22-يونيو-2023
gettyimages

صدرت عشرات التقارير التي تكشف تواطؤ أجهزة الأمن الإسرائيلية مع فتية التلال (Getty)

اقتحمت مجموعات كبيرة من المستوطنين، قرى ترمسعيا وبيت فوريك وعورتا وحوارة واللُبَّن الشرقية والساوية وزعترة، وياسوف، ودير شرف، وغيرها من القرى والبلدات بالضفة الغربية المحتلة، مع تنفيذ اعتداءات واسعة، شملت حرق المنازل والمركبات، وإطلاق النار، مما أدى إلى استشهاد الشاب عمر جبارة.

تذكر اعتداءات أمس بالهجمة التي قام بها مئات المستوطنين ضد بلدة حوارة في شباط/فبراير الماضي

ورصد مسؤول ملف الاستيطان في شمالي الضفة الغربية غسان دغلس، إصابة 38 فلسطينيًا بجراح، فيما تعرضت 174 مركبةً و27 منزلًا لحرق بين كلي وجزئي، وأن الاعتداءات طالت 10 قرى وبلدات فلسطينية واقعة على طول الخط الواصل بين شمال الضفة الغربية ووسطها.

من اعتداءات المستوطنيين في ترمسعيا

فتية التلال

وتُذكر اعتداءات ليلة أمس، بهجوم المئات من المستوطنين على بلدة حوارة في شهر شباط/فبراير الماضي، حيث أحرق نحو 70 منزلًا، و90 مركبة، واستشهاد أحد سكان البلدة، وإصابة العشرات.

ويقف وراء هذه الاعتداءات، مجموعات من المستوطنين المتطرفين، المنضوية تحت مسميات مختلفة، أبرزها "فتية التلال"، الذين يقطنون في بؤر استيطانية غير قانونية حتى في تعريف حكومة الاحتلال، وتنتشر في أنحاء الضفة الغربية، ويتجمعون في مجموعات تقوم على الاستيطان الرعوي ووتنفيذ الاعتداءات، حيث يقومون برعي المواشي ما بين التلال والمنحدرات الجبلية في الضفة، بهدف تحقيق التمدد على حساب مساحات الرعي الخاصة بالفلسطينيين.

تتكون مجموعات "فتية التلال"، من المستوطنين الشبان، الذين لا تتجاوز أعمارهم العشرينات، أما أعدادهم فلا توجد إحصائيات دقيقة، لكن بمقارنتهم بباقي المجموعات الاستيطانية، هم الأقل عددًا، وتشير التقديرات إلى أن أعدداهم تتراوح ما بين 400 إلى 500، ينتشرون في نحو 50 بؤرة استيطانية، و30 مزرعة رعوية في أنحاء الضفة الغربية.

لا يشكل "فتية التلال" روابط أسرية، كما العائلات القاطنة في المستوطنات، ويصنف قسم منهم ضمن الجيل الثاني من المستوطنين الذين شكلوا أولى المستوطنات في الضفة الغربية، ويسعون إلى فرض التمدد الاستيطاني بالضفة الغربية من خلال الاستيطان في قمم جبال الضفة، بالإضافة إلى مجموعات أخرى متدينة، يختلط فيها الجانب القومي والديني، ويقومون عادةً بتأسيس مدارس دينية داخل هذه البؤر، التي تتحول إلى مركز المستوطنة الجغرافي والفكري، ومن خلال يتم بث أفكار الكراهية والتخطيط للهجوم على البلدات الفلسطينية.

getty

متطرفون يتبنون الصهيونية الدينية

وبدأ التشكيل الفعلي لمجموعات "فتية التلال"، بعد توافد العديد من شبان المستوطنين تلبيةً  لنداء رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرئيل شارون عام 1998 للسيطرة على التلال والمرتفعات في الضفة الغربية، قائلًا: "يجب على كل شخص التوجه للاستيلاء على أكبر قدر من التلال، فكل ما نسيطر عليه يبقى معنا، وكل ما لا نسيطر عليه يبقى معهم"،  الأمر الذي اعتبر انطلاقة  لعمل تلك المجموعات وفق استراتيجية السيطرة على التلال، من خلال الدفع بمجموعات متطرفة من المستوطنين مع توفير الدعم المادي واللوجستي لها تحت غطاء من عناصر حكومية غير راضية عن وتيرة الاستيطان الرسمي.

وتتبنى هذه المجموعات الصهيونية الدينية كايديولوجيا، ويصف بعضها بالتيارات "الحردلية" التي تجمع بين التشدد الديني والقومي، فهم يؤمنون بما يُسمّى بـ"أرض إسرائيل الكبرى"، متشبعين بمجموعة من الأفكار الإيديولوجية المتطرفة والعنصرية، تجاه الفلسطينيين والعرب، وهذا ما يظهر من كتاباتهم على جدران منازل الفلسطينيين التي يعتدون عليها، مثل: "الموت للعرب"، "اليهود لا يسكتون"، "إما الطرد أو الموت"، ضمن السياسة المعروفة بـ "جباية الثمن"، والمتمثلة في مهاجمة قرى الفلسطينيين، والاعتداء على ممتلكاتهم وتحطيم سياراتهم واحراق منازلهم.

getty

ومصطلح بؤر استيطانية غير قانونية، يستخدمه جيش الاحتلال وإعلامه للدلالة على المستوطنات التي تقام بمبادرة ذاتية من قبل المستوطنين أنفسهم، بدون الحصول على تصاريح بناء وفوق مناطق فلسطينية خاصة، وهي في الغالب معاقل لمجموعات "فتية التلال" التي تنطلق منها لتنفذ هجماتها ضد الفلسطينيين، وهذه البؤر هي: "غفعات لهيفا"، "تكوما"، "ميجد شمايم"، "حفات شاكيد"، "نحلاة"، "شلهيبت"، "شلهيبت هـ"، "كومي أوري"، وهي بؤر تتبع لمستوطنة "يتسهار" الواقعة في جنوب محافظة نابلس، ويقدم جيش الاحتلال لتلك البؤر الحماية والكهرباء والمياه.

مئات الجرائم

نفذ عناصر "فتية التلال"، مئات الاعتداءات والجرائم بحق الفلسطينيين، في قراهم، من خلال رشق سياراتهم على الطرق السريعة، كما قادوا عمليات تخريب مثل تقطيع الأشجار، وحرق الأراضي، والاعتداء على المساجد والمدارس في القرى المحاذية للمستوطنات.

أثار الهجوم على حوارة

ولعل أبرز جرائم تلك المجموعات، جريمة خطف الطفل محمد أبو خضير من حي شعفاط بالقدس، الذي عذب وأحرق وهو على قيد الحياة، وعثر على جثته في أحراش دير ياسين، والجريمة التي ارتكبت بإحراق منزل لعائلة "دوابشة"، في قرية دوما جنوبي نابلس، والتي راح ضحيتها رضيع ووالديه حرقًا، بعد إلقاء زجاجات حارقة على منزلهم خلال نومهم، في حين أصيب ابنهم الصغير أحمد، بحروق تجاوزت 60% من جسمه.

تواطؤ رسمي

وصدرت عشرات التقارير الإعلامية والحقوقية، التي تُقر بوجود تواطؤ بين المستوطنين وجيش الاحتلال والحكومة الإسرائيلية، التي تمت بعض الاعتداءات بحماية جيش الاحتلال، بالإضافة إلى تواطؤ لاحق مع شرطة الاحتلال، التي تتقاعس عن التحقيق في جرائم المستوطنين.

وتحدثت عشرات التقارير عن تواطؤ أجهزة الأمن الإسرائيلية مع "فتية التلال"، ففي تقرير لقناة "سي إن إن"الأمريكية، تحدث عن أن جيش الاحتلال الإسرائيلي لم يقم بمنع المستوطنين من الهجوم على بلدة حوارة في شباط/فبراير الماضي، ولم يقم بحماية طواقم الإسعاف التي دخلت للبلدة، وعندما ألقى سكان حوارة الحجارة ردًا على اعتداءات المستوطنين، أطلق الجيش النار على الفلسطينيين، بالمقابل لم يقم الجيش إلا باعتقال مجموعة صغيرة من المعتدين، تم إطلاق سراحهم جميعًا دون لوائح اتهام.

ويفرد التحقيق مساحة للشهادات من داخل بلدة حوارة، كما يقدم شهادة لجندي في جيش الاحتلال، يعترف بأنهم سمحوا للمستوطنين بالتقدم، وأكد الجندي الإسرائيلي على أنه "كان من الممكن تفادي الحرائق وأعمال العنف لو استخدم الجيش القوة ضد المستوطنين لمنعهم من دخول حوارة في المقام الأول"، مضيفًا: "لديك مجموعة من العشرات من الأشخاص الذين تراهم متحمسين، ويبدأون في السير نحو حوارة، وهم مقنعون وقد يحمل بعضهم سكاكين. ماذا تعتقد أنهم سيأتون ليفعلوا؟ في هذه المرحلة، كان على الجيش أن يبدأ في إطلاق الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت والبدء في صدهم"، وتابع الجندي: "في البداية أحرقوا مسجدًا ثم أحرقوا 10 منازل، وفي المرحلة التي بعدها سيحرقون نصف حوارة، وفي المرحلة التالية لن تكون هناك حوارة".

getty

كما تبع الهجوم تصريحات لوزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش، والذي اعتبر "أن محو حوارة هي مهمة الدولة، وليس على عاتق المستوطنين".

كما نشرت وزارة الخارجية الأمريكية، تقريرًا وصل إلى نتيجة مفادها أن جيش الاحتلال لم يمنع في كثير من الأحيان هجمات المستوطنين في الضفة الغربية على المدن والبلدات الفلسطينية، كما أنه لم يقم بمحاسبة المستوطنين على هذه الهجمات.

اقرأ/ي: فيديو | مستوطنون يقيمون بؤرة جديدة بين سنجل واللبن الشرقية

المستوطنون يعاقبون عوريف بقطع الكهرباء عنها

وقدم التقرير، بيانات مراقبة الأمم المتحدة التي تحدثت عن أنه ووفقًا لجهاز المخابرات الإسرائيلية "الشاباك"، كانت هناك زيادة كبيرة في الهجمات من ناحية العدد والشدة والنطاق الجغرافي في العام 2021. واتسعت لتشمل المناطق المصنفة "أ" وفق اتفاق أوسلو، وهي المناطق الخاضعة للسيطرة الأمنية والمدنية للسلطة الفلسطينية، كما تتصاعد حدة الهجمات والأضرار الناتجة عنها.

وذكر التقرير أن "مراقبي الأمم المتحدة وثقوا 496 هجومًا للمستوطنين الإسرائيليين ضد الفلسطينيين، بما في ذلك 370 هجومًا أسفر عن أضرار في الممتلكات، و126هجومًا أسفرت عن إصابات، ثلاثة منها كانت قاتلة".

getty

وبحسب التقرير، تغيرت خصائص الهجمات، ففي السنوات السابقة، كانت الهجمات متفرقة، وينفذها أفراد أو مجموعات صغيرة من أربعة إلى خمسة مستوطنين، لكن الهجمات من عام 2021، تنفذها مجموعات كبيرة من عشرات المستوطنين، ما يشير إلى أن "الهجمات كانت على الأرجح مخططة مسبقًا".

وشدد التقرير على أن جيش الاحتلال، لم يمنع في غالبية الأحيان "هجمات المستوطنين، ونادرًا ما اعتقلوا أو اتهموا مرتكبي أعمال العنف". ويشير التقرير، إلى أن "بعض المنظمات غير الحكومية الإسرائيلية، تؤكد وجود أفراد من الجيش الإسرائيلي خلال بعض الهجمات، وتتهم المنظمات غير الحكومية، الجنود بالتساهل وإتاحة الأجواء لاعتداءات المستوطنين دون التدخل لمنعهم".

تصاعد وتيرة هجمات المستوطنين

وسبق أن ظهرت عدة تقارير حقوقية فلسطينية، وأخرى لمنظمات حقوقية إسرائيلية مناهضة للاحتلال، مثل منظمة "بتسيلم"، التي نشرت تقريرًا بعنوان "عنف المستوطنين يساوي عنف الدولة"، كما تحدثت منظمة "يش دين" الإسرائيلية، عن انعدام تقديم لوائح اتهام ضد المستوطنين، على خلفية أعمال العنف التي ينفذونها بالضفة الغربية.

نشرت وزارة الخارجية الأمريكية، تقريرًا وصل إلى نتيجة مفادها أن جيش الاحتلال لم يمنع في كثير من الأحيان هجمات المستوطنين في الضفة الغربية على المدن والبلدات الفلسطينية، كما أنه لم يقم بمحاسبة المستوطنين على هذه الهجمات

وبحسب التقارير، فقد شهد عام 2021 تصاعدًا في أعمال العنف التي يقوم بها المستوطنون ضد الفلسطينيين، فقد سجل 410 اعتداءً، منها 302 ضد الممتلكات، و108 ضد الأفراد، وأشار التقرير أن الجيش الإسرائيلي لا يوثق تلك الاعتداءات. وكشف التقرير أن وتيرة الاعتداءات ارتفعت مقارنة مع عام 2020، الذي سجل فيه 385 اعتداءً، وعام 2019 الذي سُجل فيه 335 اعتداءً.