30-نوفمبر-2023
هنري كيسنجر

شارك هنري كيسنجر في الاستشارة لـ 12 رئيسًا أمريكيًا (Getty)

توفي هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأسبق في عهد الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، عن عمر يناهز 100 عام، وذلك في ظل انخراط في السياسة الخارجية الأمريكي على مدار أكثر من 50 عامًا.

وعاش كيسنجر مع سجل متناقض، مما جعله شخصية خلافية ومثيرة للجدل طوال الوقت، ومع ذلك بقي حاضرًا في السياسة الخارجية الأمريكية، حتى عهد جو بايدن، إذ التقى في تموز/ يوليو الماضي الرئيس الصيني، وسط توترات غير مسبوقة في العلاقة بين بكين وواشنطن.

كان هنري كيسنجر، يدعم مصالح الولايات المتحدة حول العالم، ونفذ الكثير من التجاوزات من أجل تحقيق هدفه

وكان كيسنجر أكاديميًا في جامعة هارفارد قبل أن يصبح مستشارًا للأمن القومي عندما فاز نيكسون في الانتخابات الرئاسية في عام 1968. ومن خلال عمله بشكل وثيق مع الرئيس، كان له تأثير في القرارات المهمة المتعلقة بحرب فيتنام بما في ذلك القصف السري لكمبوديا في عامي 1969 و1970. وكان ذلك جزءًا من ما أسماه نيكسون "نظرية الرجل المجنون"، وهي محاولة لجعل فيتنام الشمالية تعتقد أن الرئيس الأمريكي سيفعل أي شيء على الإطلاق لإنهاء الحرب.

ونجا من سقوط نيكسون في فضيحة ووترغيت وخدم جيرالد فورد، وترك الحكومة بعد فوز جيمي كارتر في الانتخابات عام 1976. ولم تكن سياسة كيسنجر تجاه الاتحاد السوفييتي تصادمية بما فيه الكفاية في نظر إدارة دونالد ريغان، مما حال دون عودته للنشاط السياسي الرسمي.

هنري كيسنجر مع نيكسون

مجرم حرب

وبينما حصل كيسنجر على جائزة نوبل، بعد نهاية حرب فيتنام، إلّا أنّه يوصف في أماكن عدة بالعالم كـ"مجرم حرب". وذلك نتيجة دعم الدكتاتور العسكري الإندونيسي في غزو تيمور الشرقية، ودعم غزو أنغولا من قبل نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وعمله مع وكالة المخابرات المركزية للإطاحة برئيس تشيلي المنتخب ديمقراطيا سلفادور الليندي. كما سمح بالتنصت على الصحفيين وموظفيه. بالإضافة إلى رغبته في حماية الشركات التجارية بأي ثمن. وفي باكستان، حيث غض هو ونيكسون الطرف عن المذبحة التي راح ضحيتها مئات الآلاف؛ وفي الشرق الأوسط، وفي قبرص، وأكثر من ذلك.

ودعم كيسنجر إدارة جورج دبليو بوش في غزوها للعراق. وظل مؤثرًا حتى نهاية حياته، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى تأسيسه في عام 1982 لشركته الاستشارية الجيوسياسية وتأليف العديد من الكتب حول الشؤون الدولية. قدم النصائح للجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، و ظهر في البيت الأبيض في عهد دونالد ترامب في عدة مناسبات.

مع فورد

كما حصل كيسنجر ولو دوك ثو على جائزة نوبل المشتركة للتفاوض على معاهدة باريس التي أنهت حرب فيتنام ، على الرغم من رفض المفاوض الفيتنامي الشمالي قبول هذا التكريم. وكانت جائزة السلام التي حصل عليها عام 1973 واحدة من أكثر الجوائز إثارة للجدل في تاريخ نوبل، حيث تم الكشف عن أن كيسنجر دعم قصف نيكسون لكمبوديا عام 1969. وقد استقال اثنان من أعضاء لجنة نوبل بسبب القرار. إذ كان هدفه هو استئصال قوات الفيت كونج الموالية للشيوعية التي كانت تعمل من قواعد عبر الحدود في كمبوديا، لكن القصف كان عشوائيًا: فقد طلب كيسنجر من الجيش ضرب "أي شيء يطير أو أي شيء يتحرك". وقتل ما لا يقل عن 50 ألف مدني.

عندما كان الجيش الباكستاني المدعوم من الولايات المتحدة يشن حرب إبادة جماعية في شرق باكستان، بنجلاديش الآن، في عام 1971، لم يتجاهل هو ونيكسون مناشدات القنصلية الأمريكية في شرق باكستان لوقف المذبحة فحسب، بل وافقا على شحنات الأسلحة إلى باكستان، بما في ذلك باكستان. ويرجح مساهمته في نقل غير القانوني لعشر قاذفات مقاتلة من الأردن. وأدت الحرب إلى قتل ما لا يقل عن 300 ألف شخص في شرق باكستان، وتهجير 10 ملايين لاجئ إلى الهند.

حصل كيسنجر ولو دوك ثو على جائزة نوبل المشتركة للتفاوض على معاهدة باريس التي أنهت حرب فيتنام ، على الرغم من رفض المفاوض الفيتنامي الشمالي قبول هذا التكريم

وقالت صحيفة "نيويورك تايمز"، إن كيسنجر هو "أقوى وزير خارجية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، إذ تم الترحيب به باعتباره واقعيًا متطرفًا أعاد تشكيل الدبلوماسية لتعكس المصالح الأمريكية وتم إدانته لأنه تخلى عن القيم الأمريكية، لا سيما في مجال حقوق الإنسان، إذا كان يعتقد، أن المهم خدمة أهداف الأمة".

وشارك في الاستشارة لـ 12 رئيسًا أمريكيًا، وتضيف الصحيفة الأمريكية: "في لحظة حرجة من التاريخ والدبلوماسية الأميركية، كان في المرتبة الثانية في السلطة بعد ريتشارد نيكسون. انضم إلى البيت الأبيض في عهد نيكسون في كانون الثاني/يناير 1969 كمستشار للأمن القومي، وبعد تعيينه وزيرا للخارجية في عام 1973، احتفظ بكلا المنصبين، وهو أمر نادر. عندما استقال نيكسون، بقي في عهد جيرالد فورد".

getty

قناة خلفية للصين

وظل لعقود من الزمن الصوت الأكثر أهمية في في واشنطن فيما يتعلق بإدارة صعود الصين، والتحديات الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية التي فرضها ذلك. لقد كان الأمريكي الوحيد الذي تعامل مع كل زعيم صيني من ماو إلى شي جين بينغ. وفي يوليو/تموز، عندما كان عمره 100 عام، التقى بالرئيس الصيني شي جين بينج وغيره من القادة الصينيين في بكين.

لقد قام بجذب الاتحاد السوفيتي إلى حوار أصبح يعرف باسم الانفراج، مما أدى إلى أول معاهدات رئيسية للحد من الأسلحة النووية بين البلدين. ومن خلال دبلوماسيته المكوكية، أخرج موسكو من مكانتها كقوة كبرى في الشرق الأوسط، لكنه فشل في التوسط في سلام أوسع في تلك المنطقة.

getty

إرث كيسنجر

وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي كان يبلغ من العمر 8 سنوات عندما تولى كيسنجر منصبه لأول مرة، أقل افتتانًا به. وأشار أوباما في نهاية فترة رئاسته إلى أنه قضى معظم فترة ولايته في محاولة لإصلاح العالم الذي تركه كيسنجر.

وقال أوباما في مقابلة مع مجلة The Atlantic في عام 2016 : "لقد أسقطنا من الذخائر على كمبوديا ولاوس أكثر مما أسقطناه على أوروبا في الحرب العالمية الثانية، ومع ذلك، في نهاية المطاف، انسحب نيكسون، وذهب كيسنجر إلى باريس، وكل ما تركناه وراءنا، كان الفوضى والمذابح والحكومات الاستبدادية هي التي خرجت أخيرًا، مع مرور الوقت، من هذا الجحيم".

getty

وأشار أوباما إلى أنه أثناء وجوده في منصبه كان لا يزال يحاول مساعدة البلدان على "إزالة القنابل التي لا تزال تطمر سيقان الأطفال الصغار".

ولد هاينز ألفريد كيسنجر في 27 أيار/ مايو 1923 في مدينة فورث البافارية بألمانيا. ومع صعود النازية ألمانيا، ازداد التقييد على اليهود، مما دفع عائلته إلى الهجرة، نحو الولايات المتحدة، قبل الحرب العالمية الثانية بعام.