01-سبتمبر-2023
لبنان وقوات السلام الدولية

تمديد مهمة القوات الدولية جاء في الساعات الأخيرة من موعد انتهاء القرار السابق (ألترا صوت)

مدد مجلس الأمن الدولي مهمة عمل قوات حفظ السلام "اليونيفيل" في لبنان عامًا إضافيًا، وذلك بعد خلافات ومحاولة لبنان تعديل شكل عمل البعثة الدولية. ودعا المجلس في قراره الذي صدر أمس الخميس، جميع الأطراف إلى احترام التزاماتها الدولية، وذلك بعد تصويت 13 عضوًا لصالح قرار التمديد فيما امتنعت الصين وروسيا عن التصويت.

كما دعا قرار مجلس الأمن الحكومة اللبنانية إلى تسهيل وصول قوات "يونيفيل" الفوري والكامل للمواقع التي طلبتها. مؤكدًا في قراره أن قوات حفظ السلام "لا تحتاج تصريحًا أو إذنًا مسبقًا للقيام بمهامها، ويرخص لها بالعمل بشكل مستقل مع مواصلة التنسيق مع الحكومة اللبنانية". والخلاف دار تحديدًا حول هذه النقطة، إذ "ترفض الحكومة اللبنانية حرية تنقل اليونفيل دون تنسيق وإشعار مسبق"، مشيرةً إلى أن هذا الطلب يرتبط في الحفاظ على سلامة تلك القوات.

القرار بصيغته الحالية، أقرب للموقف والتصور الإسرائيلي عنه، من المطالب اللبنانية التي لم تدرج بشكلٍ كامل في صيغة التمديد الحالية

كما جدد القرار الأممي "التأكيد على ضرورة نشر الجيش اللبناني بشكل فعال ودائم وسريع في جنوب لبنان".

وحثّ في المقابل دولة الاحتلال الإسرائيلي "على التعجيل بسحب جيشها من شمال الغجر والمنطقة المجاورة شمال الخط الأزرق". وفي هذا السياق دان قرار مجلس الأمن "كل الانتهاكات على الخط الأزرق جوًا وبرًا"، داعيًا "كل الأطراف لاحترام التزاماتها الدولية"، وفق تعبيره.

اعتراض لبناني

وقالت مندوبة لبنان في مجلس الأمن جان مراد "إن القرار لم يعكس مشاغل لبنان بصورة كاملة، ولم يضع في الاعتبار خصوصية الواقع الحالي"، معتبرةً في مداخلتها خلال جلسة إقرار التمديد أن بلدها لبنان لم يرفض يومًا حرية حركة "اليونيفيل" لكنه يطالب بضوابط من أجل سلامة حركتها. مؤكدةً "التزام بلادها بتنفيذ القرار الدولي رقم 1701".

ويؤكد القرار الذي اعتمده المجلس أمس الخميس، حسب المندوبة الأمريكية بمجلس الأمن "حرية قوات يونيفيل في التنقل بشكل علني أو سري".

وفي الوقت الذي كان فيه مشروع القرار الفرنسي يأخذ بعين الاعتبار مطالب لبنان بالحد من حرية اليونيفيل كانت الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة ترى في مشروع القرار الفرنسي نقصًا وتقييدًا لعمل اليونيفيل.

ولذلك تأجلت جلسة إصدار قرار تمديد مهمة عمل اليونيفيل عن موعدها المحدد  بسبب "خلاف بين فرنسا والولايات المتحدة والإمارات حول حرية حركة قوات المنظمة الدولية".

getty

وفي هذا الصدد، قال مسؤول إماراتي لوكالة رويترز إنّ "حرية حركة اليونيفيل لها أهمية قصوى في الوقت الذي يتصاعد فيه التوتر في المنطقة إلى مستويات خطيرة".

وكانت الصياغة الفرنسية للقرار تنص على أنه "على قوات حفظ السلام التنسيق مع الحكومة اللبنانية، وحذفت النص الوارد في قرار مجلس الأمن العام الماضي الذي يطالب جميع الأطراف بالسماح بدوريات معلنة وغير معلنة لقوات يونيفيل".

وفي ظل الخلاف المحتدم في مجلس الأمن كان التوتر يتصاعد بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، إذ تعهد كل منهما بإعادة الآخر إلى "العصر الحجري" وهما يستعدان للتصعيد.

إسرائيل وراء التمديد

وقالت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، أمام مجلس الأمن الدولي، إن "القرار الذي تم تبنيه اليوم يتضمن لغة تؤكد بقوة على حرية الحركة الكاملة لليونيفيل وقدرتها على القيام بدوريات معلنة وغير معلنة".

وأضافت: "من الضروري أن يتم تنفيذ ذلك بالكامل وألا تواجه اليونيفيل عقبات غير مقبولة أمام تنفيذ مهمتها"، وتابعت قائلةً: "نحن نعلم أن اليونيفيل لم تتمكن من الوصول إلى مجموعة من مواقع [حزب الله] المثيرة للقلق عبر الخط الأزرق، بما في ذلك ميادين إطلاق النار غير القانونية، ومواقع خضراء بلا حدود، ومواقع إطلاق الصواريخ. مثل هذه القيود تعوق قدرة البعثة على تقليل احتمالات الصراع".

واستمرت المفاوضات بشأن النص حتى اللحظة الأخيرة، إذ تم التوصل إلى حل وسط، أقرب للموقف الإسرائيلي، جاء فيه أن قوات اليونيفيل "مصرح لها بإجراء عملياتها بشكل مستقل مع الاستمرار في التنسيق مع الحكومة اللبنانية"، وهي الفقرة الجديدة المضافة إلى نص القرار السابق بعد الطلب اللبناني.

وقالت السفيرة الإماراتية لانا زكي نسيبة، إن بلادها كانت تود رؤية لغة أوضح في تلك الفقرة. مضيفةً: "لا توجد طريقة لتفسيرها، بأنها تأخير أو تقوض أو تقييد لحرية حركة اليونيفيل أو قدرتها على التصرف بشكل مستقل".

وأشارت إلى الفقرة التي تليها مباشرة فيما يتعلق بقدرة اليونيفيل على القيام "بدوريات معلنة وغير معلنة" كضمان لضمان استقلالية بعثة حفظ السلام البالغ عددها 10500 جندي.

وقالت نسيبة إنه "للمرة الأولى، وبناء على طلب الإمارات، يتناول القرار حاجة قوات اليونيفيل إلى الوصول إلى ميادين الرماية غير المصرح بها".

وأضافت نسيبة، أنها كانت تود رؤية إشارات واضحة إلى العوائق المتزايدة التي تعيق حرية حركة اليونيفيل والتي تمنعها من الوصول إلى مواقع منظمة أخضر بلا حدود"، وهي منظمة بيئية فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات، وتشير إسرائيل لها باعتبارها واجهة لمراقبة الحدود.

ووصف سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان التصويت بأنه "انتصار كبير لإسرائيل"، وفق تعبيره. إذ تزامن مع حملة من قبل دولة الاحتلال من أجل تمديد القرار بصيغته الحالية، أو أقرب توافق عليه.

getty

ورغم ذلك، رحب رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي في تمديد عمل القوة الدولية، قائلًا: "قرار التمديد، لحظ بندًا أساسيًا طالب به لبنان ويتعلق بقيام اليونيفيل بعملها بالتنسيق مع الحكومة وفق اتفاقية المقر وهذا بحد ذاته يشكل عامل ارتياح"، مضيفًا: "يرحب لبنان بإصدار مجلس الأمن الدولي قرارًا بالتمديد لقوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان، بما يساهم في تعزيز الأمن والاستقرار".

واستبق الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله قرار مجلس الأمن بتلويحه بأنه سيكون "حبرًا على ورق"، خصوصًا إذا لم يؤخذ بالموقف اللبناني الرسمي الرافض لتحرك يونيفيل من دون إذن وتنسيق مع الجيش اللبناني. مشيرًا إلى تداعيات هذا القرار من حيث وقوع إشكالات مع أهالي بلدات جنوبية، وذلك على غرار ما حصل خلال الفترة الماضية، مثل مقتل الجندي الأيرلندي شون روني، وإصابة ثلاثة آخرين، في 14 كانون الأول/ديسمبر الماضي.

جهود أمريكية للتهدئة

وكشف موقع "أكسيوس" الأمريكي، قبل أيام، عن جهود تبذلها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، من أجل تهدئة التوترات بين دولة الاحتلال و"حزب الله"، ومنع تطورها إلى حرب على الحدود الشمالية، بحسب مصادر إسرائيلية أمريكية.

وأشار الموقع الأمريكي إلى أن، كبير مستشاري بايدن لشؤون الطاقة والبنية التحتية عاموس هوكشتاين، وصل إلى العاصمة اللبنانية بيروت، يوم الأربعاء، لإجراء محادثات مع كبار المسؤولين اللبنانيين. إذ كانت مهمة هوكشتاين الأساسية هي العمل على تهدئة التوترات على الحدود.

وتزامن التمديد زيارة الوسيط الأمريكي إلى لبنان، مع زيارة وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت إلى الولايات المتحدة الأمريكية، واللقاء مع الأمين العام للأمم المتحدة. بالإضافة إلى اللقاء مع بريت ماكجورك، كبير مستشاري بايدن لشؤون الشرق الأوسط، وباربرا ليف، كبيرة دبلوماسيي وزارة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، على مستوى الإدارة الأمريكية.

وخلال الزيارة، قال وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت في بيان، إنه التقى بالأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في نيويورك، وشدد على "الحاجة الملحة لتدخل الأمم المتحدة الفوري لتهدئة التوترات من خلال تعزيز سلطة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في المنطقة، وضمان حريتهم في التنقل وتنفيذ ولايتهم".

getty

وبعد اللقاءات التي عقدها وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت في نيويورك، قال سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان: "منذ عام 2006 لم نكن نقترب من حملة عسكرية على لبنان مثل هذه الفترة".

وتشير تقديرات عدة، إلى أن التوتر بين حزب الله وإسرائيل، في نقطة تُعدّ من الأعلى على مدى السنوات الماضية، مع تبادل للتصريحات بشكلٍ متكرر والتهديد بحرب مدمر، فيما ترى تحليلات إلى أنه لا يوجد رغبة لدى حزب الله أو دولة الاحتلال في اندلاع حرب خلال الفترة المقبلة.

مقدمة لترسيم الحدود البرية؟

وقال كبير مستشاري البيت الأبيض عاموس هوكشتاين، يوم الخميس، في ختام زيارة للبنان استمرت يومين إن الولايات المتحدة تستكشف إمكانية ترسيم الحدود البرية بين لبنان ودولة الاحتلال الإسرائيلي.

قال كبير مستشاري البيت الأبيض عاموس هوكشتاين، يوم الخميس، في ختام زيارة للبنان استمرت يومين إن الولايات المتحدة تستكشف إمكانية ترسيم الحدود البرية بين لبنان ودولة الاحتلال الإسرائيلي

وأضاف الوسيط في ترسيم الحدود البحرية: "الطبيعي النظر في هذه القضية بعد ترسيم الحدود البحرية بين البلدين في عام 2022"، وأشار إلى أنه زار جنوب لبنان خلال رحلته "لفهم ومعرفة المزيد حول ما هو مطلوب حتى يتمكن من تحقيق نتيجة محتملة".

يشار إلى أن مجلس الأمن كلف قوة اليونيفيل، تحت الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، بمساعدة الحكومة اللبنانية على فرض سيطرتها على جنوب لبنان ومنع تجدد الصراع هناك، تطبيقاً للقرار 1701، الذي اتُّخذ في 11 آب/أغسطس 2006 لإنهاء 33 يومًا من العدوان الإسرائيلي على لبنان. وتنتشر القوة الدولية، التي تعرف باسم "الخوذ الزرقاء" في أقصى جنوب البلاد، بين نهر الليطاني وما يسمى الخط الأزرق، الذي رسمته الأمم المتحدة في عام 2000 لتحديد خط انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، وأصبح الحد الفاصل بحكم الأمر الواقع بين دولة الاحتلال ولبنان منذ ذلك الحين.