19-سبتمبر-2019

من مسلسل النخبة (IMDB)

يعد المسلسل الإسباني "النخبة" (Elite)، مسلسلًا بارزًا ضمن مجموعة أعمال متنوعة أطلقتها نتفليكس مؤخرًا، تستهدف فئات عمرية محددة مرتبطة أساسًا بطلاب المدارس الثانوية. وكما في الموسم الأول من المسلسل، حملت الحلقات الجديدة تصعيدًا دراميًا مليئًا بالغموض والمؤامرات، والبحث عن اكتشاف قاتل مارينا الحقيقي، أضافت عليه قصص الحب المبتكرة التي أدخلت مع طلاب جدد بدأوا فصلهم الدراسي الجديد في مدرسة لاس إنسيناس الثانوية أحداثًا تشويقية. في هذا المقال نستعرض قصة مسلسل "النخبة" وبعض أهم الثيمات التي يعرضها. 

قصة مسلسل النخبة.. مقدمة أولى عن دراما المراهقين

ينتهي الموسم الأول من النخبة باعتقال الشرطة الإسبانية لنانو شقيق الطالب الجديد صموئيل، والمتهم بقتل مارينا المنتمية لعائلة الثرية، بعد موسم صاخب بالأسرار، وعلاقات الحب بين مراهقي الطبقة الثرية في إسبانيا، رفع من تشويقها الدرامي حصول ثلاثة طلاب جدد على منحة من أسر عائلات محدودة الدخل، هم بالإضافة لصموئيل الذي يعمل مساءً في خدمة توصيل البيتزا، ناديا الفتاة المسلمة من عائلة فلسطينية، وكريستيان الصديق المقرب من نانو الذي كان قد أفرج عنه من السجن حديثًا.

يبني الأخوين واتشوسكي "الحاسة 8" على شرعية الاختلاف في عالمنا المعاصر، وتقبل الآخر لهذا الاختلاف مهما بلغت درجاته

في الموسم الأول، تتداخل قصص الحب مع تنمر طلاب الطبقة الثرية على الوافدين الجدد للمدرسة، تنشأ بين نانو ومارينا قصة حب بعد أن كانت أساسًا معجبة بشقيقه صموئيل، ويدخل كريستيان على حياة باولا وبولو العاطفية لينقذها من رتابتها فينخرط الثلاثة في علاقة حميمية، ويكشف عمر شقيق نادية عن مثليته بعلاقته العاطفية مع أندر، بينما تعجب ناديا بالشاب بغوزمان الذي تصبح علاقته مع لو متوترة.

في الموسم الثاني، يحاول صموئيل البحث عن القاتل الحقيقي لمارينا، ويخرج نانو من السجن بكفالة مالية؛ تنشأ قصة حب من طرف واحد بطلتها الوافدة الجديدة للمدرسة ريبيكا مع صموئيل، والتي تعمل والدتها بتجارة المخدرات، وتحصل ابنة مدبرة المنازل كايتانا على منحة دراسية في لاس إنسيناس، بسبب ذهاب كريستيان للعلاج في إسبانيا على نفقة والد باولا الذي حاول قتله حتى لا يكشف عن اسم قاتل مارينا الحقيقي، وتتطور العلاقة بين جوزمان وناديا لتأخذ طابعًا حميميًا بمساعدة ريبيكا التي تحفزها على الدخول بهذه العلاقة، ونكتشف أن فاليرو الأخ غير الشقيق لبولو لديه مشاعر حميمية لا يمكنه التخلي عنها.

يحمل "النخبة" في موسمه الثاني عنوانًا عريضًا هو: الكذب يربط بعضنا ببعض.. الكذب يمزقنا! لأن ديناميكية العلاقة التي كانت تربط الجميع تغيّرت رأسًا على عقب، يدخل صموئيل في علاقة حميمية مع باولا في محاولة لمعرفة قاتل مارينا الحقيقي، بينما تحاول ريبيكا كبح جماح مشاعرها، وتساعد صموئيل وناديا على الخروج من دوامة الانغلاق الاجتماعي التي تسيطر على حياتهم؛ تتشابك العلاقات بين الجميع ويدخل معها مخططات الانتقام بين الثنائيات العاطفية المنفصلة عن بعضها، وينتهي الموسم بعدم معرفة القاتل الحقيقي. في المشهد الأخير يعود بولو إلى المدرسة رغم أنه كان المتهم الرئيسي بعد نانو بقتل مارينا.

هذا هو التوجه العام للمسلسل الذي يتحدث عن فئة عمرية محددة من سن الـ15 حتى 18 عامًا، مع إدخال الصراعات الأسرية بين عوائل الطلاب الأثرياء، والفساد المالي الذي يسيّطر على حياة هذه الأسر، معظم أسر هؤلاء الطلاب منفصلين عن بعضهم أو يعانون من مشاكل خاصة بسبب طبيعة هذه الحياة بحسب ما يظهر صناع المحتوى للمتفرج، على عكس الطلاب الذين يعيشون حياة صاخبة مليئة بالسهر وحفلات Pool Party والملاهي الليلية.

الحاسة 8.. ما أرادت نتفليكس تقديمه للعالم الحديث

ما يدفع للكتابة عن قصة مسلسل "النخبة" أنه جاء في سياق مجموعة أعمال من ذات الفئة بدأت الشبكة الرقمية بإنتاجها بعد النجاح الذي حققه مسلسل "13 سبب لماذا؟" (13 Reasons Why)؛ لكن قبل هذا التوجه الذي بدأته الشبكة الأمريكية كانت قد أطلقت عام 2015 مسلسل "الحاسة 8" (Sense8) من موسمين، والذي قدّم رسالة نتفليكس للحياة الجديدة لمواجهة صعود اليمين العالمي سواء كان مسيحيًا إو إسلاميًا، ولربما كانت مشيئة قرننا الحالي صدق نبوءة الفرنسي أندريه مالرو حين قال القرن الماضي: "أخشى أن يكون القرن الحادي والعشرين دينيًا".

مسلسل "الحاسة 8" كان بمثابة رسالة من نتفليكس للحياة الجديدة في مواجهة صعود اليمين العالمي سواء كان مسيحيًا إو إسلاميًا

ولعل هذا ما نريد سوقه في حديثنا عمّا تريده نتفليكس في هذه الأعمال التي لا يمكن القول إنها تستهدف فئة عمرية محددة، على الأقل ذلك ما يخبرنا به موقع IMDB عند النظر للفئات العمرية التي اشتركت في تقييمها، على أن مقدمة هذه الأعمال – من وجهة نظر شخصية – يبقى "الحاسة 8" للأخوين لانا وأندي واتشوسكي أصحاب السلسلة الشهيرة "ذا ماتريكس"، وهو عمل مخصص للفئات العمرية ما فوق الـ18 عامًا.

اقرأ/ي أيضًا: الخوارزميات وبيانات المستخدمين.. أسلحة نتفليكس لزعزعة عرش هوليوود

يبني الأخوان واتشوسكي "الحاسة 8" على شرعية الاختلاف في عالمنا المعاصر، وتقبل الآخر لهذا الاختلاف مهما بلغت درجاته، بتقديم شخصيات متنوعة تقوم على فرضية تواجد الغرباء في مختلف أنحاء العالم، تستكشف هويتها الجنسية، والعرق واللون، مع علاقات جنسية متنوعة من المثلية إلى ثلاثية عاطفية ضمن إطار من الخيال العلمي في عالمنا الحديث.

 

الرسالة التي يراد إرسالها في هذا العمل ملخصها: "الحب يوحّدنا رغم جميع خلافاتنا"، وليس غريبًا أن يعبر متابعي المسلسل عن انزعاجهم بعدما أعلنت الشبكة الرقمية نهايته، الأمر الذي يوضحه نسبة عدد المصوتين على المسلسل على موقع IMDB، إذ صوت بنسبة 89.3 من 7 حتى 10، أما النسبة البقية فكان تصويتها من درجة 6 وما دون.

والأهم من ذلك أن "الحاسة 8" يدحض الشائعات المُثارة حول فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، قدمه من خلال ارتباط بين اثنين مصابين بالفيروس، وفي النخبة أيضًا تكون مارينا مصابة بالفيروس إلا أن ذلك لم يمنعها من إقامة علاقة حميمية مع نانو، ويستند هنا صناع المحتوى في العملين غالبًا على الدراسات الطبية التي أكّدت اكتشاف أقراص علاجية تقلل من كمية الفيروس إلى مستويات غير قابلة للكشف في الدم أولًا، وتُفند الشائعات التي تتحدث عن مفاهيم خاطئة بشأن نقل المصابين بالفيروس العدوى لشركائهم مبالغ بها ثانيًا.

أعمال أخرى

أدخلت لاحقًا الشبكة الرقمية ما استثمرته في الأخوين واتشوسكي لتقديم رسالتها حول العالم الجديد على أعمال طلاب المدارس الثانوية (المراهقين)، وقدّمت في هذا المحور مجموعة من الأعمال متنوعة الثقافات التي كان من بينها النخبة، وركّزت في طرحها على التعددية الجنسية والثقافية، وتقبّل الآخر مهما كانت درجة الاختلاف معه، أفكار اليسار الليبرالي الحديثة، معالجة قصص التنمّر، ولربما أرادت الإجابة على سؤال مهم في عالمنا المعاصر هو: كيف يفكر العالم اليوم؟

في الحلقات الأولى من مسلسل "المجتمع" (The Society) الذي أطلقته مؤخرًا، تقدم طرحًا لإدارة مجموعة من الشبان المراهقين حياتهم الاجتماعية بعيدًا عن عائلاتهم بعد أن وجدوا أنفسهم منعزلين في بلدتهم، يحاولون إنشاء مجتمعهم الاشتراكي الخاص بهم، يصارعون لتفوق الجماعة على الأنا الفردية، والسؤال الأهم هل ممكن إنشاء مجتمع مبني على اليوتيوبيا الاشتراكية أم أن هذا المجتمع محكوم عليه بالفشل؟

وتقدم في مسلسل "الثقيف الجنسي" (Sex Education) البريطاني عرضًا متميزًا بمحاولة الحديث عن أهم المشاكل الجنسية التي يعاني منها المراهقين، وما يدور في أذهانهم من أسئلة متنوعة عن الجنس، أسئلة تتمحور طبيعتها ماذا يريد الآخر من العلاقة الجنسية؟ هل يجب التظاهر بالوصول للنشوة الجنسية؟ أم يجب مصارحة الآخر ماذا أريد من العلاقة؟ ماذا تعني العلاقة الجنسية بالنسبة لنا في سن المراهقة؟ ولماذا علينا ألا نخاف منها؟ كل هذه الأسئلة، وغيرها الكثير من الأسئلة يتم طرحها في إطار كوميدي.

على أن النسخة الإيطالية "طفل" (Baby)، والعربية "جن" (Jinn) من نمط هذه الأعمال لم ترتقِ للمستوى الذي قدم بالنسخة الإسبانية والبريطانية والأمريكية، أو حتى النسخة الألمانية "كيف تبيع المخدرات أونلاين" (How to Sell Drugs Online). وفي الحديث عن النسخة العربية لا نتطرق للعمل من وجهة النظر التي هاجمت المسلسل بسبب المشاهد الحميمية التي أظهرت مع الأسف أننا لا نجيد التقبيل أو ممارسة الجنس في الأعمال الدرامية، وحتى الشتائم التي أدخلت على الحوار ليس معروفًا السبب وراء نكرانها مع أن الجميع يستخدمونها في حياتهم اليومية.

المشكلة في "جن" أن السيناريو كان مشتتًا ومرتبكًا، أظهر أن صناعه أرادوا الدخول إلى عالم الشبكة الرقمية بأي طريقة بغض النظر عن جودة المحتوى

المشكلة في "جن" أن السيناريو كان مشتتًا ومرتبكًا، أظهر أن صناعه أرادوا الدخول إلى عالم الشبكة الرقمية بأي طريقة بغض النظر عن جودة المحتوى، حتى حفلة Pool Party كانت خجولة جدًا، وأداء الممثلين كان أكثر من سيئ، كما أنها ابتعدت عن تقديم العلاقات العاطفية المثلية في النسخة العربية، وهذا يؤكد على أن صناع العمل تجنبوا ذلك حتى لا يثيروا حساسية المتفرج العربي أكثر من اللازم، لكن أليس الابتعاد عن تقديم مثل هذه العلاقات التي تظهر في معظم أعمال نتفليكس يعد سقوطًا للشبكة الأمريكية قبل صناع المسلسل؟ هذا السؤال بتطلب تفسيرًا لأنه يتناقض مع رسائل نتفليكس عن العالم الحديث.

اقرأ/ي أيضًا: مسلسل "بوجاك هورسمان".. الحياة عدمية وحسب!

أما بالنسبة لمسلسل "طفل" الإيطالي فكان أكثر تميزًا إلا أن السيناريو كان بطيئًا بحاجة لتفاعل أكثر حتى لا يشعر المتفرج بالملل، أما على جانب تقييم الأعمال على موقع IMDB، فقد حصل "جن" على أدنى تقييم 3.5، والمؤكد هنا أن المشاركين بالتقييم اعتمدوا على تقييمهم للعمل من وجهة نظر أخلاقية محافظة لا فنية، بينما حصل "التثقيف الجنسي" على أعلى درجة تقييم بنسبة 8.3، ونال "مخدرات أونلاين" تقييمًا بنتيجة 8، وبعده "النخبة" بنتيجة تقييم 7.5، أما "طفل" الإيطالي فكانت نتيجة تقييمه 6.8، علمًا أن درجة التقييم من أصل 10.