31-يوليو-2023
gettyimages

تتصاعد التوترات في المنطقة الحدودية، بما يشي بإمكانية اندلاع مواجهة قد تطور إلى حرب واسعة (الترا صوت)

تشهد الحدود الشمالية بين فلسطين المحتلة ولبنان، وتوترات متصاعدة على مدار الأشهر الماضية، وتحديدًا منذ عملية مجدو في آذار/ مارس الماضي، وصولًا إلى محاولة دولة الاحتلال بناء جدار يحيط في قرية الغجر، ونصب حزب الله لمجموعة من الخيام، بالإضافة إلى مظاهرات ومناوشات مستمرة، تخللها رصد رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هليفي عند وصوله إلى المنطقة الحدودية.

وعلى مدار الأسابيع، الماضية تحدثت تقديرات إسرائيلية عن احتمالية تطور هذا التوتر إلى حرب أو مواجهة محدودة، وعلى هذه الخلفية نشطت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، بالعمل على إعداد خطة عسكرية للعمل في المنطقة الحدودية.

ووافقت الحكومة الإسرائيلية خلال اجتماع مصغر عقد، مساء أمس الأحد، على "توصيات وأساليب العمل التي اقترحها الجيش والأجهزة الأمنية"، للتعامل مع أنشطة حزب الله قرب المناطق الحدودية جنوب لبنان.

بعد نهاية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان ودولة الاحتلال، فإن التوترات تتصاعد على الحدود البحرية

توصيات أمنية

جرى ذلك خلال الاجتماع الذي شارك فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وزير الأمن يوآف غالانت، ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، كما حضره قادة الأجهزة الأمنية، بمن فيهم رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هليفي، ورئيس الموساد دافيد برنياع، ورئيس الشاباك رونين بار، ورئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي. وتناول الاجتماع الأوضاع الميدانية، والتطورات الجارية مع حزب الله اللبناني في المنطقة الحدودية جنوبي لبنان.

وفي الوقت الذي جرى فيه الاجتماع، انتشرت مقاطع مصورة لعناصر ملثمة قطعت السياج الذي أقامته قوة "اليونيفيل" في الأراضي اللبنانية، بالقرب من السياج الحدودي في منطقة قرية الغجر، ورفعوا أعلام حزب الله، وهذه هي المرة الأولى منذ عام 2006 التي تصل فيها مجموعات لبنانية إلى هذه المنطقة.

بودكاست مسموعة

لا توجه نحو التصعيد

وقالت مصادر مطلعة على تفاصيل الاجتماع  لصحيفة "يديعوت أحرنوت"، إن مسؤولين  كبار في المنظومة الأمنية قالوا خلال المناقشات، إنه "يجب الفصل بين الاستفزازات التي يقوم بها حزب الله على الحدود، مثل تخريب الكاميرات ونصب الخيام والمسيرات على طول السياج، والنشاطات الفعلية من قبل حزب الله، مثل الهجوم على مفترق مجدو".  

وأضافت المصادر أن مسؤولين أمنيين أكدوا  على "أن هناك حاجة للرد على الإجراءات الفعلية لحزب الله، إلا أن الرد على الاستفزازات قد يؤدي إلى تدهور الوضع بما يخالف مصلحة إسرائيل".

 وبحسب المصادر فإن خلاصة النقاش ذهبت إلى  أنه "لا داعي للمسارعة والمبادرة إلى المواجهة مع حزب الله".

عدم المبادرة يخلق وضعًا صعبًا

وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، كان هناك رأي داخل المؤسسة الأمنية  يعتقد أن الانتظار لفترة طويلة فيما يتعلق بوضع الخيمة التي نصبها حزب الله، يمكن أن يخلق وضعًا جديدًا في الميدان، وسيكون من الصعب تغييره في المستقبل، وهو ضرر مستمر في النهاية، لكن التوافق تم على الرأي الأول، بعدم التوجه إلى التصعيد. 

من جهته، قال الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق مئير بن شبات، إن "وجود حزب الله ونشاطه بالقرب من السياج، والتسامح العملياتي للجيش الإسرائيلي،  وعدم استكمال نشر الوسائل التكنولوجية، خلق وضعًا لم يكن فيه خطف الجنود سوى مسألة وقت، هكذا وصفت لجنة الخارجية والأمن الوضع الذي ساد على الحدود الشمالية عشية حرب لبنان الثانية في تقرير لخص الدروس المستفادة منها". 

getty

وأضاف شبات "من الصعب عدم المقارنة بين تلك الأيام قبل 17 عامًا بالضبط والواقع الحالي، خاصة في ظل مقاطع الفيديو التي تظهر مجموعات مسلحة وملثمة تقوم بدوريات في الجانب اللبناني من السياج وتراقب الحدود مع إسرائيل، بتحدٍ وبدون خوف".

ويشير المسؤول الإسرائيلي السابق، إلى أن "المنظومة الأمنية أوضحت أن المسلحين لم يتجاوزوا الخط الأزرق ولم يشكلوا خطرًا، لكن التفسيرات ليست مطمئنة فحسب، بل إنها تعزز الشعور بأن ميزان الردع ينتهك بسرعة في غير صالح إسرائيل". 

وبحسب بن شبات تكشف "سلسلة الاستفزازات من جانب حزب الله عن تنامي ثقة نصر الله بنفسه، الأمر الذي لا يؤدي فقط إلى تفاقم تهديداته العلنية، بل يزيد أيضًا من التوترات على طول الحدود مع إسرائيل"، مضيفًا: "ليس من المؤكد على الإطلاق أنه مهتم بالحرب، لكن الواضح أن نصرالله اليوم أقل حذرًا من احتمال التدهور الذي سيؤدي إلى اندلاع الحرب".

واعتبر المسؤول الأمني الإسرائيلي السابق، أن "الطريقة التي ردت بها إسرائيل حتى الآن على استفزازات حزب الله شجعته على الاستمرار فيها، بل وحتى تصعيدها، في الوضع الحالي، ليس هناك من خيار سوى اتخاذ إجراءات تجعل نصرالله يكبح شهيته". مشددًا على أنه "يجب على إسرائيل الاستمرار في بناء الجدار على طول الحدود وعدم التسامح مع الاستفزازات التي تهدف إلى تعطيل أنشطتها".

وأشار بن شبات، إلى أنه "من الصواب تكليف المنظومة الأمنية بإعداد إجراءات محددة، حتى وإن كانت سرية، من شأنها أن تشير لنصرالله بأن صبر إسرائيل قد نفد, وتذكره ولبنان بالأثمان التي دفعوها في المغامرة السابقة خلال حرب لبنان الثانية".

وهو ما ذهب إليه المحاضر في جامعة تل أبيب إيال زيسر، في مقال بصحيفة "يسرائيل هيوم"، الذي أكد أنه على "إسرائيل أن تختار توقيت الحرب ومسرحها، بدلًا من أن تدع نصرالله وشركائه يجرونها مرة أخرى إلى الأعمال العدائية في أوقات غير ملائمة".

getty

الجيش يصادق على عدة مسارات

في المقابل، صادق وزير جيش الأمن يوآف غالانت مؤخرًا على خطة لقائد المنطقة الشمالية في جيش الاحتلال أوري غوردين لـ"عدة مسارات عمل محتملة"،  ردًا على الخيمة التي أقامها حزب الله في المنطقة الحدودية، بما في ذلك الرد الواسع لدرجة تدهور المنطقة إلى قتال حقيقي. 

في الوقت نفسه، أوعز وزير الأمن الإسرائيلي بـ"رفع مستوى الاستعداد لسيناريوهات مختلفة على طول الحدود اللبنانية بأكملها".

حرب بعيدة قريبة

من جانبه، يقول المحلل العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت رون بن يشاي، إن حزب الله لدية "رغبة لا يمكن السيطرة عليها، لضرب إسرائيل، دون دفع ثمن"، مشيرًا إلى أن هذا الشعور يتنامى مع حالة الانقسام الداخلي في إسرائيل.

ويقدر يشاي، أن حزب الله "لا يرغب بالوصول إلى الحرب، ولكنه يفضل عدة أيام من القتال المحدود"، وذلك بهدف منع استكمال بناء الجدار الإسرائيلي، وتنفيس الضغوط الداخلية عليها "وتقديم نفسه كحامٍ للبنان".

ولا يستبعد يشاي اندلاع الحرب، نتيجة ما وصفه بـ"تقييم غير صحيح لنوايا الخصم".

بدوره، تحدث المعلق العسكري لـ"يديعوت أحرونوت" يوسي يهوشع، عن أن الإعلان عن وجود الجلسة الأمنية التي شارك فيها نتنياهو، هو أمر غير معتاد وعادة ما يتم الحفاظ على سريتها، لكنها "رسالة داخلية وأخرى لحزب الله". وانتقد يهوشع تصعيد الخلاف حول الخيام إلى المستوى السياسي، مشيرًا إلى أن القرار كان يجب أن يتخذ بشكلٍ ميداني لإزالتها مع نصبها، كما اعتبر حادثة تحطيم الكاميرات على الحدود "فشلًا تكتيكًا كان يجب تفاديه".

أمّا عن موافقة نتنياهو على التوصيات الأمنية، قال يهوشع: "يمكن اعتبار ذلك تعبيرُا عن الثقة في المستوى الأمني ​​على خلفية التوترات بين نتنياهو والقيادة العسكرية العليا حول مسألة التعديلات القضائية".

زكي وزكية الصناعي

وأشار إلى أن المخابرات الإسرائيلية تقدر بأن "نصر الله لا يرغب بحرب شاملة"، مع وذلك أكدت على أن احتمالية اندلاع الحرب هي الأعلى منذ صيف 2006.

من جانبه، يقول رئيس شعبة الاستخبارات الإسرائيلية السابق في الجيش الإسرائيلي ومدير معهد الأمني القومي في جامعة تامير هايمان، إن "حزب الله يستخدم مبدأ معادلة رد الفعل، أي أن كل عمل إسرائيلي سيتبعه رد فعل علني من حزب الله. ويعد التمسك بهذا المبدأ أمرًا خطيرًا، لأنه قد يؤدي إلى ديناميكية ردود الفعل وردود الفعل المضادة التي يمكن أن تُصعّد حدثًا تكتيكيًا محليًا إلى حرب شاملة لا يريدها أيٌ من الطرفين". مشيرًا إلى أن أي هجوم استباقي على لبنان، "قد ينتج تفوقًا عسكريًا كبيرًا، لكنه سيحمل خسائر سياسية كبيرة لإسرائيل".

صادق وزير جيش الأمن يوآف غالانت مؤخرًا على خطة لقائد المنطقة الشمالية في جيش الاحتلال أوري غوردين لـ"عدة مسارات عمل محتملة"،  ردًا على الخيمة التي أقامها حزب الله في المنطقة الحدودية

حرب في لحظة

تسلسل طويل من الأحداث، بداية من عملية مجدو، وصولًا إلى نصب الخيام، ومحاولة إسرائيل بناء الجدار على الحدود، والذي يترافق مع حديث إسرائيلي عن نشر حزب لقواته على الحدود، مع إطلاق صواريخ من جنوب لبنان، وصاروخ كورنيت، زيادة التحرك على الجانب اللبناني من الحدود، بما يشمل اختراقات وتكسير كاميرات مراقبة.

كل الأحداث السابقة، تكشف عن إمكانية اندلاع أيام من القتال، على المنطقة الحدودية، يمكن أن تطور إلى مواجهة عسكرية أكبر، في حال عدم انحسارها سريعًا، والثابت حاليًا، هو عدم رغبة أي طرف في بداية جولة القتال الحالية، لكنها إمكانية وقوعها، تتصاعد مع تشابك يومي على الحدود.