27-مارس-2019

دخل اللبنانيون العاملون في الإمارات مرحلة جديدة من الانتهاكات بحقهم والتنكيل بهم (رويترز)

بناءً على معلومات تحصلت عليها، ومن خلال تواصلها مع أقارب لهم، أكدّت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية،  أن السلطات الإماراتية تحتجز ثمانية لبنانين في مكان مجهول وفي ظروف إنسانية صعبة، بعد اتهامهم بتأليف خلية إرهابية تابعة لحزب الله، بحسب القاضي العام في الإمارات، بالإضافة إلى جمع معلومات أمنية وحسّاسة لصالح الإيرانيين.

بعد عاصفة الترحيل والإبعاد بدون أي مسوغات قانونية أو تعويضات، يبدو أن اللبنانيين العاملين في الإمارات قد دخلوا في مرحلة جديدة من التنكيل بمصائرهم

يضاف الموقوفون الثمانية المشار إليهم، إلى الموقوفين الثلاثة علي المبدر، عبدالله عبد الله وأحمد مكاوي، المسجونين في الإمارات منذ العام 2015، بسبب تهم مشابهة. وقد سرّب تسجيل صوتي لمكاوي في تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، يكشف فيه الطريقة الوحشية التي يتم تعذيبه بها، ويطالب السلطات اللبنانية بالتدخل. وقد فشلت كل جهود وزارة الخارجية اللبنانية، والسفارة اللبنانية في أبوظبي في الكشف عن مصير اللبنانيين الـ11، فيما لا تزال السلطات الإماراتية تماطل في الرد على مراسلات الديبلوماسية اللبنانية، بحجة عدم وجود إتفاقية موقعة بين البلدين لمتابعة الحوادث المشابهة.

اقرأ/ي أيضًا: الأسوشيتد برس: اغتصاب وابتزاز جنسي في سجون الإمارات في اليمن

وفي ظل مماطلة السلطات الإماراتية، وتقصير الدولة اللبنانية في القيام في واجباتها، ومتابعة شؤون مواطنيها في الخارج بشكل جدي، في الوقت الذي يتفاخر فيه المسؤولون اللبنانيون ويتباهون بعلاقاتهم مع القادة الإماراتيين بدون أن يقدموا أية مساعدة جدية، لجأ أهالي الموقوفين الثمانية إلى فتح قنوات تواصل مع المنظمات الحقوقية الدولية المختصة، لتسليط الضوء على قضية أبنائهم، ولوضعها في مسارها الحقوقي الصحيح، تحت سقف القوانين الدولية ومراعاة شرعية حقوق الإنسان فيما يخص التعامل مع الموقوفين.

اللبنانيون في الإمارات يدفعون ثمن الانقسام الداخلي

بعد الانقسام السياسي الحاد الذي شهده لبنان ابتداءً من العام 2005، وازدياد نفوذ حزب الله الداخلي والإقليمي، بدأت ظاهرة إبعاد المواطنين اللبنانيين من بعض الدول الخليجية بتهم التخابر مع حزب الله. وقد رحّلت الإمارات لوحدها آلاف العائلات اللبنانية، وهي شيعية بمعظمها، بعد توجيه التهم إليها بدعم حزب الله أو العمل لصالحه، وهي تهم عرفية لم تكن تقبل أي نقض، ولم يكن يتاح لهذه العائلات فرصة التبرير أو الدفاع عن نفسها. وقد كان يتم إبلاغ الأفراد والعائلات بضرورة حزم أغراضهم ومغادرة البلاد بأسرع وقت ممكن، بدون الحصول على أية تعويضات، فيما تتم مصادرة ممتلكاتهم وسياراتهم بعد أن تضع الدولة اليد عليها.

ولا ترتكز هذه التهم في أغلب الحالات على أدلة وقرائن مثبتة، بل إنها لا تتعدى في بعض الحالات مراقبة حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي كفيسبوك وواتساب، والتدقيق عل حالات الإعجاب والتعليقات التي يضعونها، والحكم من خلال ذلك على انتمائهم وتوجهاتهم، كما تمّ ترحيل بعض العائلات بسبب وجود صلة قرابة بينها وبين مسؤولين في الحزب.

ويتخذ اللبنانيون الذين يعملون في الإمارات إجراءات احترازية كي لا يلقوا مصير الذين سبقوهم، ويعزفون عن المشاركة في العديد من النشاطات كي لا يؤثر ذلك عليهم، كما أنهم ينتقون بدقة ما يشاهدونه على التلفاز وعلى الإنترنت، ويستمر هذا الحذر حتى خلال إجازاتهم ورحلاتهم إلى لبنان.

وبالرغم من أن معظم حالات الإبعاد هي منافية لقوانين العمل ولم يحصل فيها المبعدون على حقوقهم، فإن الدولة اللبنانية تقف مكتوفة الأيدي، ولا تقوم بأية إجراءات لحماية مصالح مواطنيها، فتجد هذه العائلات نفسها في مهب الريح بعدما خسرت كل شيء، فيما يغرق لبنان في مشاكله الاقتصادية فيصبح معها بدء حياة جديدة من الصفر، أمرًا بالغ الصعوبة.

اقرأ/ي أيضًا: سجناء يمنيون يضربون عن الطعام في سجون الإمارات.. محاولة أخيرة للنجاة!

بعد عاصفة الترحيل والإبعاد بدون أي مسوغات قانونية أو تعويضات، يبدو أن اللبنانيين العاملين في الإمارات قد دخلوا في مرحلة جديدة، في ظل غياب المعايير القانونية الواضحة، وفي ظل تقاعس الدولة اللبنانية عن القيام بدورها. كما أن السكوت عن اختفاء اللبنانيين الـ11 في ظروف غامضة، وعدم السماح للمنظمات المختصة بالوصول إليهم وتقصي حقيقة الأمر، قد يؤدي إلى تفاقم هذه الظاهرة في المستقبل.

يتخذ اللبنانيون الذين يعملون في الإمارات إجراءات احترازية كي لا يلقوا مصير الذين سبقوهم، كما أنهم ينتقون بدقة ما يشاهدونه على التلفاز وعلى الإنترنت خوفًا من المراقبة

لأية دولة، ومنها الإمارات، الحق بالقيام بالتدابير التي تراها مناسبة لحماية أمنها القومي، غير أنه لا يحق لها تحت أي ظرف، كما يرى متابعون، احتجاز حرية مواطنين بدون أن يحصلوا على أبسط حقوقهم، كالتواصل مع ذويهم ووضعهم في صورة ما يحدث، والحصول على محاكمات عادلة وعلنية تتيح لهم الدفاع عن أنفسهم. كذلك لا بد من إعادة النظر بقانون العمل، فلا يذهب تعب وشقاء سنوات طويلة من العمل والغربة والشقاء هباء، وبسبب اتهامات غير مبنية على وقائع جدية بالضرورة. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

لبنان والبطالة.. هل من حل في الأفق؟

هل صحافة بيروت في موت غير معلن؟