18-يوليو-2019

بوستر لأبو تريكة في رفح الفلسطينية 2019 (Getty)

تبدأ القصة عام 2004 الذي شهد أول ظهور لمحمد أبو تريكة بقميص النادي الأهلي، تلك اللحظة بدت عادية حينها، لكنها كانت كافية لإعادة كتابة تاريخ كرة القدم في مصر، كان ذلك الجيل مبهرًا على المستوى الكروي، كلهم يسجلون الأهداف بطريقة مبهرة، حتى يسجل أبو تريكة هدف واحد فيأتيك ببطولة كاملة.

كانت ظروف نشأة محمد أبو تريكة لا توحي مطلقًا بأنه سيكون أهم لاعب في جيله

كانت ظروف نشأة محمد أبو تريكة لا توحي مطلقًا بأنه سيكون أهم لاعب في جيله. ابن قرية ناهيا بمحافظة الجيزة الذي عاش طفولة لا تعرف الرفاهية، عمل خلالها كعامل في مصنع للطوب، تدرج في لعب الكرة من الشارع إلى الدورات الرمضانية إلى نادي الترسانة إلى المارد الأحمر، ليكسب حب الجماهير التي تعاطفت مع قصته الملهمة وأحبت كُرته الساحرة حتى أُطلق عليه لقب "أمير القلوب" الذي لم يسبقه إليه أحد.

اقرأ/ي أيضًا: هل يعود أبو تريكة إلى القاهرة؟

مع بدايات شهرة أبو تريكة كنت لا أزال طفلًا ممن يتعلقون بلاعبي كرة القدم تعلقًا مرضيًا يدفعهم إلى تقليد أهدافهم ومهاراتهم. الرجل يسجل الأهداف من "الفاولات" ويتلاعب بالكره بين قدميه وكأنها معلقة بخيط، يأتي بهدف فيما بعد الدقيقة الـ90 فيشعل استاد رادس ويدفعني مع مرتادي المقهى الذي كنت أشاهد المباراة فيه إلى الصياح والتصفيق ومن ثم قيامنا بعناق بعضنا البعض وتكسيرنا لمقاعد المقهى من فرط الفرحة، بالطبع فشلت في تقليد أبو تريكة، لكنه لم يفشل إطلاقًا في أن يجعلني أحبه.

رسم أبو تريكة لنفسه خطًا ثابتًا من قلب الشاشة إلى قلوب الجماهير، كانت رحلته مليئة باللحظات الصعبة لكنه كان دومًا عند الموعد، ليس فقط بأهدافه ولكن أيضًا بمواقفه الإنسانية مثل تعاطفه مع غزة واعتزاله احتجاجًا على مذبحة بورسعيد، وبقيامه ببعض التصرفات العفوية مثل نزوله لأداء صلاة الفجر في المسجد، أو قيامه بربط الحذاء للطفل الواقف أمامه قبل بداية إحدى المباريات، قد تبدو تصرفات عادية لكنها لم تكن كذلك لأنها لم تكن معتادة من غيره من اللاعبين، لا أحد يفعل هذا غير أبو تريكة!

كانت رحلة أبو تريكة طويلة، مبهرة وملهمة، مؤلمة ومفرحة، لكن كان لا بد لعقارب الساعة أن تتوقف فالأشياء الجميلة دائما تنتهي.

مساء حزين للغاية، الأهلي يشارك في كأس العالم للأندية، يخرج أبو تريكة لكن هذه المرة بلا رجعه. في 18 كانون الأول/ديسمبر 2013 خرج الماجيكو ولم يعد، لكن طيفه ظل باقيًا في القلوب.

لم تنته الرحلة بعد، فقد جرت في مصر الكثير من الدماء، لكن أبو تريكة كان دائما ثابت على مبدأ إن لم تستطع قول الحق فلا تصفق للباطل، لم ينجرف إلى تأييد نظام عبد الفتاح السيسي وكذلك لم ينتقده، فقط ركز في عمله كمحلل بقنوات "بي إن سبورت"، حتى أتاه الرد قاسيًا، أبو تريكة على قوائم الإرهاب، في نظر الحاكم إرهابي وفي نظر من يحكم قديس.

في تلك اللحظة الفارقة أبدى الملايين تعاطفهم مع تريكة، وقف جيل الشباب إلى جانب معشوقهم، تساءلوا كيف يكون أبو تريكة الذي ألقى الأهداف في الشباك والبهجة في القلوب إرهابيًا، كيف يُمنع من دخول بلده لتلقي العزاء في والده، استعجب النظام من مقدار الحب الذي تكنه القلوب لأبو تريكة، الأمر كان عجيبًا بحق، كيف يملك هذا الرجل كل هذا الحب؟!

حب أبو تريكة قد تخطى حدود أبو تريكة نفسه، فمن يظهر مع أبو تريكة أو يبدي تعاطفه معه ينال هو الآخر نصيبًا من الحب، المعلق الجزائري حفيظ دراجي قام بزيارة إلى منزل عائلة أبو تريكة حولت مشاعر الكراهية التي كان المصريون يحملونها تجاهه بسبب "أم درمان" إلى مشاعر حب خالصة، أبو تريكة ساحر كما قالوا عنه.

منزل أبو تريكة ليس قصرًا فاخرًا، هو منزل مصري أصيل تكسوه ملامح البساطة، المقاعد التقليدية وتشققات الجدران، الأطفال والملابس المصرية، السيدة والدته التي تشعر من ملامحها التي تفوح بالطيبة أنها والدتك أو جدتك، عقب نشر حفيظ دراجي لصوره في منزل تريكة استعجب البعض من هذه البساطة، وكأنهم لا يدركون أن أبو تريكة يملك كل هذا الحب لأنه يشبهنا.

أبو تريكة يشبهنا في كل شيء، إنه ذلك الشاب الطموح الذي تشعر بأنه صديقك

أبو تريكة يشبهنا في كل شيء، إنه ذلك الشاب الطموح الذي تشعر بأنه صديقك. مع كل خطأ يرتكبه محمد صلاح تعود سيرة أبو تريكة التي لا تغيب، هو أيقونة الكرة المصرية إلى الأبد، حينما يهزم النادي الأهلي أو المنتخب نتذكر كيف كان يأتي بالفوز، وحينما نفوز نذكره لأنه كان أول من علمنا الفرحة بالفوز، تحفظ النظام على أمواله لكن الحب لا يقبل التحفظ. 

اقرأ/ي أيضًا: بيان تركي آل الشيخ.. أبو تريكة يصلح ما أفسده "بيبو"

لم يجمع أبو تريكة عشرات الملايين كغيره من اللاعبين، رفض الاحتراف حبًّا في النادي الأهلي وفضّل الانتماء على المال، وفي هذا سر أبو تريكة، لم يجعل الله رزقه في المال ولا حتى في الشهرة، ولكن رزقه ما هو أغلى وأكثر دوامًا من كل شيء: الحب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

محمد صلاح.. معبود المصريين

كان يا ما كان.. حكاية اسمها الأهلي والزمالك