08-ديسمبر-2019

سعت الإمارات إلى توظيف مالها السياسي لتعزيز موقعها في واشنطن (Getty)

الترا صوت – فريق التحرير

كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن تمويل الإمارات لحملات انتخابات الرئاسة الأمريكية السابقة عبر رجال أعمال أمريكيين، بهدف التأثير على سياسة واشنطن الخارجية، والحصول على المزيد من النفوذ داخل البيت الأبيض، مشيرًة إلى أن المساهمين بالتبرعات السياسية كانوا يصفون ضمن مراسلاتهم المبالغ المالية الموجهة للحملات الانتخابية بأنها "بقلاوة".

كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن تمويل الإمارات لحملات انتخابات الرئاسة الأمريكية السابقة عبر رجال أعمال أمريكيين، بهدف التأثير على سياسة واشنطن الخارجية

 الإمارات ضحت ملايين الدولارات بطريقة غير قانونية

قالت الصحيفة الأمريكية في تقريرها إن وزارة العدل الأمريكية وجهت اتهامات، لرجلي الأعمال الأمريكيين من أصل لبناني جورج نادر، وأحمد الخواجة ترتبط بمحاولتهما التدخل في انتخابات الرئاسة الأمريكية السابقة لصالح دولة الإمارات، مضيفًة أن الاثنين كانا يعملان بشكل مباشر مع ولي عهد الإمارات محمد بن زايد، الذي كانوا يطلقون عليه لقب "راعيهم الأكبر"، ويشيرون إليه في رسائلهم المتبادلة بحرفي (ص.س).

اقرأ/ي أيضًا: تسريبات تكشف دور الإمارات بإقالة تيلرسون لرفضه حصار قطر

ووفقًا لما ورد في التقرير فإن نادر وخواجة المسؤوليّن عن تمويل الإمارات لحملات المرشحين لانتخابات الرئاسة الأمريكية، كانوا يطلقون على الدعم المالي للحملات أسماء "مخبوزات مثل البقلاوة"، ويلقبون المرشحة السابقة هيلاري كلينتون بـ"أختنا، أو السيدة الكبرى"، فقد كتب نادر في رسالة موجهة للخواجة: "سأسافر صباح الغد للانضمام إلى سموه.. وأخبرته بالفعل عن الحدث المذهل مع أختنا.. وتحمس كثيرًا.. يرغب في إبلاغه بكل التفاصيل شخصيًا".

ويوضح التقرير أنه بعد قراءة لائحة الاتهام المؤلفة من 64 صفحة، تبيّن أن الحكومة المجهولة التي يتعاون معها نادر لتقديم المشورة هي دولة الإمارات، بعدما أظهرت اللائحة أن نادر ضخ ما يزيد على 3.5 مليون دولار في تبرعات "غير قانونية" للحملات الانتخابية بواسطة الخواجة، مشيرًة إلى أن الهدف من وراء ذلك، كان يتمثل بكسب نفوذ وتأثير واشنطن، من خلال تقديمها التبرعات في البداية لحملة كلينتون الانتخابية، قبل أن يتحول الدعم لصالح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد فوزه بالانتخابات.

السلطات الأمريكية تحتجز نادر بتهم جنسية

يأتي تقرير نيويورك تايمز في وقت تقود لجان الديمقراطيين في مبنى الكابيتول هيل تحقيقات تهدف لعزل ترامب من منصبه بسبب مكالمته مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وسط الحديث عن محاولة إدارة ترامب توجيه الاتهامات لأوكرانيا بالتدخل في انتخابات الرئاسة الأمريكية السابقة، ضمن نطاق ما يعرف بـ"نظرية المؤامرة" داخل أروقة أنصار البيت الجمهوري، بهدف إبعاد الشبهات عن موسكو المتهم الرئيسي بالتدخل في الانتخابات الرئاسية لصالح ترامب.

وكان نادر واحدًا من بين مجموعة أشخاص خضعوا لاستجواب المحقق الخاص روبرت مولر في قضية تدخل موسكو بانتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2016، بسبب علاقته الوثيقة مع الإمارات التي شملها مولر ضمن قائمة الدول المرتبطة بإمكانية تدخلها بالانتخابات، حيثُ تحدث عن دوره في عقد اجتماع في جزيرة سيشيل بطلب من محمد بن زايد قبل أيام من تولي ترامب منصبه رسميًا، بمشاركة مستثمر روسي مقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومؤسس شركة بلاكووتر الأمنية إيريك برنس، الذي كان يتولى حينها منصب المستشار غير الرسمي لفريق ترامب أثناء فترة انتقال الرئاسة.

وفي الوقت الراهن تحتجز السلطات الأمريكية نادر داخل أحد السجون لحيازته مواد إباحية للأطفال، حيثُ يواجه عقوبة بالسجن قد تصل إلى 40 عامًا في حال ثبتت التهم الموجهة إليه، وهذه ليست المرة الأولى التي يواجه نادر تهمًا بحيازته مواد إباحية للأطفال، فقد أشارت تقارير سابقة إلى أن مستشار ولي العهد الإماراتي واجه تهمًا باستيراده مواد إباحية للأطفال في عام 1985 قبل أن تسقط التهم لأسباب فنية، حيثُ حكم بالسجن لمدة ستة أشهر فقط، كما حكم عليه القضاء التشيكي بالسجن لمدة عام بعد إدانته بارتكاب 10 جرائم تتعلق بالاستغلال الجنسي ارتكبت بين عامي 1999 – 2002.

نظم مؤتمرًا لمهاجمة قطر

تدعم التقرير الذي نشرته نيويورك تايمز الأمريكية بالاستناد للائحة الاتهام التي وجهتها وزارة العدل لرجل الأعمال الأمريكي، مجموعة تقارير سابقة كانت نُشرت خلال العام الجاري تتحدث عن استمراره بتلقي الأموال من دولة الإمارات، حتى في الفترة التي أعقبت خضوعه للاستجواب بصفة "شاهد متعاون" في تحقيق التدخل الروسي بالانتخابات الأمريكية، بحسب ما أظهرت السجلات المصرفية عن ورود مبلغ 5 ملايين دولار من الإمارات في تشرين الثاني/نوفمبر للعام الماضي.

 كما أظهرت رسائل إلكترونية عن وجود علاقة وطيدة بين نادر والمستثمر وجامع التبرعات للحزب الجمهوري إليوت برويدي، كان من ضمنها تنظيمهم لمؤتمر في معهد هدسون ضد دولة قطر في تشرين الأول/أكتوبر عام 2017، وأثارت لاحقًا نشاطات برويدي اهتمام السلطات الفيدرالية، بالأخص بعد حديث أحد الأشخاص المرتبطين مع برويدي عن تعاملاته التجارية للسلطات الفيدرالية، فضلًا عن منحه مبلغ مائة ألف دولار لكل من مستشار ترامب السابق ستيف بانون، ووزير الدفاع الأمريكي السابق روبرت غيتس، ومبلغ 50 ألف دولار لديفيد بتريوس الذي شغل مناصب قيادية في الجيش الأمريكي سابقًا، وكانت الأموال المقدمة بمثابة رسوم لخطاباتهم الموجهة ضد قطر في المؤتمرات التي يحضرونها.

وبالطبع فإن ضخ الأموال في الانتخابات الأمريكية لا يقتصر على الإمارات، إنما يشمل كذلك حليفتها المباشرة الرياض، فقد أشارت تقارير سابقة إلى أن جماعات ضغط سعودية عرضت على عسكريين قدامى بالولايات المتحدة رحلات مجانية إلى العاصمة واشنطن، إذا تمكنوا من الضغط على أعضاء في الكونغرس بمواجهة قانون ضد السعودية، مضيفًة أن الجماعة حجزت أولًا في فنادق بشمال فيرجينيا، وبعد انتخاب ترامب قامت بتغيير الحجز لفندق ترامب في واشنطن حتى نهاية الرحلة، وبلغت حصيلة الغرف المحجوزة حينها 500 غرفة بقيمة 270 ألف دولار.

التحول من كلينتون إلى ترامب

بالعودة لتقرير الصحيفة الأمريكية المرتبط بلائحة اتهام وزاة العدل، يصف مدير مبادرة شفافية التأثير الخارجي في مركز السياسة الدولية بن فريمان الإمارات بأنها "رمز لصناعة النفوذ الأجنبي ككل"، ويضيف بأنها "جيدة بشكل استثنائي" في ذلك، ويوضح فريمان حديثه بقوله: "هذا مثال إلى أي مدى هم على استعداد للذهاب من أجل إنجاز المهمة: قائد حليف مزعوم للولايات المتحدة انتهك بشكل مباشر قوانين تمويل الحملات الأمريكية، لتحويل الأموال إلى سياسيّين.. هذا جنون بالنسبة إلي".

وفيما رفضت الإمارات التعليق على أسئلة نيويورك تايمز عبر أحد دبلوماسييها في سفارتها بواشنطن، فقد أشار التقرير إلى أن رجل الأعمال الخواجة، وجهت إليه لجنة التجارة الفيدرالية اتهامات بمساعدته مواقع إلكترونية في غسل الأموال خلال عام 2009 و2018، واستطاع التوصل لتسوية مع السلطات الأمريكية في المرتين، حيث تنازل في الأولى عن مبلغ 13 ميلون دولار، فضلًا عن تنازله في المرة الثانية عن قصر في بيفرلي هيلز بقيمة 15 مليون دولار.

وبدأ الخواجة بتقديم التبرعات السياسية بعد لقاءه مع نادر في إحدى زيارته التي كان يجريها للإمارات في عام 2015، وفي العام التالي بدأ الخواجة منح تبرعات بمئات الآلاف من الدولارات لحملات الديمقراطيين، واستطاع الوصول إلى جميع الفعاليات التي ضمت كلينتون وكبار مستشاريها، فقد أظهرت واحدة من بين الرسائل المتبادلة بين الخواجة ونادر، كتابة الخواجة رسالة للأخير يقول فيها: "وصلت قطع بقلاوة صغيرة.. وصلت صباح اليوم 2.7 قطعة"، وفي رسالة أخرى كتب نادر: "حظيت باجتماع رائع مع الأخت الكبرى.. (ص.س.) ستسر كثيرًا".

اقرأ/ي أيضًا: مرتزقة ابن زايد في خدمة ترامب.. دحلان ونادر على رأس قائمة المتورطين

ولاحقًا بعد فوز ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية، تحوّلت تبرعات الإمارات السياسية لصالح الجمهوريين بحسب ما ذكرت الصحيفة الأمريكية، مشيرًة إلى أن الخواجة بعد يوم من الانتخابات ضخ مبلغ مليون دولار تبرعات لمراسم تنصيب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، وبعد شهر من ذلك كتب في رسالة موجهة لنادر: "لا أستطيع التحدث.. أنا مع ترامب الآن"، برفقة صورة تجمعه مع ترامب ضمن حفل لجمع التبرعات بمانهاتن.

لاحقًا بعد فوز ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية، تحوّلت تبرعات الإمارات السياسية لصالح الجمهوريين بحسب ما ذكرت الصحيفة الأمريكية

توضح الصحيفة الأمريكية أن الجمهوريين تجنبوا إثارة الأسئلة بشأن التغيير المفاجئ الذي طرأ على تبرعات الخواجة السياسية، أو حتى أنهم لم يبحثوا وراء مصدر الأموال، مضيفًة أن برويدي بعد أن علم بضخ الخواجة المزيد من الأموال لصالح حملة ترامب الانتخابية، كتب لأحد أعضاء الحزب الجمهوري يقول: "أعتقد أننا نعرف أن جميع الأموال التي تتلقاها اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري مقبولة.. اسأل عن أقصى حد من الأموال يمكنك الحصول عليه.. وتأكد من دعوة مصدر السيولة الخواجة، لحضور حفل الكريسماس في البيت الأبيض".

 

اقرأ/ي أيضًا:

يخت الخراب.. القمة السرية للعبث بالشرق الأوسط

جورج نادر.. استغلال الأطفال جنسيًا على رأس تهم مرتزق ابن زايد في واشنطن