13-سبتمبر-2019

يبدو كل من دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي حريصًا على مسار المفاوضات (Getty)

بعد ساعات من تصريحات نائبة وزير الخارجية الكوري الشمالي تشوي سون هوي التي أبدت فيها رغبة بيونغ يانغ إجراء محادثات شاملة مع واشنطن، أشرف الرجل الأول في البلاد كيم جونغ-أون الثلاثاء الفائت على اختبار راجمة صواريخ عملاقة متعددة الفوهات "فائقة الحجم"، اختبرت خلال إطلاق صاروخين قصيري المدى سقطا في بحر اليابان بعد اجتيازهما مسافة تقدر بـ330 كم.

أظهر ترامب خلال لقائه مع جونغ-أون في المنطقة منزوعة السلاح بين الكوريتين رغبة في إنجاح المحادثات تمثلت بغياب بولتون عن اللقاء، حيثُ يعرف عن الأخير إفشاله لأي حراك دبلوماسي مع بيونغ يانغ

بيونغ يانغ تهدد واشنطن بانهيار المحادثات

قبل إشراف جونغ-أون على التجربة الصاروخية الجديدة، قالت الدبلوماسية الكورية الشمالية إن بلادها ترغب بإجراء مناقشات شاملة مع واشنطن، واقترحت استئناف المحادثات بين الطرفين نهاية الشهر الجاري بالتزامن مع اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تعقد في نيويورك بحضور جميع قادة دول العالم، محذرًة واشنطن من انهيار المحادثات في حال لم تتبن نهجًا جديدًا.

اقرأ/ي أيضًا: ما حقيقة الميزان العسكري بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية؟

وتعليقًا على عرض بيونغ يانغ استئناف المحادثات مع واشنطن، أجاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في رده على سؤال بهذا الشأن بالقول: "من الجيد الالتقاء"، مضيفًا "فلننتظر ما سيحدث"، دون أن يتجاهل التأكيد على ما وصفها بـ"العلاقة الجيدة" التي تربطه مع الزعيم الكوري الشمالي، على الرغم من عدم إرسال بيونغ يانغ ردًا منذ حزيران/يونيو على الدعوات التي وجهتها واشنطن لاستئناف المحادثات بين البلدين.

وكان ترامب قد بدأ مرحلة لكسر عزلة بيونغ يانغ الدولية عندما التقى نظيره الكوري الشمالي لأول مرة في قمة تاريخية استضافتها سنغافورة في حزيران/يونيو 2018، كما التقى الرئيسان مرة ثانية في فيتنام في شباط/فبراير الماضي، إلا أن اللقائين فشلا في توصلهما لاتفاق واضح بشأن طموحات بيونغ يانغ النووية، وفي حزيران/يونيو الماضي قام ترامب بلقاء جونغ-أون في المنطقة منزوعة السلاح بين الكوريتين، واتفقا خلال اللقاء القصير على استئناف الحوار، إلا أن المحادثات لم تبدأ حتى الآن.

بيونغ يانغ تطالب ببديل عن بومبيو لإجراء المحادثات

قدّرت وكالة يونهاب الكورية الجنوبية إجراء بيونغ يانغ منذ أيار/مايو الماضي ما لا يقل عن تسعة اختبارات صاروخية لأنظمة الأسلحة الجديدة، مشيرًة إلى أن مدى الصواريخ التي اختبرت يتراوح ما بين 250 حتى 600 كم، وأن بيونغ يانغ تستفيد في تجاربها الصاروخية من من الوقود الصلب ومنصة الإطلاق المتنقلة، ويؤكد على إرادتها في تطوير الأسلحة التقليدية المتواجدة لديها.

وتعقّد استئناف المحادثات بين واشنطن وبيونغ يانغ الشهر الماضي بعد إجراء الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية مناورات عسكرية وصفتها بيونغ يانغ بأنها "تثير التوتر العسكري" وتحمل "طبيعة عدوانية"، واستبقت كوريا الجنوبية المناورات بإعلانها شراء 44 مقاتلة حربية من طراز F-35 الأمريكية على أن تصل الدفعة الأولى من المقاتلات بعد عامين، حيثُ أشار مسؤولون في بيونغ يانغ إلى أن ذلك يتنافى مع الالتزامات التي أبدتها واشنطن في القمة المشتركة بين البلدين من خلال تعليقها للتدريبات العسكرية مع سيول.

وشهد الشهر الماضي سجالًا حادًا بين وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ومسؤولين كوريين، ظهر واضحًا في التصريحات المتبادلة بين الطرفين، بعدما شدد بومبيو على أن العقوبات المفروضة على بيونغ يانغ ستبقى سارية ما لم تتخذ الأخيرة موقفًا ملموسًا من نزع سلاحها النووي، ما دفع نظيره الكوري الشمالي ري يونج-هو لوصف تصريحاته بأنها "سم الدبلوماسية الأمريكية الزعاف".

وترى بيونغ يانغ أن تواجد بومبيو في المحادثات مع واشنطن يعقّد من إمكانية استئنافها، ويجعل حدوثها "أكثر صعوبة"، حيثُ يعرف عن الدبلوماسي الأمريكي أنه ضمن مجموعة المتشددين في الإدارة الأمريكية التي تضغط في مسار إلغاء العقوبات الاقتصادية مقابل نزع بيونغ يانغ لسلاحها النووي، ومنذ قمة فيتنام طالبت بيونغ يانغ أن يتولى شخص "أكثر نضجًا" الحديث معها عوضًا عن الدبلوماسي الأمريكي.

ماذا تريد بيونغ يانغ من واشنطن؟

على الرغم من إظهار كوريا الشمالية رغبتها الشديدة باستئناف المفاوضات مع واشنطن، فإنها في مقابل ذلك تضغط باتجاه إلغاء العقوبات الاقتصادية عليها دون أن يؤثر ذلك على ترسانتها النووية، وتشير البيانات إلى أن بيونغ يانغ هي الدولة الأضعف بين مجموعة الدول النووية التسعة، إذ إن ترتيبها يقع في المؤخرة بترسانة تضم ما يقارب 60 رأسًا نوويًا، وشهدت السنوات الأخيرة محاولات مستمرة لامتلاكها صواريخ باليستية بعيدة المدى لكن معظمها فشل في الاختبارات.

وفي وقت سابق أشارت صحيفة الغارديان البريطانية إلى محاولة بيونغ يانغ استغلال التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية باستثمارها ذلك من خلال تجاربها الصاروخية التي تثير مخاوف سيول وطوكيو، اللتين تشهد العلاقات الدبلوماسية بينهما بالأساس توترًا واضحًا، فاقم من تصاعده إعلان سيول مؤخرًا شطبها طوكيو من لائحة التجار الشركاء الموثوقين لديها، ما دفع الأخيرة للرد باتخاذ إجراء مماثل.

وتثير تجارب بيونغ يانغ الصاروخية المخاوف لدى الخبراء العسكريين بحسب ما ذكرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، فقد أشار الخبراء إلى أن قدرة بيونغ يانغ الصاروخية يمكنها اختراق الدفاعات الصاروخية الأمريكية المتطورة، محذرين من أن الصاروخ الكوري الشمالي قد يطير على مستوى أقل من مستوى الرادارات الأمريكية، كما أن مناوراته تجعل إمكانية إسقاطه صعبة.

وفي هذا الشأن، تحدثت تقارير عن دراسة الإدارة الأمريكية إبرام صفقة مع بيونغ يانغ تنص على قبول الأخيرة كقوة نووية في حال وافقت على تجميد برنامجها النووي مقابل رفع واشنطن العقوبات المفروضة عليها، وتنص الصفقة على منعها من إنتاج المزيد من الأسلحة النووية دون أن تشترط واشنطن عليها تفكيك الأسلحة الموجودة لديها مسبقًا.

وتتضمن الصفقة كذلك توسيع وصف مركز يونغبيون للأبحاث العلمية النووية الكوري الشمالي  ليشمل المنشآت المختلفة في كافة أنحاء البلاد، على أن يكون من ضمنها إحدى المنشآت التي يعتقد الأمريكيون أن بيونغ يانغ تنتج وقود اليورانيوم فيها.

لهذه الأسباب يريد ترامب وجونغ-أون نجاح المفاوضات

لا يمكن تجاهل مسألة هامة عند الحديث عن زعيم كوريا الشمالية الأول بأنه من أكثر الرؤساء استبدًادًا، إن كان من ناحية إصدار أوامر الإعدام ضد المسؤولين الكوريين الشماليين أولًا، أو التعديل الذي أجري على منصبه مؤخرًا في المرتبة الثانية، بمنحه منصب رئيس حزب العمال، ورئيس لجنة شؤون الدولة أعلى هيئة سياسية في البلاد، فيما تواجه إدارة ترامب في الوقت الراهن أزمة مع الكونغرس الأمريكي بالتزامن مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأمريكية.

لكن ذلك لا يعني أن الزعيم الكوري الشمالي لا يملك معارضة داخلية في إدارته، رغم صورته الاستبدادية التي تروج لها الصحافة الغربية، إذ إن رغبته تتمثل بالحفاظ على برنامج بيونغ يانغ النووي، وإنهاء واشنطن بالوقت عينه للعقوبات المفروضة على بلاده، وهو الأمر الذي يواجه معارضة من صقور الإدارة الأمريكية المتشددين، ويدخل في هذا الإطار تقديم مستشار الأمن القومي جون بولتون أول أمس الثلاثاء لاستقالته.

ورغم ما يُشاع من استبدادية جونغ-أون فإن الزعيم الكوري الشمالي بحسب صحيفة ذا تلغراف البريطانية يواجه ضغوطًا داخلية من الذين شككوا بقرار مواصلته الدبلوماسية النووية بعد انتهاء قمة فيتنام، من دون أن يستطيع الحصول على تنازلات من واشنطن فيما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية المفروضة عليه، وتضيف الصحيفة البريطانية بأن الزعيم الكوري لا يمكنه تحمل المزيد من الخسارة في المفاوضات أمام جنرالاته، إذ إن جونغ-أون لا يريد ضمانات أمريكية فقط، بل يريد أن يعامل كما يجري التعامل مع قادة دول العالم الأخرى.

وعلى الطرف الآخر يبرز ترامب في دعمه لمسار المفاوضات مع بيونغ يانغ محاولته تحقيق إنجاز لم يسبق أن حققه أي رئيس أمريكي سابق، حتى إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما التي حاولت تجنيب واشنطن التدخل في الصراعات الدولية، على عكس إدارة جورج الابن الذي قاد الحرب الأمريكية على العراق عام 2003، وأدخل واشنطن في دوامة من الصراعات بالشرق الأوسط.

اقرأ/ي أيضًا: الرفيق كيم لا يغضب.. يضحك فقط! 

ويطمح ترامب من خلال ذلك للحصول على جائزة نوبل للسلام أولًا، وتحقيق إنجاز في السياسة الخارجية لواشنطن يجعله يدخل الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة بقوة تمكنه من الحفاظ على أربعة أعوام جديدة في البيت الأبيض، قد تساهم بتجاهل التقارير التي تحاول إضعاف إدارته أمام الرأي العام الأمريكي، وتعرقل على المدى القريب مسار الديمقراطيين في الكونغرس الذين يشكلون تحالفًا يضغط باتجاه عزله من الرئاسة.

ترى بيونغ يانغ أن تواجد بومبيو في المحادثات مع واشنطن يعقّد من إمكانية استئنافها، ومنذ قمة فيتنام طالبت بيونغ يانغ أن يتولى شخص "أكثر نضجًا" الحديث معها 

وكان ترامب قد أظهر خلال لقائه مع جونغ-أون في المنطقة منزوعة السلاح بين الكوريتين رغبة في إنجاح المحادثات تمثلت بغياب بولتون عن اللقاء، حيثُ يعرف عن الأخير إفشاله لأي حراك دبلوماسي مع بيونغ يانغ، فيما كان حاضرًا في اللقاء الممثل الخاص للولايات المتحدة بكوريا الشمالية ستيفن بيجون، الذي سبق أن أشارت تقارير صحفية لتصادمه مع بولتون بشأن الملف الكوري الشمالي.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

أمريكا تفوز في حربها مع كوريا الشمالية.. لو تجاهلت روسيا الأمر