22-يناير-2017

اللاعب الكروي المصري محمد أبو تريكة (فيسبوك)

التفتيش في دفاتر اللاعب المعتزل القديمة والجديدة، وسجله الجنائي، لن يكشف أي شيء جديدًا، يتعاطف مع غزة بالتيشيرت، يمدّ الشورت إلى الركبة حسب الشريعة الإسلامية، يذكر الله في حواراته بين كل جملة والثانية، يغضّ بصره عن مذيعات التلفزيون، وهي إشارة إلى أنه شخص محافظ خرج من بيت متديّن وتقليدي يعتقد أنّ مصافحة وجه المرأة يفسد الوضوء ليس أكثر من ذلك.

ليس معنى الكلام أنه إخواني أو سلفي أو يعبد الله على طريقة أحد، إنما هي طريقته الخاصة التي تربى عليها وارتاح لها قلبه.

الجميع ورَّط أبو تريكة في جرائم لم يرتكبها حين أضافوا له صفات لم يسعَ لها حتى تكتمل الأسطورة

ثم إن أبو تريكة ليس إمام جامع حتى يأخذ الناس منه تعاليم دينهم. وحين عُرِض عليه أن يقدَّم فقرة دينية في برنامج تلفزيوني، قال: استعينوا بداعية إسلامية، فأنا لست أهلًا لها.

اقرأ/ي أيضًا: محكمة مصرية تمنح أبوتريكة انتصارًا جديدًا

وليس ناشطًا سياسيًا حتى يقول رأيه في حكم الإخوان، أو يعارضه، فلم يكن يهاجمهم ولا يخفي تعاطفه معهم (كانت موضة المرحلة!)، ولا ينكر أنه كان واحدًا منهم في شبابه حين كان يصلي في جامع قريب من بيته يخطب فيه صفوت حجازي، فانضمّ للجماعة، لكنه خرج من دائرة الدين والسياسة إلى الرياضة، كان عالمها أكثر براحًا، وهتافاتها تجمع الجمهور حوله، لكن مريديه من الإسلاميين ضحّوا به، وأعلنوا أنه في الطريق لاعتصام رابعة، رغم أنه لم يذهب، ولم يفكّر في المشاركة. ليس حبًا في النظام ولا كراهية للإخوان. إنما لأنه في النهاية نجم وبيزنس مان ويريد أن يحافظ على نجوميته وأكل عيشه!

يتعامل أبو تريكة مع نفسه على أنه مجرّد لاعب كرة جعل الله رزقه في قدميه. لكن الناس، أنصاره قبل أعدائه، وضعوه في مرتبة أعلى من التي يريدها أو يرتب لها، جعلوه قديسًا وهو اكتفى بأن يكون "الماجيكو"، وبدلًا من أن يقولوا إنه حريف، ولعّيب، قالوا إنه خلوق.

الجميع ورَّط أبو تريكة في جرائم لم يرتكبها حين أضافوا له صفات لم يسعَ لها حتى تكتمل الأسطورة. فأصبح ضحية مريديه. ربما لأنهم لا يعرفون أن الأساطير يمكن أن تُصنع داخل منطقة الـ18 فقط!

مارادونا كان يغشّ في الملعب ووضع هدفًا بيده، ويشارك في حصاد القنب، ثم أصبح مدمنًا للحشيش، وظلّت أسطورته فوق مستوى النسيان، وحسام حسن يمكن أن تذم فيه وتشتمه، وتقول إنه انفعالي ومغرور وقليل الأدب، لاعبًا ومدربًا، لكنه علامة في تاريخ مصر.

أبو تريكة -لحظة انتقاله من الترسانة إلى الأهلي- لم يعد لاعب كرة، ولا نجم تلفزيون، ولا الحريف الذي ينتظر الجمهور لمساته السحرية، التي تهز شباك المنافسين في الدقيقة 90، إنما تحوَّل إلى صيغة اجتماعية كانت لا بدّ أن تظهر في وقت تغيَّرت فيه معتقدات المصريين إلى الإيمان بالإخوان كراهية في مبارك (وليس لأنهم تأخونوا)، وسماع شرائط محمد حسان، ومتابعة قناة الناس. ومن هنا بدأ طريق أخطر إرهابي في العالم!

اقرأ/ي أيضًا: سبعة أشياء لا يعرفها برلمان السيسي-عبد العال

ما جرى له في حياته. منذ أن هجر عمله "شيَّالًا" لقوالب الطوب حتى اللحظة التي صدر فيها الحكم بوضعه على قوائم الإرهاب. لم يكن من صنع يديه، إنما من صنع أيدي الذين اعتبروه شخصًا يكمّل ما يريده الناس في أيام السقوط في حفرة الإسلاميين.

جاء أبو تريكة في الوقت المناسب. وجه بشوش، هادئ، خلوق، لا يخلع التيشيرت حين يحرز هدفًا، ويرتدي رقم "22" لأنه رآه منحوتًا على باب الكعبة، وهو ما يناسب عائلات محافظة تبحث عن قدوة لابنها لا تجلب المشاكل، وتكره إبراهيم سعيد. لأنه ليس خلوقًا ولا مؤدبًا ولا مهذبًا ولا خجولًا مثل أبو تريكة!

يتعامل أبو تريكة مع نفسه كمجرد لاعب جعل الله رزقه في قدميه. لكن أنصاره قبل أعدائه وضعوه في مرتبة أعلى من التي يريدها أو يرتب لها

كانت الأرض جاهزة لاستقباله. فالنجوم انتهوا، وكان لا بد من صناعة نجم يستحوذ على هَوَس الجمهور، لأن الوكالات لا تجد لاعب كرة "فِرْوِد" يظهر في الإعلانات لترويج منتجاتها. ساعدت أبو تريكة ليكون نجمًا لها يناسب نزعة الهروب من الدنيا إلى الدين، التي سيطرت على المصريين ولو ظاهريًا.

ومن الطبيعي حين يغضب الناس على الجماعات الإسلامية (وعلى الإسلام أحيانًا) أن يحترق ثوب أبو تريكة، فهو ليس إخوانيًا لكن العقلية التي آمنت بالجماعة هي نفسها التي اختارته، وآمنت به، وجعلته قديسها. وسقوط الإخوان هو سقوطه.

كل الأشياء كانت تعمل معًا حتى يصبح أبو تريكة تاجر السعادة. وكل الأشياء اجتمعت حتى صنعت منه تاجر مولوتوف وبنادق. بينما هو، في الأول والآخر، لاعب كرة جعل الله رزقه في رجليه، فلا تمنحوه أكبر مما أراد لحجمه أن يكون.

اقرأ/ي أيضًا:
مصر تحت حكم المماليك.. مشاهد ووقائع فاضحة
هذا محمد وذاك محمد.. هل ثمّة فارق؟