12-أكتوبر-2020

دونالد ترامب في البيت الأبيض يوم 10 تشرين الأول/أكتوبر 2020 (صمويل كورم/Getty)

فاجأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العالم في مُنتصف ليلة 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2020 عندما أعلن عن إصابته بفيروس كورونا 2019 المُسبب للمرض المعروف اختصارًا باسم "كوفيد-19". وبعد ظهر ذلك اليوم نُقل ترامب إلى مركز والتر ريد الطبي العسكري الوطني للعلاج، وهو أحد أهم المراكز الطبية العسكرية الأمريكية في العاصمة واشنطن، وسبق أن استضاف العديد من رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية الذين عولجوا فيه. أقام ترامب في المركز الطبي 3 أيامٍ تقريبًا، وخرج منه يوم  5 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، ثم توالت تصريحاته بأنه يشعر بصحةٍ جيدة وبأنَّ الولايات المتحدة تمتلك أدويةٍ لعلاج كورونا. وفي يوم 9 تشرين الأول/أكتوبر 2020 أعلن الطبيب الخاص بالرئيس الأمريكي أنَّ ترامب في حالةٍ صحيةٍ ممتازة ويستطيع العودة لممارسة التزاماته العامة. أدت كل هذه التصريحات وسرعة خروج الرئيس الأمريكي من المركز الطبي وعودته للحياة العامة إلى تساؤلاتٍ كثيرةٍ حول طبيعة العلاج الذي تلقاه الرئيس، وهذا ما ستتناوله هذه المقالة.

تعد متلازمة الشخصية بالغة الأهمية مثالًا واضحًا على التحيز في الطب الذي قد يكون ضرره أكثر من نفعه، بحيث تقدم كل شيء يمكنك فعله حتى لو لم يكن مدعمًا ببياناتٍ علميةٍ موثقة

ذكرت البيانات الطبية حول حالة الرئيس الأمريكي أنها كانت جيدةً في أثناء حجره بالمركز الطبي، وبأنَّ ترامب كان متجاوبًا ومتعاونًا مع الفريق الطبي بشكلٍ جيد، وبأنه عانى من نقصٍ عابرٍ للأكسجين خلال فتراتٍ قصيرة نسبيًا. وحسب الطبيب الشخصي للرئيس، فإنه تلقى الأدوية التالية: ريمديسفير، وميلاتُونين، وزنك، وفاموتيدين، وأسبرين، وفيتامين د، بالإضافة إلى خليطٍ من الأجسام المضادة أحادية النَّسِيْلَة من تصنيع شركة ريجينيرون، وتلقى أخيرًا عقار ديكساميثازون.

اقرأ/ي أيضًا: هل يطوّر جسم مريض كورونا مناعة بعد التعافي من المرض؟

إذا نظرتَ إلى هذا النظام العلاجي بصفتك طبيبًا ودون معرفة المريض، فإنك ستفترض مباشرةً أنَّ هذا الشخص كان على وشك الموت، وأنه غالبًا موصولٌ إلى جهاز تهويةٍ ميكانيكيةٍ لمساعدته على التنفس، وبأنَّ الخيارات العلاجية المُتاحة جميعها استُعملت في وقتٍ واحد لإنقاذ هذا المريض. لكن الأمور لم تكن كذلك في حالة ترامب، فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يكن يُعاني من مضاعفاتٍ خطيرةٍ أصلًا. لذلك دعونا نتفق على حقيقةً مهمة، فلو أصبتُ أنا أو أنت/ي بكوفيد-19، وكان لدينا درجة شدّة مرض الرئيس الأمريكي نفسُها، فليس هناك وسيلةٌ للحصول على النظام العلاجي ذاته الذي تلقاه الرئيس! ولكن، هذا أفضل بكثير، ومن الجيد أننا -لو أصبنا بكوفيد-19، لا قدر الله، لن نحصل على نفس النظام العلاجي.

قد يكون الرئيس الأمريكي ضحيةً لظاهرةٍ موصوفة طبيًا، وتُعرف باسم متلازمة الشخصية بالغة الأهمية (VIP syndrome) وهي ظاهرةٌ طبية يتأثر فيها القرار الطبي باعتباراتٍ غير اعتيادية مثل طبيعة عمل المريض أو مكانته الاجتماعية، أو حتى وجود شخصية هامة مع المريض، وقد وصفت هذه الظاهرة للمرة الأولى بواسطة والتر وينتروب عام 1964. ويذكر أحد كبار أطباء مدرسة طب جامعة ييل، بأنه لاحظ هذه المتلازمة خلال مسيرته المهنية، عندما أُسعفت شخصية بالغة الأهمية إلى المستشفى في أثناء فترة عمله، وكان المريض بحاجةٍ لإزالة أنبوبٍ صدريٍ، فجاء رئيس قسم جراحة القلب والصدر بنفسه لإزالة الأنبوب، مع أنَّ آخر مرةٍ أزال فيها أنبوبًا صدريًا كانت قبل 15 عامًا من تلك الحادثة! والغالب في هذه الحالات أن يُزيل طبيب مقيم الأنبوب الصدري، وهي ممارسةٌ شائعة قد يقوم بها أكثر من 10 مرات يوميًا، ولكن لعبت مكانة الشخصية دورًا في تحديد من يُزيل الأنبوب الصدري، ولما كانت الشخصية بالغة الأهمية أزال رئيس القسم بنفسه الأنبوب. 

ولسخرية القدر فإنَّ الشخصية بالغة الأهمية قد تحصل على رعايةٍ طبيةٍ أسوأ. فتذكر المصادر أنَّ جورج واشنطن، وهو أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية، قد يكون ضحيةً لهذه المتلازمة، فقد أُصيب في 13 كانون الأول/ديسمبر 1799 بنوعٍ من التهاب لسان المزمار البكتيري، وكان عمره آنذاك 67 عامًا. ثم خضع لأربع عملياتٍ جراحية خلال 12 ساعة، والتي كانت تُعد أحدث الممارسات الطبية في ذلك الوقت، ومع ذلك فقد واشنطن 2.5 لتر من الدم، وتوفي مع بداية اليوم التالي، ولكن بعد أن شكر الأطباء على جهودهم. بعد توصيف المتلازمة ظهرت عدَّة دراسات حاولت تفسير ما حدث واعتُبرت المتلازمة عاملًا أفضى إلى الوفاة.

اقرأ/ي أيضًا: فقدان حاسة الشمّ من أعراض الإصابة بفيروس كورونا.. فما خطورة ذلك؟

ليس هناك تفاصيلُ دقيقةٌ حول حالة دونالد ترامب، ولكن لو أنَّ أعراضه كانت طفيفة، فإنَّ الرعاية ستكون موجهةً لتخفيف هذه الأعراض، أما إذا كان يعاني من نقص أكسجة الدم، فإن الستيرويدات قد تستعمل في علاجه بناءً على التجارب، كما يُمكن استعمال الريمديسفير في حال كانت هناك أدلةٌ على تضرر الجهاز التنفسي السفلي. أما خليط الأجسام المضادة، فلا يمكن الحصول عليه إلا عبر ما يُعرف بالاستعمال الرحيم للدواء (Compassionate use)، وهو استعمال دواءٍ غير معتمدٍ بصورةٍ خاصة مختلفةٍ عن التجارب السريرية الجارية للأدوية، بحيث يكون هذا الاستعمال في الحالات التي تعاني من ظروفٍ صحية شديدة أو تكون عرضةً لخطر الوفاة. وأما خليط الأجسام المضادة الذي تلقاه الرئيس الأمريكي، فليس هناك حتى اليوم منشورٌ واحدٌ يدعمه في المرحلة الثانية من مراحل التجارب السريرية، وبالطبع لن يكون هناك أيُ منشوراتٍ لتجارب في المرحلة الثالثة. وكل ما يتوافر حوله هو دراسةٌ واعدةٌ منشورةٌ أُجريت على قرود المكاك.

أما بالنسبة لخليط الأجسام المضادة  لشركة ريجينيرون فإنَّ جميع المعلومات المعروفة عنه تأتي من بيانٍ صحفيٍ يذكر نتائج استعماله على أقل من 300 مريض، ويُظهر أنَّ الحِمل الفيروسي قد انخفض بشكلٍ سريع مع الخليط، خصوصًا في الأشخاص الذين لديهم استجاباتٍ ضعيفة في الأجسام المضادة. ولكن مع هذا العدد القليل من الأشخاص، فإنَّ المخاطر لا زالت موجودة، وخصوصًا أنَّ الأجسام المضادة أحادية النسيلة لها تاريخٌ طويل، حيث قد تؤدي إلى ردود فعلٍ غريبة، مثل التحسس تُجاه المنتج أو التأثير بشكلٍ غير مرغوبٍ فيه وغيرها.

لا تدور متلازمة الشخصية بالغة الأهمية حول العدل في إعطاء الأدوية، فمثلًا لو كان لدينا حبة سحرية لعلاج كوفيد-19 دون آثارٍ جانبية ولكن تكلفتها 10 مليون دولار، فإنه يمكن إعطاءها للرئيس، وذلك على الرغم من أنَّ العديد منّا لا يمكنهم الحصول عليها. حيث أنَّ المتلازمة تركز على مخاطر حصول هذه الشخصيات على أدويةٍ (أو مجموعاتٍ من الأدوية) غير معروفةٍ جيدًا. ويعلم جميع الأطباء أنَّ أساليب الرعاية القياسية هي أفضل الأساليب، ولذلك هي قياسيةٌ ومعتمدة بالأساس! ولكن للأسف، مع الشخصيات المهمة يتم تجاهل أو نسيان هذه الحقيقة الأساسية.

ولكن فعليًا لا يُمكن لوم الأطباء، كون الطبيب لو ساءت حالة الرئيس، فإنه يجب أن يقول بأنه حاول بكل الأساليب، وفعل كل ما يمكنه فعله على الإطلاق. لذلك تعد هذه المتلازمة مثالًا واضحًا على التحيز في الطب الذي قد يكون ضرره أكثر من نفعه، بحيث تقدم كل شيء يمكنك فعله حتى لو لم يكن مدعمًا ببياناتٍ علميةٍ موثقة. مثلًا لو كان لدى الرئيس رد فعلٍ نادرٍ لخليط الأجسام المضادة، أو طور مثلًا استجابةً مناعية ذاتية، فإنَّ الأطباء الذين عالجوه يُمكن أن يحاكموا فعليًا على هذا الأمر! ولكن تحيزنا واضح للغاية لصالح العلاج، لدرجةٍ أنه إذا حدث هذا الأمر النادر، فسوف نتجاهله باعتباره احتمالًا خطرًا يستحق المجازفة في سبيل إنقاذ حياة هذه الشخصية المهمة.

على العموم، من الجيد أحيانًا أن يكون الشخص غير معروفٍ، بحيث يتلقى أساليب العلاج القياسية المعتمدة بعيدًا عن التجارب والتحيزات، وفعليًا قد تتلقى علاجًا أفضل من الرئيس!

ملاحظة: ترجمت عدة أجزاء من هذه المقالة عن هذا الأصل المنشور عبر موقع ميدسكايب الطبي يوم 6 تشرين الأول/أكتوبر 2020، والمكتوب بواسطة الطبيب بيري ويلسون، وهو أستاذ مُساعد في الطب في مدرسة طب جامعة ييل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الإسهال و"الشرية" والصداع.. أعراض غير معروفة لوباء كورونا

ماذا يقول العلم عن نجاعة أدوية "الإيدز" في القضاء على فيروس كورونا؟

الماء والصابون.. السبيل الأفضل للقضاء على فيروس كورونا