08-سبتمبر-2017

تأبى حكاية الأميرة ديانا على الاندثار رغم مرور 20 عامًا على وفاتها (أنور حسين/ Getty)

بعد مرور أكثر من 20 عامًا على وفاتها في حادث سيارة، لا زالت حكاية الأميرة ديانا تشغل حيزًا من تفكير الكثيرين الذين يُحاولون الوصول إلى تفسيرٍ يُرضي فضولهم للحادث الذي أودى بحياتها. عن هذه النقطة تحديدًا يتحدث البروفيسور ديريك أرنولد المتخصص في نظريات المؤامرة؛ عن دور نظريات المؤامرة في إعادة إحياء قصة الأميرة ديانا وجعلها أبية على الاندثار، وذلك في مقال له على موقع "ذا كونفيرزيشن"، ننقله لكم مترجمًا.


بقامتها الفارعة ووجهها الملائكي المشرق ونظراتها الحانية، وبخصلات شعرها الذهبية التي تحوطها كالتاج، وعطفها على الفقراء؛ استطاعت الأميرة ديانا أن تحفر اسمها في قلوب الملايين حتى بعد مرور سنوات على وفاتها. وبمرور الذكرى السنوية العشرين للوفاة المأساوية الصادمة للأميرة في 31 آب/أغسطس، والتي لقيت مصرعها في العاصمة الفرنسية باريس، إثر اصطدام السيارة المرسيدس التي كانت تستقلها، بدعامات أحد الأنفاق بعد منتصف الليل، ما تسبب في مصرعها وصديقها دودي الفايد، وسائقها هنري باول.

رغم وفاتها منذ 20 عامًا، إلا أن الحديث عن الأميرة ديانا ومحاولات تفسير الحادث الذي ماتت فيه لم تتوقف حتى الآن

ومع الانتشار الشريع لخبر الحادث، انتشرت معه أيضًا نظريات مختلفة لأسباب الوفاة، والتي أشارت بعضها إلى وجود مؤامرة ما. فهل تسببت مطاردة مصوري المشاهير لسيارتها في ذعر السائق، ما أدى إلى وقوع الحادث؟ أم اغتالتها العائلة الملكية تجنبًا لإتمام زواج محرج؟

اقرأ/ي أيضًا: اعترافات صادمة للأمير هاري.. مشاكل نفسية إثر وفاة والدته

لاتزال نظريات المؤامرة تلك مستمرة بعد مرور 20 عامًا على الحادث. ولقد درست لسنوات وبحثت في طبيعة نظريات المؤامرة على مدار عقد من الزمن، وأثار اهتمامي على وجه الخصوص دور المنطق في نظريات المؤامرة تلك، وكيف كانت وسيلة لتشويه واختلاق قصص لتفسير الأحداث غير العادية.

يُمكن القول إن خلاصة الأمر هي أنّ الأسباب التي نسوقها بغرض التسلية في إطار نظريات المؤامرة حول المشاهير، سواء كانت أميرة ويلز أو حتى جون كينيدي، غالبًا ما ترتبط بحياتنا أكثر مما تتعلق بحياة هؤلاء الأشخاص.

القصص التي يتداولها الناس

بعد مصرع الأميرة ديانا بفترة وجيزة، بدأت مجموعة من الأطروحات في الانتشار حول مقتلها، تشير إلى مؤامرات حيكت ضدها، إذ افترض البعض أن جهاز المخابرات البريطانية السري (MI6)، قد خطط للحادث من خلال إعماء سائق السيارة عن طريق وميض ضوئي قوي. واستمدت تلك الفكرة من معارضة العائلة الملكية زواج الأميرة ديانا من صديقها دودي الفايد (نجل الملياردير المصري الشهير محمد الفايد)، بينما تطرق البعض للادعاء بأن الأميرة ديانا كانت تحمل طفل دودي الفايد بالفعل في أحشائها.

ارتاب البعض أيضًا من رد فعل نجدة الطوارئ للحادث، إذ جاء النداء الأول لخدمة إسعافات الطوارئ  في الساعة 12 و26 دقيقة بعد منتصف الليل، بينما وصلت الأميرة إلى المستشفى التي تبعد ثلاثة أميالٍ ونصف فقط، في الساعة الثانية وست دقائق بعد منتصف الليل، أي بعد أكثر من 90 دقيقة على وقوع الحادث! والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو هل كان من الممكن إسعافها؟ ولماذا كانت الاستجابة بطيئة جدًا؟

ثَبُت أن معظم هذه النظريات خاطئة وإما مُضللة. ففي عام 2008، وبعد تحقيق مطول، جاء في تقرير الشرطة البريطانية حول "الحادث المأساوي"، أن سائق الأميرة ديانا كان مخمورًا. إلا أن هذا التقرير لم يُنهِ الجدل الثائر حتى هذه اللحظة.

طبيعة نظرية المؤامرة

لقد اكتشفت أن الاعتقاد في نظريات المؤامرة تعدَّى مجرد إنكار قبول عشوائية الحياة ومآسيها، إلى توافر أدلة مادية، أو عدم توافرها. ومما لا شك فيه أن هناك الكثير من المقتنعين بما أطلق عليه الكاتب العلمي مايكل شيرمر، مصطلح "الإعزاء"، أي الميل إلى قولبة الأحداث وفق معانٍ ومقاصد تصب في صالح أناس آخرين، بمعنى إعزاء كل ما يحدث لنا لشخص ما في مكان ما، سواءً قدرة ميتافيزيقية أو متآمرين من البشر!

تنطلق نظريات المؤامرة من 3 معتقدات أساسية هي ألّا شيء يحدث بالصدفة ولا شيء يبدو على حقيقته وأخيرًا حتمية وجود علاقة بين الأحداث

في كتابه "ثقافة المؤامرة: المنظور المُروّع في أمريكا المعاصرة"، قال الكاتب المتخصص في العلوم السياسية، مايكل باركون، إنّ "نظريات المؤامرة عادة ما ترتكز على ثلاثة معتقدات أساسية"، عددها فيما يلي:

أولًا: لا شيء يحدث بالصدفة، لذلك تصبح المكائد المروعة التي يحيكها "الشيطان" أكثر قابلية للتصديق من كونها مجرد حوادث عرضية أو صدف.

ثانيًا: لا شيء يبدو على حقيقته، إذ يخفي المتآمرون الناجحون هوياتهم وأفعالهم، وبالتالي يجب علينا أن نكون حذرين على الدوام، حتى وإن كان هناك أسباب واهية للريبة.

ثالثًا: حتمية وجود علاقة بين الأحداث، على الرغم من حرص المتآمرين على إخفاء أفعالهم، تظهر أنماط هذه الأفعال في كل مكان.

اقرأ/ي أيضًا: عندما تشدقنا بالمؤامرة

رغم ذلك، هناك العديد من نظريات المؤامرة تتعارض بشكل كبير مع مبدأ "نصل أوكام"، وهو مبدأ فلسفي يستند إلى فكرة أنه كلما زادت الافتراضات اللازمة لتفسير لغز ما، سواء كان قانون علميًا أو حتى نظرية مؤامرة؛ انخفضت فعالية هذا التفسير.

صورة لسيارة الأميرة ديانا عقب الحادث (أ.ف.ب)
صورة لسيارة الأميرة ديانا عقب الحادث (أ.ف.ب)

باختصار، ومن خلال إيجاز تفسير نظرية المؤامرة للحادث، فإن العائلة الملكية استخدمت جهاز "MI6" للتسبب في حادث السيارة من خلال إصدار وميض قوي في أحد أنفاق باريس، أثناء محاولة عرضية للهروب من مصوري المشاهير الذين كانوا يطاردون الأميرة ديانا. وللعجب حدث كل ذلك في ظل إخفاءٍ لجميع أشرطة الفيديو التي قد تكون صورت الحادث. ولحدوث ذلك، يجب أن يتوافر مستوى لا يُصدق من التخطيط والتنسيق! مع ذلك، لماذا إذن تأبى مؤامرة مصرع الأميرة ديانا على الاندثار؟

المؤامرة تتغلب على المنطق

تُكسب نظريات المؤامرة الأحداث إثارة وتشويق، فغالبًا ما تنطوي أحداث المؤامرة على أعمال مثيرة، وحبكة معقدة، وشرور غامضة. تمنحنا الدخول في عالم لا نراه في حياتنا اليومية.

إلا أن الدراما المتضمنة في مثل هذه التفسيرات، قد تشوه أفكارنا، ما قد يعيق قدرتنا على التوصل إلى استنتاجات منطقية تُفند نظريات المؤامرة تلك، فقد نعتقد أن الآخرين فقط عرضةً لتصديق مثل هذه "القصص الحمقاء"، ولكن في الواقع قد نقتنع بها نحن أيضًا.

توصلت دراسة أجريت عام 2008 إلى أن مجموعة من الطلاب كانوا على قدر كاف من التأكد من أن زملائهم في الفصل، قد تأثروا بنظريات المؤامرة المتعلقة بوفاة الأميرة ديانا، إلا أنهم بالغوا في تقدير قدرتهم على مقاومة تصديق مثل هذه النظريات.

في ظل السعي الحثيث للحصول على مشاهدات أكثر، أصبح نشر القصص الغريبة أمرًا سهلًا لجذب الجماهير بغض النظر عن التدقيق في صحتها

كما أن الدورة الإخبارية على مدار 24 ساعة في اليوم، تفتح الباب واسعًا أمام التفكير التآمري، ففي الأوساط الصحفية قد يؤدي الصراع على أسبقية نشر القصة الصحفية إلى نشوء ثغرات أو أخطاء في التقارير الصحفية. كما أننا قد ننسى أن القارئ وما يُعرَض عليه من قصص متعددة، وخاصة الأخبار العاجلة، تساهم في تنمية مثل هذه الأطروحات. فقد يستغرق الأمر شهورًا أو حتى سنوات، لمعرفة القصة كاملة.

اقرأ/ي أيضًا: فيديو: أصول يوم الكذب العالمي!

يستغل الجمهور تلك الثغرات أو التناقضات في ملء الفراغات التي تمثل ألغاز في قصتهم التآمرية. فعلى سبيل المثال، اكتشف باحثان في جامعة آيوا، أن الصحفيين، وعلى الأخص الفاعلين على وسائل التواصل الاجتماعي، قد ارتكبوا أخطاء تتعلق بخبر إطلاق النار في مدرسة سانداي هوك الابتدائية عام 2012، في ظل العجلة والفوضى، أصبحت من بين الأخبار العاجلة التي تناقلتها وسائل الإعلام المختلفة. ما أدى إلى بروز روايات متعددة، ساهمت في تنامي نظريات المؤامرة وانتشارها.

وجدير بالذكر، أن القصص التي لم تملأ صحفنا أو نشرات الأخبار المسائية أصبحت من الماضي الآن، فقد وجدت ملجئًا جيدًا في المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي. ففي ظل السعي الحثيث للحصول على حصة كثيفة من المشاهدات، أصبح نشر القصص الغريبة أمرًا سهلًا لجذب الجماهير، بغض النظر عن مدى تشبعها بنظريات المؤامرة أو المعلومات غير الموثقة.

الحياة ليست منطقية

ربما يكون السبب الأكبر الذي نعتمد عليه في تصديق نظريات المؤامرة، هو فناؤنا، أو بمعنى أدق، الحاجة للمعنى في حياتنا، أو المغزى من وجودنا.

وأظهرت الدراسات أن الكثيرين منا يشعرون بمحدودية سيطرتنا على حياتنا، وهو ما يقود إلى ما يُسمى "اللامعيارية"، وهو نوع من عدم الشعور بالطمأنينة يجعلنا نرى العالم بمثابة عدو يقف جنبًا إلى جنب مع باقي الناس والأنظمة للقضاء علينا.

تفسير أي مأساة بنظريات المؤامرة يعطي إحساسًا بالراحة، لأنه يُعزز من الشعور بمعنى لحياتنا ووجودنا!

بالتالي عندما نفسر أي مأساة من خلال منظور المؤامرة، سوف نشعر براحة غريبة. كما قد تنأى بنا بعض التفاصيل الدقيقة ورتوش المنطق إلى عالم من محاولة "ربط الأحداث ببعضها"، وخلق عالم ذو شقين فقط: أسود وأبيض، عالم ينقسم إلى شر مطلق وخير مُطلق. وهو ما قد يغير رؤيتنا للعالم. فكل شيء يمكن تفسيره بهذه الطريقة.

اقرأ/ي أيضًا: عن معنى الحياة

إن التفكير ببساطة في موت الاميرة ديانا، كحادث مأساوي، يشعرنا بعدم السيطرة على مصائرنا. وبغض النظر عن مدى منطقية الفوضى التي تحيط بتفاصيل نظرية المؤامرة، فإن ذلك يقلل من إحساسنا بقيمتنا ومكانا في العالم، فالحاجة إلى المؤامر رغبة إنسانية يحفزها الخيال وتدعمها الفطرة الحائرة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"The Crown".. ملحمة تلفزيونية تكشف أسرار العائلة الملكية

الإعلام التونسي ونظرية "المؤامرة" العربية