14-يناير-2023
gettyimages

مظاهرة عمالية في باريس احتجاجًا على إصلاح نظام التقاعد (Getty)

كشفت رئيسة الوزراء الفرنسية إيليزابيث بورن، عن أبرز معالم مشروع الحكومة الجديد لإصلاح نظام التقاعد، والذي يدفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منذ ولايته الأولى باتجاه تنفيذه، وذلك خلال مؤتمر صحفي، يوم الثلاثاء الماضي. ومن المحتمل أن يثير مشروع الحكومة موجة غضب عمالي إثر رفض النقابات لهذا الإصلاح، ودعوتها إلى تعطيله عبر الإضرابات العامة والاحتجاج في الشارع.

كشفت رئيسة الوزراء الفرنسية إيليزابيث بورن، عن أبرز معالم مشروع الحكومة الجديد لإصلاح نظام التقاعد

وكانت الحكومة الفرنسية قد أعلنت في وقت سابق عن رزنامة إعلانها لمشروع الإصلاح، والذي يبدأ من تاريخ 10 كانون الثاني/ يناير بعرضه للعموم من طرف رئيسة الوزراء في مؤتمر صحفي، قبل تمريره من المجلس الوزاري في الـ 23 من ذات الشهر، وإخضاعه للمناقشة في البرلمان مطلع شباط/ فبراير المقبل.

ومن أبرز النقاط الخلافية التي يتضمنها نظام التقاعد الجديد، المقترح من طرف الحكومة، رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عامًا. وأوضحت بورن بخصوص هذه النقطة: أن "سن التقاعد القانوني سيرتفع تدريجيًا ثلاثة أشهر في السنة ليبلغ 64 عامًا بحلول عام 2030".

وأضافت، في معرض الكلمة التي نقلتها قنوات التلفزيون المحلي، "نقترح أن يواصل من يمكنهم ذلك، العمل لفترة أطول (...) هذا الخيار هو أيضًا الخيار الذي اتخذه جميع جيراننا الأوروبيين". وتابعت "أدرك جيدًا أن تغيير نظام التقاعد لدينا يثير مخاوف وتساؤلات بين الفرنسيين. نريد الرد عليها وإقناعهم"، مشددةً على أن المهمة الراهنة للحكومة هي حشد الدعم الشعبي حول المشروع.

من أبرز النقاط الخلافية التي يتضمنها نظام التقاعد الجديد، المقترح من طرف الحكومة، رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاماً.

هذا ويعارض قطاع واسع من عمال فرنسا مشروع الإصلاح المقترح لنظام التقاعد، وعلى إثر العرض الذي قدمته بورن، اجتمع رؤساء النقابات الثمانية الرئيسية في البلاد لتدارس خطوات الرد عليه. وخلصت النقابات المجتمعة إلى الدعوة إلى يوم من التظاهرات والإضراب العام في 19 كانون الثاني/يناير، احتجاجًا على الخطة التي يُصرّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على تمريرها رغم غياب التوافق حولها.

وقالت النقابات في بيان مشترك: يجب أن "تطلق تعبئة قوية بشأن المعاشات التقاعدية على المدى الطويل". وأعرب لوران بيرجيه، الأمين العام لاتحاد النقابات العمالية الفرنسية، عن أمله في حشد قوي "لكي تتراجع الحكومة"، فيما عبّر لوران ليسكور وهو من نقابة أخرى موقعة على البيان، عن أمله بحصول "تحركات كل يوم في الشركات والإدارات ". فيما دعت أحزاب اليسار الممثلة في البرلمان قواعدها إلى الخروج إلى الشارع تزمنًا مع الاحتجاجات العمالية، ذلك لدعم نضالات النقابات. كما أعلنت شبيبة حركة "فرنسا الأبية" وقطاعها الطلابي مشاركتها في مظاهرات الأسبوع القادم. 

getty

هذا ويُصرّ ماكرون، منذ ولايته الأولى، على تمرير إصلاح نظام المعاشات. وهو ما قابله احتجاجات عمالية واسعة أواخر 2019، كما سعت المعارضة اليسارية وقتها إلى دفنه داخل قبة الجمعية الوطنية، ما دفع الحكومة إلى تفعيل "البند 3-49" من الدستور الفرنسي والذي يمنحها آلية تمريرٍ للقوانين دون الرجوع إلى البرلمان. وبعدها تم إهمال الملف في ما تبقى من تلك الولاية، ليعود مجددًا مع فوز ماكرون في ولايته الثانية، إذ أكَّد خلال خطابه بمناسبة رأس السنة معبرًا عن أمنيته في أن  "عام 2023 سيكون سنة حسم إصلاح ذلك النظام"، إذ تطمح حكومته لتحقيق ذلك في شهر ديسمبر/ كانون الأول القادم. 

وتأتي إعادة فتح ملف إصلاح نظام التقاعد في ظل عام صعب تمر به فرنسا، سمته الأساسية الاحتقان الاجتماغي الواسع، ما يدفع مراقبين إلى الترجيح بأن تشهد فرنسا انفجارًا احتجاجيًا أشبه بذلك الذي صحب مظاهرات حركة السترات الصفراء خريف 2018. 

وخلال العام المنصرم، عرفت فرنسا ارتفاعًا مضطردًا لمستويات التضخم، والتي بلغت نسبة 5.9% شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي. ومس هذا التضخم بالأساس أسعار المواد الغذائية، وحسب التقديرات، شهدت أسعار زيوت الطبخ في المتاجر الفرنسية زيادةً بـ60%، وأسعار الدقيق بـ21.8%، والخضار والفواكه بـ17.7%، كما ارتفعت أسعار اللحوم البيضاء بـ15.8%.

وفي هذا الصدد، شهدت شوارع العاصمة باريس، يوم السبت، خروج الآلاف احتجاجًا على الظروف المعيشية الصعبة. وفي تصريح لوكالة "فرانس بريس"، أوضح جمال باوبان،وهو أحد أعضاء حركة السترات الصفراء، بالقول: "خرجنا اليوم من أجل جميع الفرنسيين الذين يموتون من الجوع بسبب ارتفاع الأسعار التي لم يعد بوسعهم تحملها"، لافتاً إلى أن الحركة ستنظم مزيدًا من المظاهرات.

ويضاف كل هذا إلى السخط القائم أساسًا على تردي الخدمات الصحية في المستشفيات الفرنسية، والتي تعرف أزمةً واسعةً مع دخول موسم الشتاء، حيث ترتفع حالات العدوى بالأمراض التنفسية، بما فيها كوفيد-19، نظرًا إلى نقص العاملين والإمكانات العلاجية.

وحسب شهادات العاملين في قطاع الصحة الفرنسي، فالصحة في البلاد تشهد "أزمةً حادةً وعامةً"، وفقاً لتصريحات رئيس اتحاد مستشفيات فرنسا، أرنو روبينيت، فإن الأزمة "ليست فقط أزمة مستشفيات، بل انهيار لنظام الصحة بأكمله". ويضيف المسؤول الفرنسي أن "الأمر لا يتعلق فقط بنقص العاملين في القطاع، بل حتى بالمشافي الغارقة في الديون مع ضعف الاستثمار فيها".

تأتي إعادة فتح ملف إصلاح نظام التقاعد في ظل عام صعب تمر به البلاد، سمته الأساسية الاحتقان الاجتماغي الواسع

فيما تساهم هذه الملفات؛ إصلاح نظام التقاعد والأوضاع الاقتصادية الصعبة وأزمة قطاع الصحة، في خط معالم "شهر يناير أسود يستقبل الرئيس ماكرون"، على حد وصف قناة "فرانس 5". التي تساءلت في تقرير سابق لها حول إذا ما "سيكون عام 2023 عام اضطراب سياسي في فرنسا؟ وكيف يمكن للسلطات المحلية مساعدة سكانها في مواجهة التضخم؟".