21-يونيو-2023
gettyimages

يخشى جيش الاحتلال من تنفيذ عملية عسكرية في شمال الضفة الغربية، تصل إلى قطاع غزة (Getty)

تتصاعد الحالة النضالية في شمال الضفة الغربية، بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة، مع تحولها إلى أدوات وعمليات أكثر نوعية. وبالتزامن مع ذلك، يخرج قادة المستوطنين والعناصر الأكثر تطرفًا في حكومة الاحتلال، للمطالبة بتنفيذ عملية "السور الواقي 2"، ومحاولة الضغط داخل دولة الاحتلال من أجل تنفيذ عملية عسكرية في شمال الضفة الغربية المحتلة.

من يعيش واقع الضفة الغربية، فهو يدرك تمامًا، وجود عملية عسكرية إسرائيلية "منخفضة الوتيرة"، مع انتشار كثيف لقوات الاحتلال على الطرق الرابطة بين مدن الضفة الغربية، واستمرار الاقتحامات الإسرائيلية اليومية لمدن الضفة، وعمليات إعدام واعتقالات مكثفة

وتبرز هذه الدعوات خلال الأيام الأخيرة، بعد تفجير عبوة ناسفة في مركبة عسكرية تابعة لجيش الاحتلال خلال اقتحامها مدينة جنين يوم الإثنين 19 حزيران/ يونيو، ومن ثم تنفيذ عملية إطلاق نار في مستوطنة عيلي على طريق رام الله نابلس يوم الثلاثاء 20 حزيران/ يونيو، أسفرت عن مقتل أربعة مستوطنين واستشهاد المنفذين.

الضفة الغربية بالأرقام

بحسب تقديرات إسرائيلية، فقد شهدت الضفة الغربية خلال العام الحالي 147 عملية، من بينها 120 إطلاق نار، سواء تجاه المستوطنات أو المعسكرات الإسرائيلية أو تجاه المستوطنين، مثلما حصل في مستوطنة عيلي، بدون احتساب الاشتباكات المسلحة داخل مدن الضفة الغربية.

بودكاست مسموعة

وتُعدّ عملية مستوطنة "عيلي" سادس عملية تقع فيها إصابات في صفوف المستوطنين، منذ بداية شهر حزيران/ يونيو الحالي. ومنذ بداية العام الجاري قتل 28 إسرائيليًا، مقابل 34 قتيلًا خلال العام الماضي، و20 مستوطنًا في الفترة نفسها من العام الماضي. وزعمت سلطات الاحتلال، إحباط 375 عملية، خلال العام الحالي.

تحريض إسرائيلي

وعقب عملية إطلاق النار في مستوطنة عيلي، وصل وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير، إلى مستوطنة عيلي، وقال: "الوقت قد حان لشن عملية عسكرية، في الضفة الغربية"، داعيًا إلى فرض الحواجز على طرق الضفة الغربية وترحيل عائلات منفذي عمليات إطلاق النار وسن قانون الإعدام للأسرى.

وقالت عضوة الكنيست الإسرائيلي عن الصهيونية الدينية أوريت ستروك: "نحن بحاجة إلى تغيير موقفنا، فالجيش لا يفعل كل ما في وسعه، ولا يمنع حرية تنقل الفلسطينيين على الطرقات المؤدية إلى المستوطنات، الفلسطيني الذي لا يستطيع دخول تل أبيب، لن يتمكن من المرور بالقرب من [مستوطنة] عيلي. مستوطنون عيلي حياتهم لا تقل قيمة عن مستوطنين تل أبيب".

getty

من جانبه، طالب رئيس مجلس مستوطنات الضفة الغربية شلومو نعمان، بحصار القرى في الضفة الغربية وإغلاق الطرق و"الدخول من منزل إلى منزل ومواجهة ’أعشاش الدبابير’"، وفق تعبيره.

وأشارت عضوة الكنيست ليمور سون هار ميلخ من حزب عوتسما يهوديت، إلى اقتحام الجيش الإسرائيلي لمدينة جنين، وقالت: إن "ما يحدث اليوم في جنين، يذكرنا بالعملية التي جرت في غزة ولبنان"، وعقب عملية مستوطنة عيلي دعت إلى تنفيذ عملية السور الواقي 2 بالضفة الغربية.

ودعت عضوة الكنيست عن حزب الليكود تالي جوتليب إلى فرض عقوبات جماعية على الفلسطينيين بعد عملية عيلي.

getty

وقال عضو الكنيست تسفي سوكوت (الصهيونية الدينية): "أشعر بالخجل بصفتي عضو كنيست من الائتلاف. ليس من المنطقي أننا في وضع يكون فيه كما لو أن إيهود باراك أو بيني غانتس هم وزراء الأمن"، وأضاف "يجب أن نجمع الأسلحة، يجب أن نشن عملية واسعة في شمال الضفة، ’السور الواقي الآن!’".

وقال عضو الكنيست وعضو لجنة الشؤون الخارجية والأمن داني دنون (عن الليكود): "العملية العسكرية في الضفة الغربية الآن!".

وقال رئيس حزب إسرائيل بيتينو وعضو الكنيست من المعارضة أفيغدور ليبرمان: "لقد حان الوقت لكي تستيقظ الحكومة الإسرائيلية وتشرع في عملية عسكرية واسعة النطاق في الضفة الغربية". 

getty

نقاش أمني

بعد عملية مستوطنة عيلي، جاء القرار الإسرائيلي الأول، بتعزيز قوات جيش الاحتلال في الضفة الغربية، بثلاث كتائب إضافية، وذلك على هامش عقد جلسة تقييم للوضع بمشاركة وزير الأمن ورئيس هيئة أركان جيش الاحتلال وكبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية، وناقش الاجتماع خطط طوارئ لمواجهة الحالة النضالية، وبالتركيز على شمال الضفة الغربية.

ودار الخلاف في الاجتماع السابق وفي التقييمات لإمكانية تنفيذ عملية عسكرية في الضفة الغربية، حول "فعالية هذه الخطوة، وتداعياتها على الأرض ووضع السلطة الفلسطينية"، رغم تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل تقييم الوضع، بالقول: "كل الخيارات مفتوحة. سنواصل محاربة ’الإرهاب’ بكل قوتنا وسنهزمه"، وفق تعبيره.

وعلى نفس النسق، قال وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت: "سنتصرف بأي طريقة ضرورية ونصل إلى أي مكان حفاظًا على حريتنا في العمل، كل الخيارات مطروحة على الطاولة ".

وبحسب هيئة البث الإسرائيلية ونقلًا عن مسؤول سياسي، فإن القلق يدور حول إمكانية تطور "العملية إلى ساحات إضافية" في إشارة إلى إمكانية دخول قطاع غزة إلى خط المواجهة، فيما تخشى المؤسسة الأمنية من أن عملية إسرائيلية واسعة يمكن أن تساهم في المزيد من إضعاف السلطة الفلسطينية.

ونقل موقع "واي نيت (يديعوت أحرونوت)" عن مصادر إسرائيلية أن العملية العسكرية لن تنطلق في شمال الضفة الغربية بالوقت القريب، حيث يرغب نتنياهو وغالانت بالحفاظ على "عنصر المفاجأة"، مع الإشارة إلى اعتبارات سياسية دولية.

وعلى نمط الجلسات الأمنية السابقة، فإن نتنياهو لم يقم بدعوة إيتمار بن غفير (أجرى مشاورات مع مكتب نتنياهو فقط) إلى هذه الجلسة رغم توليه وزارة أمنية، وفضل دعوة وزير الشؤون الاستراتيجية المقرب منه رون ديرمر. وأشارت مصادر إسرائيلية إلى ارتباط ذلك في تسريب بن غفير محتوى الجلسات الأمنية للإعلام، فيما  وصف بن غفير من قبل مسؤول إسرائيلي بـ "كلب ينبح لا يعض".

واعترض بن غفير على عدم دعوته للاجتماع، بالقول: إن دوره "اتخاذ القرارات وليس الحصول على إحاطات".

getty

مناطق متفجرة

من جانبه، أشار المعلق العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت يوسي يهوشواع، إلى أن الجيش تحدث عدة مرات عن شمال الضفة الغربية باعتباره منطقة متفجرة، موضحًا " على الرغم من أن الأرقام ما زالت لا تذكر بأيام الانتفاضة الثانية. لكن من الواضح أن المجموعات في المنطقة يعملون بثقة متزايدة في النفس وبجرأة كبيرة".

اقرأ/ي: ايتمار بن غفير خارج الاجتماعات الأمنية ولا أحد يستمع له

جيش الاحتلال: تعرضنا لكمين غير مألوف وعبوات متطورة في جنين

أمّا عن إمكانية تنفيذ عملية واسعة في شمال الضفة الغربية، فقد أكد على أن مخططات الجيش تشير إلى عملية محدودة ومحددة وقصيرة، داعيًا إلى نسيان إمكانية تنفيذ "عملية على نسق السور الواقي".

وأضاف يهوشواع أن جيش الاحتلال متفق مع نتنياهو وغالانت على عدم التوجه إلى تنفيذ عملية عسكرية في شمال الضفة الغربية في هذه المرحلة.

getty

هل يدفع اليمين نحو العملية؟

يرى المعلق العسكري لصحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل أن عملية عيلي من المتوقع أن تدفع إلى تسريع الاستعدادات لعملية عسكرية واسعة النطاق في شمال الضفة الغربية، مستدركًا: "إذا بدأت العملية، فستتم بشكل أساسي بسبب ضغوط الساحة السياسية".

وأكد هارئيل على وجود تحفظات لدى جيش الاحتلال تجاه العملية، قائلًا: "من المرجح أن تسعى المؤسسة الأمنية إلى الاكتفاء بعملية محدودة لبضعة أيام تهدف إلى تهدئة الأمور مؤقتًا على الأرض، ولاسترضاء مطالب اليمين".

وقبل يوم من عملية "عيلي" عرض هارئيل مواقف المؤسسة الأمنية من عملية كبيرة في شمال الضفة الغربية، مشيرًا إلى أن جيش الاحتلال لديه تحفظات كبيرة على هكذا عملية، فيما تنخفض هذه التحفظات لدى جهاز الأمن العام "الشاباك"، وذلك نتيجة جودة العبوات الناسفة التي تصنع بالضفة الغربية، والخوف من انتشار بؤر المقاومة في شمال الضفة الغربية بشكلٍ أكبر.

getty

وأكد هارئيل على أن الجيش متردد في تنفيذ عملية كبيرة، موضحًا أن رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال يعتقد أن الاقتحامات الحالية كافية، مضيفًا: "كما يرى ، فإن المعلومات الاستخبارية الدقيقة التي قدمها الشاباك والاستخبارات العسكرية تمكن الجيش من استهداف المجموعات المسلحة دون الانجرار إلى عملية تتضمن الاستيلاء على الأراضي، الأمر الذي قد يؤدي إلى تحولها إلى قضية طويلة ومعقدة". 

أمّا موقف الشاباك فهو يتغير نتيجة تزايد استخدام العبوات الناسفة من قبل المقاومة الفلسطينية، والخشية من توسعها واستخدامها على الطرق الاستيطانية. يشار إلى أن عبوة جنين، لم تكون الأولى، فقد سبق واستخدمت في نابلس ومخيم طولكرم، والمختلف في جنين كان حجم العبوة وإيقاع إصابات في صفوف جيش الاحتلال.

getty

من جانبه، يوضح الباحث أول في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي عوفر شيلح، أن تحفظ الجيش الإسرائيلي من عملية عسكرية بالضفة الغربية، مرتبط تحديدًا بـ"اليوم التالي"، وماذا سيحصل خلال وبعد هذه العملية، والقلق من إمكانية اندلاع مواجهة واسعة مع قطاع غزة.

من جانبه، يشير المعلق العسكري في صحيفة معاريف طال ليف رام، إلى أن جيش الاحتلال يجد صعوبة في مواجهة العمليات، من نمط عملية عيلي، مؤكدًا على أن المعضلة الحالية هي "اختيار نمط العمل في شمال الضفة"، موضحًا أن جيش الاحتلال وحتى يوم أمس كان بعيدًا عن دعم عملية عسكرية واسعة النطاق في شمال الضفة الغربية.

getty

عملية قيد النظر

المحلل العسكري في صحيفة "يسرائيل هيوم" يوآف ليمور، يشير إلى أن عملية واسعة النطاق في شمال الضفة الغربية، قيد النظر من عدة أشهر، وذلك نظرًا لتصاعد المقاومة، وانتشار كميات كبيرة من الأسلحة في الضفة الغربية، وتزايد استخدام العبوات الناسفة، وغياب سيطرة السلطة الفلسطينية.

وأضاف ليمور، أن كل هذه الأمور ستؤدي في نهاية المطاف إلى تنفيذ جيش الاحتلال عملية واسعة في نطاق الضفة الغربية، أمّا محفزاتها فهي، عملية كبيرة في الضفة الغربية، وتراكم معلومات استخبارية لدى الاحتلال عن أهداف يمكن أن تساهم في إحداث ضرر في البنية التحتية للمقاومة في شمال الضفة الغربية.

ويتابع ليمور، بالإشارة إلى أن المعيار الثاني لم يتحقق لدى سلطات الاحتلال، و"إلّا لكانت إسرائيل قد شنت العملية منذ وقت طويل"، مضيفًا أن تنفيذ عملية "مع امتلاك معلومات استخبارية محدودة، خيار ممكن في حال طلب المستوى السياسي تنفيذها"، لكن ليمور يشرح مخاطر ذلك، بالإشارة إلى أن العملية قد تحتاج إلى وقت طويل، وتنتهي بدون "إنجازات واضحة" مع انتقادات دولية كبيرة، وإمكانية تطورها إلى مواجهات مع قطاع غزة وفي الشمال.

وقالت المراسلة العسكرية في "يسرائيل هيوم" ليلاخ شوفال، إن خيار تنفيذ عملية عسكرية واسعة في شمال الضفة مطروح بالفعل على مكتب وزير الجيش يوآف غالانت، لكن هناك خلافات في الرأي داخل المؤسة العسكرية والاستخبارية حول ضرورة هذه العملية وفعاليتها.

زكي وزكية الصناعي

وكشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، اليوم الأربعاء، عن تحذيرات أمريكية، وصلت للحكومة الإسرائيلية، تسعى إلى تثبيط الحديث الإسرائيلي عن عملية عسكرية بالضفة الغربية، مشيرةً إلى أن عملية عسكرية بالضفة، تعني إحباط الجهود الأمريكية من أجل تطبيع العلاقات بين تل أبيب والرياض.

وعمومًا يتصاعد التحريض الإسرائيلي عقب الاقتحام الإسرائيلي الواسع لمدينة جنين، والذي أسفر عن استشهاد 7 فلسطينيين، وتفجير عبوة ناسفة في دورية لجيش الاحتلال، مع الإشارة إلى إمكانية توسع الحالة النضالية.

وفي ظل المعطيات الحالية، سيتجه جيش الاحتلال نحو تعزيز تواجد عناصره بالضفة الغربية، بالإضافة إلى تنفيذ حملات اعتقالات واسعة، وتكثيف الاقتحامات في مدن الضفة الغربية المحتلة وزيادة انتشار عناصر على جدار الفصل العنصري، مع ترقب الحالة في الضفة الغربية، قبيل اتخاذ أي قرار لتنفيذ عملية عسكرية واسعة.

يرى المعلق العسكري لصحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل أن عملية عيلي من المتوقع أن تدفع إلى تسريع الاستعدادات لعملية عسكرية واسعة النطاق في شمال الضفة الغربية، مستدركًا: "إذا بدأت العملية، فستتم بشكل أساسي بسبب ضغوط الساحة السياسية"

أمّا من يعيش واقع الضفة الغربية، فهو يدرك تمامًا، وجود عملية عسكرية إسرائيلية "منخفضة الوتيرة"، مع انتشار كثيف لقوات الاحتلال على الطرق الرابطة بين مدن الضفة الغربية، واستمرار الاقتحامات الإسرائيلية اليومية لمدن الضفة، وعمليات إعدام واعتقالات مكثفة.