06-يونيو-2019

محمد صلاح، 7 أيار/مايو 2019 (Getty)

في واقعة هي الأولى من نوعها، وفي قريته البعيدة المسماة نجريج، مركز بسيون بمحافظة الغربية، لم يتمكن اللاعب الشهير محمد صلاح من أداء شعائر صلاة عيد الفطر لازدحام أهالي القرية وغيرهم أمام منزله، وهو ما يثير الكثير من علامات الاستفهام والتعجب حول هؤلاء الذين تركوا صلاة العيد المقدسة عند المصريين ليتجمهروا أمام منزل صلاح، والسؤال هو: لماذا أحبوا صلاح لهذا الحد؟!

كل حب بسبب ينقطع بزوال السبب، ولذلك يحب المصريون محمد صلاح بلا سبب!

حقًا وصدقًا، فإن تجمع أهالي القرية أمام منزله هو انعكاس متكامل لما يراه المصريون في محمد صلاح، الجميع في مصر يحب صلاح ومستعد للتضحية في سبيله بالغث والثمين، تسأل لماذا؟ فيرتد صدى صوتك إليك، لا أحد يعلم لماذا كل هذا الحب يا صلاح، التفسير الوحيد أنّ كل حب بسبب ينقطع بزوال السبب، ولذلك يحب المصريون صلاح بلا سبب!

اقرأ/ي أيضًا: لماذا يُحبون محمد صلاح؟ ولماذا أحبه أنا أيضًا؟

الفشل آفة الحارة المصرية ومرضها وداؤها، لا بد أن أي شاب مصري ممن هو في عمر صلاح قد تعرض لعديد الخيبات التي أبدلته نومه بكاء، أما عن الأجيال الأكبر سنًا فقد وجدوا في صلاح ما عجزوا عن تحقيقه وهم في مثل عمره، وأخيرًا الأطفال الذين صار صلاح حلمهم الأبدي ودنياهم الوردية وأمنيتاهم بالركض في الملاعب الأوروبية بين جنون الجماهير وضحكات الجميلات.

اجتمعت كافة فئات المصريين بل والعرب أجمعين على حب محمد صلاح، الجميع أحبوه بلا شرط، انتقده البعض على استحياء، وكرهته القلة، وبين هؤلاء جميعًا تشكّلت تماثيل صلاح بأيدي فنان تشكيلي مجهول الهوية لكنه شديد الموهبة، فقد استطاع أن يشيد تماثيل النجم المصري في القلوب وليس في الميادين.

يلعب صلاح دور المسيح المُخلّص، في ناديه وفي منتخب بلاده، الكل يراه الأمل القادم بعد تراكم الخيبات وتوالي النكبات، وفي هذا يمكن سر صلاح، فقد أتى بعد فقدان الأمل ليعيده من جديد، ببعض الموهبة وبعض الحظ وكثير الاجتهاد استطاع أن يحقق المعادلة الصعبة، ولكن بعد خصام طويل مع الساحرة المستديرة.

في مثل هذه الأيام، وفي نهائي دوري أبطال أوروبا تعرّض صلاح لإصابة مفزعة أرجفت قلوب الجميع ثم خسر فريقه البطولة الأغلى، ليأتي صلاح ورفاقه هذا العام ليعيدوا ترتيب المشهد ويرفعوا ذات الأذنين على مرأى ومسمع العالم، وكأن صلاح يبعث برسالة خافتة عن امتزاج الأمل بالحلم.

لم أتوقع يومًا أن أشاهد لاعبًا مصريًا يفوز بهذه الكأس الثمينة، كذلك لم أتوقع إطلاقًا أن أرى اسم مصري في قائمة جائزة الأفضل المقدمة من الاتحاد الدولي لكرة القدم، بل وفي مرتبة متقدمة في الجائزة الأهم "الكرة الذهبية"، فعل صلاح كل هذا في سنوات معدودات ليرفع سقف التوقعات عاليًا حتى عنان السماء، ليرهق من هم قادمون بعده، ويتخطى من كانوا قبله، فقط ليخبرك أن الأماني ممكنة، وأن الحلم يصير واقعًا.

رفع صلاح رفع سقف التوقعات عاليًا حتى عنان السماء، ليرهق من هم قادمون بعده، ويتخطى من كانوا قبله

ربما يصير الحلم حقيقة، قد تقطع عديد الأميال يوميًا بين نجريج والعاصمة لتتدرب في نادي محدود الإمكانيات، ثم تنتقل إلي سحر أوروبا، تطوف بعض البلدان والنوادي، بينما تحاول استيعاب ما وصلت إليه يعلو نجمك، تنتقل إلى نادي عريق مثل ليفربول، يحطمك الأمل وتكسوك الهزيمة، تخوض حربًا ضارية لتعود مجددًا فتمسك الحلم في أعالي السماء، تتشبت به حتى يأتيك، كل ذلك لسبب واحد: أنك لم تتوقف يومًا عن السعي مهما طال بك الطريق.

اقرأ/ي أيضًا: هل ما يزال محمد صلاح "فخر العرب"؟

بعد كل هذا، كيف لا نُحب محمد صلاح حبًا مرضيًا يدفع أحيانًا إلى التعدي على خصوصيته، بدون تبرير، الحب هو انتهاك واضح لقواعد المنطق، ربما تضيق الأرض بصلاح مثلما حدث معه وقت الصلاة، لكنها ضريبة الحب، وكم هي غالية، إن كان المحبون بسطاء، وإن كان الزمن غابرًا كزمن صلاح، ملهمًا كقصته.

 

اقرأ/ي أيضًا:

دراسة: محمد صلاح يساهم في انخفاض نسبة الجرائم!

محمد صلاح.. طريق المجد فينا