20-يناير-2023
gettyimages

تظاهر أكثر من مليون شخص في جميع أنحاء فرنسا وسط نسبة إضراب تزيد عن 70% (Getty)

نجحت النقابات العمالية الفرنسية، ولأول مرة منذ أكثر من 10 سنوات في توحيد صفوفها، وتشكيل جبهة نقابية مشتركة ضخمة على الأرض، وتنظيم مظاهرات ضخمة تم وصفها باسم "الخميس الأسود"، للتعبير عن رفضها القاطع لمشروع إصلاح نظام التقاعد الذي طرحه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وحكومته، والذي يقضي برفع سن التقاعد، ليصبح 64 عامًا بدلًا من 62 عامًا بحلول 2030.

نجحت النقابات العمالية الفرنسية، ولأول مرة منذ أكثر من 10 سنوات في توحيد صفوفها، وتشكيل جبهة نقابية مشتركة ضخمة على الأرض، وتنظيم مظاهرات ضخمة تم وصفها باسم "الخميس الأسود"

وشارك في المظاهرة التي شملت جميع أنحاء فرنسا 1,12 مليون شخص، وفي باريس واحدها تظاهر حوالي 80 ألف، بحسب الأرقام التي أعلنت عنها وزارة الداخلية الفرنسية. فيما أعلنت النقابة الكونفدرالية العامة للشغل "سي جي تي"، أن عدد الأشخاص الذين نزلوا إلى الشوارع ضد المشروع الحكومي تجاوز 2 مليون شخص.

وجرت أكثر من 200 تظاهرة في باريس والمناطق المحيطة بها، وانتهت معظمها بشكلٍ هادئ، باستثناء بعض المواجهات في العاصمة باريس ومدينتي ليون ورين شرق وغرب البلاد، حيث قامت وزارة الداخلية بتعبئة أكثر من 10 آلاف شرطي، من بينهم 3500 في العاصمة باريس، خلال موجة التظاهرات.

getty

وبالتزامن مع المظاهرات، أشاد المسؤول الأول في نقابة الكونفدرالية الفرنسية الديمقراطية للشغل "سي إف دي تي" لوران بيرجي، بمستوى التعبئة الذي بلغته الإضرابات العمالية في البلاد ضد المشروع، فيما وصفتها الكونفدرالية العامة للشغل بـ"التاريخية".  وأفادت نقابة "سي جي تي" أن نسبة الإضراب بلغت من 70% إلى 100%، فقد شاركت غالبية القطاعات العمالية في الإضراب العام يوم الخميس.

وسجّل فرع نقابة "سي جي تي" للمصافي في مجموعة "توتال إنرجي" إضراب بلغت نسبته 70-100% من العمال في معظم فروع المجموعة، وقالت النقابة إن الإضراب كان ملموسًا جدًا في وسائل النقل، مع عدم عمل أيّ قطار بين المناطق، وتشغيل عدد قليل من القطارات الفائقة السرعة، ما صعب التنقل على  مناطق واسعة من ضواحي باريس.

كما لفت "الاتحاد النقابي الموحد" للمدرّسين في فرنسا إلى إضراب 70% من المعلمين في المدارس الابتدائية، و65% في المدارس المتوسطة والثانوية. كما طلبت هيئة الطيران المدني، من شركات الطيران أمس الخميس، إلغاء 20% من رحلاتها من مطار باريس أورلي، بسبب إضراب المراقبين الجويين.

getty

كما شكل إضراب الخميس فرصةً جديدةً لعمال قطاع الصحة، الذين أبعدوا عن مناصبهم بسبب رفضهم تلقّي اللقاح ضد وباء "كوفيد-19"، للتعبير عن غضبهم، والمطالبة مرةً أخرى بالعودة إلى وظائفهم.

وتواجه النقابات العمالية تحديًا لتحويل هذه المعارضة إلى إصلاح، وتحويل غضب المواطنين من أزمة غلاء المعيشة إلى احتجاج جماهيري من شأنه أن يجبر الحكومة في نهاية المطاف على تغيير خططها، وإلغاء قانون رفع سن التقاعد، في وقت يعاني فيه غالبية الفرنسيين من غلاء المعيشة بسبب التضخم الذي بلغ معدله 5,2% في العام 2022. ويتوقع مراقبون في حال كانت التعبئة شاملة وطويلة، فإن ذلك سيضعف حزب الرئيس الفرنسي، خاصةً أنه لا يملك الأغلبية في الجمعية الوطنية.

ومن المقرر تنظيم يوم تعبئة جديد في 31 كانون الثاني/ يناير الجاري، وهو موعد توافقت حوله أكبر 8 نقابات فرنسية خلال اجتماع لها بعد تظاهرة باريس، وفق مصادر نقابية عدة، لتواصل الضغط الشعبي عبر الشارع على الحكومة لسحب المشروع. خاصةً أن الكونفدرالية العامة للشغل "سي جي تي" كشفت عن خطة لخوض معركة طويلة الأمد مع الحكومة، لإرغام الحكومة على سحب مشروعها، ومن بين الخطوط العريضة لهذه الخطة قطع الكهرباء والغاز عن بعض الأشخاص أو المؤسسات بشكلٍ عمدي، وتخفيض كميات إنتاج الغاز، إضافةً إلى عرقلة العمل في بعض المحطات النووية المولِّدة للكهرباء.

getty

وفي المقابل، دافع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن مشروع رفع سن التقاعد، على هامش القمة الفرنسية الإسبانية، معتبرًا إياه "عادلًا ومسؤولًا"، وأضاف "يجب فقط النظر في كل مكان من أوروبا، لنرى أن فرنسا متراجعة إلى حد ما، وإن أردنا العدل بين الأجيال وإنقاذ نظامنا للتقاعد، من الضروري أن نقوم بهذا الإصلاح"، وتمنى ماكرون أن تمر التظاهرات "من دون إزعاج للفرنسيين".

راهن الرئيس الفرنسي وحكومته على اليمين التقليدي لتمرير المشروع، الذي يلاقي معارضة كلية من اليسار واليمين المتطرف

ويرمي المشروع المقترح إلى رفع سن التقاعد إلى 64 عامًا بحلول 2030، وتسريع عملية رفع الحد الأدنى لعدد سنوات المساهمة في صندوق التأمين التقاعدي للحصول على معاش تقاعدٍ كامل. ويراهن الرئيس الفرنسي وحكومته على اليمين التقليدي لتمرير المشروع، الذي يلاقي معارضةً كليةً من اليسار واليمين المتطرف. وأكد الرئيس الفرنسي في مقابلة سابقة أن "جميع الدراسات الجادة تشير إلى ارتفاع مستوى النفقات بهدف الحفاظ على نظام التقاعد، ولهذا السبب، الحل الوحيد الذي نملكه هو إطالة مدة العمل".