريم العمراني يوم 25 كانون الثاني/ يناير سنة 1984، إن "عدد القتلى على المستوى الوطني هو 29 قتيلًا و 114 جريحًا، بينما قدّرت جريدة "El periódico de Catalunya " في عددها الصادر يوم 26 كانون الثاني/ يناير 1984، أن الحصيلة على المستوى الوطني يمكن أن تبلغ 400 قتيل.

وأعقب هذا التدخل العسكري العنيف حملة اعتقالات واسعة في صفوف المحتجين والمشتبه في نشاطاتهم السياسية، وفرض حظر التجوال في بعض المدن لمدة قرابة أسبوع كامل، شهدت تلك الأيام الكثير من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، التي لم يندمل جرحها إلى الآن.

وتفجرت هذه الأحداث نتيجة سياق أوضاع اقتصادية اجتماعية صعبة يعيشها المغرب آنذاك، حيث كان %16 يعيشون في المدن كثير منهم عاطل عن العمل، بينما البقية %84 من السكان كانوا يقطنون البوادي والقرى وهم لا يتوفرون على الحد الأدنى من الخدمات الصحية والتعليمية، ويفتقدون الماء والكهرباء والطرق، مع ارتفاع كبير في أسعار المواد الاستهلاكية، مثل السكر والزبدة والوقود، علاوة على رسوم زائدة للتسجيل في الباكالوريا والجامعات.

فعجزت السلطة عن معالجة هذه الوضعية الاقتصادية الشائكة، بعدما فرغت ميزانية الدولة بسبب الإنفاق الضخم على حرب الصحراء وانخفاض عائدات الفوسفات فضلاً عن صعود مديونية المغرب إلى قرابة المليار دولار، الشيء الذي أدى إلى انفجار اجتماعي، سمي بـ"انتفاضة الخبز والكرامة".

ورغم أن المغرب تصالح خلال العهد الجديد مع فترة ما سمي "سنوات الجمر والرصاص" بعد تدشين مسيرة "الإنصاف والمصالحة" سنة 2004، إلا أن الفساد وغياب حلول التنمية يتسبب في تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، مما يهدد البلد بـ"انتفاضات الجوع"، الجوع الذي كان سببًا في أحداث أليمة سابقة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تونس.. هل تتحقق انتفاضة العطشى؟

الزاوية الناصرية.. من حياة العز إلى الفقر والعوز