01-فبراير-2023
gettyimages

من مظاهرات "الثلاثاء الأسود" في العاصمة الفرنسية باريس (Getty)

تستمر الاحتجاجات في شوارع مدن باريس ومرسيليا وتولوز ومدن فرنسية أخرى، في جولة ثانية من الاحتجاجات والإضرابات، رفضًا للخطط الحكومية الرامية إلى رفع سن التقاعد، والي أطلق عليها مظاهرات "الثلاثاء الأسود".

المظاهرات مستمرة في فرنسا منذ الشهر الماضي رفضًا لـ"إصلاح نظام التقاعد" 

وشارك في المظاهرات فئات مختلفة من العاملين في القطاعات الطبية والطلبة وعمال البلديات والقطاعات المحلية، إضافة إلى المدرسين، وعمال القطاع العام والخاص. وتعتبر هذه المظاهرات الثانية بعد تلك التي نظمت الخميس في 19 كانون الثاني/ يناير 2023. وفي باريس، بدأت المسيرة بقيادة رؤساء النقابات الرئيسية الذين ساروا خلف لافتة كُتب عليها شعار "إصلاح نظام التقاعد: العمل لفترة أطول، كلا".

وخلال المظاهرات اندلعت مواجهات بين قوات الشرطة والمحتجين في العاصمة الفرنسية باريس. فيما أكدت الجهات النقابية الداعية للنزول إلى الشارع أن مظاهرات الثلاثاء شهدت مشاركةً أوسع من مظاهرات يوم 19 كانون الثاني/ يناير، عندما تظاهر 1,12 مليون شخص بحسب السلطات، فيما تحدثت المصادر النقابية عن  مشاركة أكثر من مليوني شخص.

وقدرت وزارة الداخلية الفرنسية، عدد المشاركين في التظاهرات الاحتجاجية بـ1,27 مليون شخص، في حين قدّر الاتّحاد العمّالي العام عدد المشاركين في تظاهرات "الثلاثاء الأسود" بـ2,8 مليون شخص.

وقال الأمين العام لـ "الاتحاد الديمقراطي الفرنسي للعمل" لوران بيرجيه، إن "هناك أناسًا أكثر من المرة الماضية"، من جهته رأى الأمين العام لـ"الاتحاد العام للعمال" فيليب مارتينيز، أن "الأعداد أكبر من تلك التي كانت في 19 كانون الثاني/يناير"، بدوره أوضح الأمين العام لنقابة "القوى العاملة" فريديريك سويلوت، أن "التحرك سد منيع أمام رفع سن التقاعد القانونية من 62 إلى 64 عامًا"، متوقعًا أن "وتيرة التعبئة ستتسارع".

من جانبه اعتبر الأمين العام لـ"الاتحاد الفرنسي للكوادر المهنية" فرانسوا أوميريل، أن "هذا الأمر مشجع، ويعني أن الحركة تترسخ"، فيما قالت نائبة الأمين العام لـ"الكونفدرالية الفرنسية للعمال المسيحيين" باسكال كوتون، أن رئيسة الحكومة لا تريد أن تسمعنا، هذا أمر مؤسف، ونحن نكسر الحوار الاجتماعي".

getty

هذا، ودعت الاتحادات النقابية الثمانية الرئيسية في فرنسا، وهي الاتحاد الديمقراطي الفرنسي للعمل، والاتحاد العام للعمال، ونقابة القوى العاملة، والاتحاد الفرنسي للكوادر المهنية، والكونفدرالية الفرنسية للعمال المسيحيين، والاتحاد الوطني للنقابات المستقلة، واتحاد متضامنون، والاتحاد النقابي الموحد، إلى إضراب عام تحت شعار "يوم التعبئة الوطنية"، شمل عددًا من القطاعات الحيوية، وشل الإضراب قطاع النقل العام والمستشفيات والمدارس ومؤسسات إنتاج الكهرباء والمصافي النفطية.

وأعلنت النقابات أن نسبة المضربين في قطاع التعليم بلغت 50%، فيما أعلنت الوزارة أن نسبة المدرّسين المضربين بلغت 25,92% فقط، وفي قطاع الطاقة، أعلنت نقابات العاملين في شركة كهرباء فرنسا عن تخفيض إنتاج الكهرباء بنحو 3 آلاف ميغاوات، إذ انضم العاملون في المفاعلات النووية ومحطات الطاقة الحرارية إلى الإضراب. كما أعلنت الكونفدرالية العامة للشغل "CGT" أن نسبة المضربين في مصافي النفط تتراوح بين 75% و100%. فيما شهدت حركة النقل بالقطارات اضطرابًا كبيرًا، كما أثر إضراب مراقبي الحركة الجوية في المطارات على مواعيد الرحلات.

وأعلنت عمدة باريس آن هيدالغو، أن البلدية ستغلق تضامنًا مع المحتجين، وقالت هيدالغو إن "هذه خطوة رمزية، فيما تستمر الخدمات العامة في ذلك اليوم"، ورُفعت على واجهة مبنى البلدية لافتات مناهضة لمشروع ماكرون كتب على إحداها "البلدية متضامنة مع الحركة الاجتماعية"، وقالت خلال مشاركتها في الاحتجاجات، إن "هذا الإصلاح غير عادل إطلاقًا وغير مبرر وأخرج الفرنسيين إلى الشارع".

getty

واستكمالًا للتحرك المناهض للحكومة، دعت النقابات العمّالية الثمانية إلى يومين جديدين من الاحتجاجات في 7 و11 شباط/فبراير، ضد مشروع إصلاح نظام التقاعد.

كما ظهرت لافتات مناهضة للحكومة خلال المظاهرات، كُتب على بعضها "على ماكرون وبورن الذهاب إلى التقاعد السياسي" و"نريد الاستمرار في التدريس لكن في صحة جيدة وبدون أمراض" و"ماكرون، قانونك لن يمرّ"، كما أظهرت لافتات أخرى صورًا لماكرون ولأغنياء فرنسيين كبار مثل برنار أرنو، مع تشبيهات بـ"مصاصي دماء" للطبقات العاملة من الفرنسيين.

من جانبه، اتهم وزير الداخلية جيرالد دارمانان، الأحزاب اليسارية بـ"بثّ الفوضى" في النقاشات لـ"منع الحكومة بشكلٍ منهجي من المضي قدمًا" في مشروعها المرتبط بنظام التقاعد، في حين رأى زعيم حزب "فرنسا الأبية" اليساري  جان لوك ميلانشون، أنه "من المؤكد أن ماكرون سيخسر"، مشيدًا بنضال "الشعب في مواجهة الطبقة السياسية والحكومة".

وينص مشروع إصلاح نظام التقاعد على رفع السن القانونية للتقاعد من 62 إلى 64 عامًا وتسريع تمديد فترة المساهمة، ورغم اتساع القاعدة الشعبية الرافضة لهذا الإصلاح، إلّا أن الحكومة الفرنسية لا تزال مصممة على إقراره، واعتبر الرئيس إيمانويل ماكرون أن "الإصلاح ضروري"، فيما أكدت رئيسة الحكومة إليزابيت بورن أن رفع السن التقاعدية إلى 64 عامًا "غير قابل للتفاوض"، لكنها أشارت إلى أنها "ستنصت إلى الأسئلة والشكوك التي أثارها المشروع". وتتحدث عن الحكومة عن أن رفع السن التقاعدية مرتبط في محاولة إنقاذ صناديق التقاعد.

وتمضي الحكومة قدمًا في هذا المشروع، على الرغم من أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن ثلثي المشمولين بهذا القانون يعارضون هذه التغييرات، التي ستطرح على الجمعية الوطنية الأسبوع المقبل. وقُدم نحو سبعة آلاف تعديل ضدّ مشروع الإصلاح في الجمعية الوطنية، من بينها ستة آلاف تعديل من جانب الحركات والأحزاب اليسارية.

يقول المعارضون، إن ماكرون يثقل كاهل العمال برفعه سن التقاعد، الذي يعد من الأقل في أوروبا، وبشكلٍ غير عادل بسبب رفضه زيادة الضرائب على الأثرياء

ويقول المعارضون، إن ماكرون يثقل كاهل العمال برفعه سن التقاعد، الذي يعد من الأقل في أوروبا، وبشكلٍ غير عادل بسبب رفضه زيادة الضرائب على الأثرياء، وأن سياسات ماكرون تأتي استمرارًا للتصورات الاقتصادية النيوليبرالية، التي نتج عنها انعدام المساواة بشكلٍ عميق في فرنسا. وفي الوقت نفسه، لا تظهر النقابات أو ماكرون، أي علامات تشير إلى التراجع.