01-ديسمبر-2015

تسيطر نظرية المؤامرة على المشهد العربي(خالد دسوقي/أ.ف.ب)

قديمًا وفي قلب الحارات الشعبية، كانت المرأة التي يعاني ابنها تخلفًا دراسيًا أو فشلًا مقارنة بأقرانه، كانت دائمًا تتغنى أمام باقي النساء بأن ابنها "المحروس" محسود وقد يكون الابن لا يحظى بأي شيء يُحسد عليه، لكن يعتبر ذلك مبررًا كافيًا لفشل الابن. أما إن حاولت معلمة الابن شرح المشكل لأم "المحروس" وتوضيح سبب تأخره، فللأسف تبقى الأم على حالها، تهذي بـ"الحسد"، بل وقد تتهم طاقم التدريس باضطهاد ابنها حتى لا يكمل تعليمه رغم إجماع الكل على مشاكل ابنها التلميذ.

صارت "المؤامرات الكونية" منهجًا للرد على كل من يجرؤ على اتهام دولنا العربية 

كبر الابن وتربت الأجيال على ذلك المنهج، وأصبح مبرر الأمس منهجًا أكاديميًا للرد على كل من يجرؤ على اتهام دولنا العربية "المحروسة" بأنها دول من العالم الثالث أو أنها مجرد "عزب" لعائلات أو مؤسسات أو حتى لأفراد، أو أن العالم لا يكترث لنا أصلًا، بل يبقى في مخيلة من حالفه الحظ ولم يقم بزيارة دولنا، التي يتآمر عليها الكون، أننا حفنة من البلهاء يمتطون الجمال في الصحاري الحارة.

ينطلق منهج "المؤامرات الكونية"، الأكاديمي الرسمي، منذ نعومة أظافر الأطفال بالمقررات الدراسية وبمادة التاريخ والتي تحفل بل وتفيض بالمُهاترات بداية بفخر زائف بحضارة انقطعت عنا ملامحها منذ أكثر من سبعة آلاف عام وبكاء على أطلال الفتوحات العربية بنظرة أحادية تصورها دائمًا جيوشًا من الملائكة والقديسين يمتطون الأرض، تفر منهم الجيوش البربرية الهمجية، يحملهم أهالي المناطق "المفتوحة" طربًا بالفتح المجيد، وبأن الملاحدة والسكارى في أحد حفلات العربدة قرروا غزو أراضينا للتنكيل بنا بغزوات الصليبيين الغاشمة دون إقرار بأنها حركة طبيعية من المد والجزر الحضاري والتي تحفل بها القرون الوسطى.

فكما وصلنا لحصار القسطنطينية شرقًا ونازعنا الفرنجة غربًا على حكم وسط وجنوب فرنسا بل وكان لا يفصلنا سوى أميال قليلة عن روما، معقل الكاثوليكية، بعد انتزاعنا لصقلية وسردينيا في بعض الأوقات، كان من الطبيعي أن يقوم سكان شمال المتوسط، مسيحيو أوروبا، بالرد والانتقام بما لحق ببلدانهم، وإن كان بنزعة دينية وهي من سمات القرون الوسطى وإن كان البعض أسيرها إلى حد الآن.

ويستمر تقوقعنا على أنفسنا ونظرتنا المرتجفة لكل ما هو أجنبي، دون أن نعي بأن سقوطنا من سنة الحياة يعود لكوننا أمة امتطاها الجهل. ولكن ما يثير التعجب حقًا ويستحق دراسة علماء النفس، هو إيمان البعض العميق بأن الغرب أو الولايات المتحدة على وجه الخصوص، هي معقل الشيطان الأعظم. فكل قرار هو حرب علينا وكل خطأ قد تقع فيه ما هو إلا مناورة للاستخفاف بنا، بل وكل مكروه قد يصيبها ما هو إلا مؤامرة للنيل منا، وكأنها إله لا يسهو ولا يخطئ. والأغرب أننا نرفع على أكتافنا كل من يسب ذلك الشيطان المدعو "أمريكا" وإن كان في إطار هذيان وشعارات لا تتجاوز المؤثرات الصوتية أو "البروباجندا" قصد الزعامة لا أكثر، بل يجب علينا أن نحمله لأنه تحدى إله الشر وأن نسامحه إن تسبب بعبثه بمقتل آلاف من أبنائنا لأنه كان ذو قلب طيب تحدى أحد الآلهة في إلياذة إغريقية تصنع مُبكيات تكفينا أدبًا لقرون.

لم نفهم بعد أن سقوط الدول العربية يعود لكوننا أمة امتطاها الجهل 

علينا أن نتعافى من هلوسة المؤامرات وأن نقر بأننا لسنا سوى دول من العالم الثالث بل وبعض دولنا ليست سوى ديكتاتوريات لا تقارن سوى ببعض الدول الإفريقية من حيث الفشل والجهل بل وقوة القانون والعدالة وإن كانت بعض الدول الإفريقية متفوقة علينا في هذه المسائل. علينا أن نقر بأن العالم لا يكترث لنا كشعوب من "الهمج" وفاقدي الحضارة بل فقط يكترث بما لدينا من نفط وغاز وحفنة من المستهلكين لمنتجاته وكفى. نحن حقًا عبء على العالم وقبل أن يستهل بعضنا في السباب وهذا ما نجيده أو ما تبقى لدينا، عليه أن يسير في شوارعنا لعله يجيب عن سؤالنا المُلح هل يستحق هؤلاء القوم مؤامرة دولية وإن كانت من "مخابرات بوركينا فاسو" للقضاء عليهم والنيل منهم ومن ثقافتهم ودينهم؟

إننا لا نعيش سوى وهمًا كاذب نتغنى بأمجاد الأجداد وأجدادنا لأكثر من سبعة قرون لم يذكرهم التاريخ سوى بالجهل والبدائية مقارنة بباقي الأمم، إنني حقًا أتعجب حين أرى بعض حكوماتنا الفاسدة تنهار بعد أن أذاقت أهلها الويلات بينما البعض يتباكى ويتحجج بالمؤامرات والمخابرات، بل حين يحدث في دولة ما اختراق أمني أو مصيبة من مصائب الطبيعة، تبدأ الإذاعات ومحطات التفاز بالتباكي، بل وحينما يتحدى بعض المتشددين ويظنون أنهم باستهدافهم الغرب ومصالحه قد يسقطون تلك القوى الإمبريالية، كما سقطت إمبراطوريات الروم والفرس في سنة السلف، ندعي أنهم من صنع الغرب وبأن الغرب هو المذنب لأنه سمح لهم بالظهور وعليه لإثبات براءته منهم، أن يحارب لإسقاطهم، رغم أن تلك التنظيمات نشأت وترعرت في أحضان دولنا العربية وتربت على كراهية الغرب.

أيها السادة، من واجبنا أن نعترف بأن جهلنا هو سر تخلفنا عن بقية الأمم، علينا أن نفهم أن الشعارات لن تزيدنا سوى مزيدًا من سخرية الأمم. الغرب ليسوا ملائكة مرسلين بالعلم والتحضر ولكن، حتى الآن، نحن أمام العالم بلا قيمة تذكر، فحتى العولمة نرتجف من مجرد ذكرها وقد فشلنا في فرض هويتنا. سؤالي لكل من يدعي أن المؤامرات الكونية هي سر تخلفنا، ما الذي سيخسره العالم إن تخلى عن شعوبنا ودولنا وكل ما يتعلق بنا؟ إن كان ردك أن لم تجد شيئًا يمكن البكاء من أجله سوى بعض الموارد النفطية، فيكفيك قول "وا أسفاه".

اقرأ/ي أيضًا: 

الشارع السوداني لإعلامه.. أين المؤامرة؟!

ألا يخيفكم هذا العالم؟