21-أكتوبر-2023
الدمار في قطاع غزة

وجد عددٌ من الأمريكيين الفلسطينيين أنفسهم محاصرين في غزة بعد الحصار المطبق الذي فرضه الاحتلال (Getty)

هذا المقال مترجم عن صحيفة "واشنطن بوست".


يقف مراهق في وسط المستشفى وجسمه مغطىً بالدماء. خده مضمد. يدٌ واحدة ملفوفة بالشاش، بينما يحمل في اليد الأخرى جواز سفره الأمريكي، ويتساءل: "أين هذه الدولة التي يجب أن تحميني؟"، في مقطع فيديو سجّله في مستشفى غزة هذا الأسبوع، ونشره على إنستغرام. ويضيف: "انظروا إلي، لقد تعرضت للقصف".

يوسف أبو شعبان البالغ من العمر 18 عامًا هو واحد من 400 أمريكي على الأقل محاصرين في قطاع غزة من قِبل "إسرائيل" التي تقطع إمدادات الغذاء والماء والوقود والدواء عن أكثر من مليوني شخص، وسط قصف جوي لا هوادة فيه. كما يقول تقرير لصحيفة "الواشنطن بوست".

يزداد يأس الأمريكيين الفلسطينيين المحاصرين في غزة في ظل استمرار الحصار المطبق الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي على القطاع

ومع ازدياد الأوضاع سوءًا في قطاع غزة، يجد عددُ من الأمريكيين أنفسهم محاصرين داخل القطاع، بعد أن أغلقت "إسرائيل" معابرها مع غزة بعد عملية "طوفان الأقصى"، ومن المتوقع أن يكون هناك هجومًا بريًا من قبل القوات الإسرائيلية قريبًا.

ويوم الأربعاء، بعد الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى تل أبيب، قال للصحفيين: "نأمل أن نتمكن من إخراج بعض الأمريكيين من غزة"، دون أن يقدم المزيد من التفاصيل. وفي الوقت نفسه، تتمثل أولوية مصر في إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة من معبر رفح الحدودي، وليس إخراج الرعايا الأجانب.

بالنسبة لعائلة يوسف، كانت هذه الآمال متأخرة جدًا، فقد قتلت أخته الصغرى جود، البالغة من العمر 14 عامًا، في الغارة الجوية التي ألحقت أضرارًا بمنزل الأسرة في مدينة غزة، كما قال ابن عم يوسف، بهجت أبو شعبان، الذي يعيش في ميشيغان.

وأصيب والد يوسف، ويدعى عبد العزيز، بجروح خطيرة في القصف. وقال بهجت، الذي يتلقى الأخبار من أفراد الأسرة الآخرين، إن الأطباء قالوا إنهم غير متأكدين من قدرتهم على إجراء العملية الجراحية اللازمة لإنقاذ ذراع يوسف الذي ولد في ميشيغان، ودرس والده في جامعة ميشيغان الغربية، وعمل في الولاية لعدة سنوات.

وفي مقطع فيديو آخر تم تسجيله في المستشفى، يقول يوسف إنه شعر بالتخلي عنه من قبل حكومة الولايات المتحدة الأمريكية: "ماذا فعلنا لنستحق هذا؟.. نحن مدنيون، الجميع هنا مدنيون."

بالإضافة إلى مئات الأمريكيين الذين كانوا في غزة عندما بدأت "إسرائيل" عدوانها، يوجد أيضًا عدد غير معروف من المواطنين الأمريكيين من بين 200 شخص تحتجزهم "حركة حماس" بعد عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. وكانت "كتائب القسام" قد أطلقت محتجزتين أمريكيتين، هما جوديث وناتالي رانان (أم وابنتها) من ولاية إلينوي، يوم الجمعة.

ويزداد يأس الأمريكيين الفلسطينيين المحاصرين في غزة، حيث غادر الكثير منهم الولايات المتحدة معتقدين أنها ستكون رحلة قصيرة فقط، لكنهم وجدوا أنفسهم في خضم حرب.

في أواخر أيلول/ سبتمبر، سافر هشام قاعود، البالغ من العمر 55 عامًا، إلى غزة مع ثلاثة من إخوته وابن أخيه أمير البالغ من العمر 20 عامًا. الخمسة مواطنون أمريكيون؛ لم يخرج أمير من الولايات المتحدة قبل هذه الرحلة. قالت زوجة هشام، هيفاء، إنه كان من المفترض أن يبقوا لمدة أسبوعين، وكانوا يتطلعون إلى قضاء بعض الوقت على الشاطئ.

كل صباح، تجهز هيفاء ابنتها البالغة من العمر 8 سنوات للمدرسة في منزلهم خارج دالاس. ثم تنتظر المكالمة التي ستثبت أن زوجها لا يزال على قيد الحياة. عندما يتصل هشام، تسأله عما إذا كان يأكل وينام، وتخبره أن يبقى في أمان.

يوم الأربعاء، أخبرها هشام أنه كانت هناك غارة جوية بالقرب من المنزل الذي يقيم فيه هو وإخوته. قال هشام إنه خائف من عدم رؤية أطفاله مرة أخرى. أخبرته هيفاء، البالغة من العمر 53 عامًا، أن يصمد، قائلةً: "استمر في الانتظار والأمل، يجب أن تعود إلى المنزل".

مثل العديد من الأمريكيين الآخرين في غزة، انتقل هشام وعائلته نحو جنوب القطاع بسبب طلبات الإخلاء من قبل "إسرائيل"، أو ليكونوا أقرب إلى معبر رفح الحدودي مع مصر، خلال الأسبوع الماضي. فيما أخبرت وزارة الخارجية الأمريكية المواطنين الأمريكيين في غزة مرتين على الأقل أن المعبر قد يفتح، مما قد يسمح لهم بالمغادرة. لكن المعبر ظل مغلقًا.

أما عبود عوكل البالغ من العمر 36 عامًا، وزجته وفاء أبو زايدة البالغة من العمر 29عامًا، واللذان يعيشان خارج بوسطن، فهما محاصران مع ابنهما يوسف البالغ من العمر عامًا واحدًا منذ بداية العدوان.

لقد تحركا جنوبًا ليكونا أقرب إلى معبر رفح، لكن "إسرائيل" واصلت شن غارات جوية في المنطقة. كما اضطرا إلى شرب المياه المالحة في بعض الأحيان، مع نفاذ مياه الطهي.

يعترف عوكل للصحيفة الأمريكية: "نحن خائفون للغاية على حياتنا"، بعد دقائق من وقوع غارة جوية في مكان قريب لدرجة أن النوافذ تحطمت في المنزل الذي يقيمون فيه، ويضيف: "لا يوجد مكان آمن للذهاب إليه، ولا توجد خطة إخلاء في الأفق".

يقول بهجت ابن عم المراهق الأمريكي الذي أصيب: "ذهب يوسف أيضًا إلى رفح، وبقي هناك لعدة أيام. عندما لم يفتح المعبر، عادت عائلته إلى مدينة غزة".

يقول المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر إنه لا يمكنه: "التعليق على الحالات الفردية بسبب اعتبارات الخصوصية". ويضيف: "يتم توفير أفضل المعلومات التي لديها للمواطنين الأمريكيين في هذا الوضع الصعب".

بدوره، أشار الرئيس بايدن، أمس الجمعة، إلى أنه تلقى: "التزامًا من إسرائيل ومصر بأن معبر رفح (بين مصر وغزة) سيفتح، ربما في غضون 24 إلى 48 ساعة القادمة، وسيسمح لقافلة مساعدات أولية مكونة من 20 شاحنة بالدخول".

وجد عددٌ من الأمريكيين الفلسطينيين أنفسهم محاصرين في قطاع غزة بعد الحصار المطبق الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي على القطاع عقب عملية "طوفان الأقصى"

وفي إحاطة صحفية، يوم الخميس، قال ميلر: "إذا كانت بوابة رفح مفتوحة للسماح بدخول المساعدات الإنسانية، فسنحاول إخراج المواطنين الأمريكيين الموجودين في غزة الذين يرغبون في المغادرة".

لكن المفاوضات مشحونة. تقوم "إسرائيل" ومصر والأمم المتحدة بوضع اللمسات الأخيرة على عملية للتحقق من أن الشاحنات التي تذهب إلى غزة تحتوي على إمدادات إنسانية فقط. كما يتحدث خبراء عن أن مصر تريد أيضًا تأكيدات بأن "إسرائيل" لن تقصف المعبر.

يعتبر الزميل في "معهد كارنيجي للسلام الدولي" في واشنطن، وهو عضو سابق في البرلمان المصري، عمرو حمزاوي، أن "الأمريكيين وغيرهم من الرعايا الأجانب أصبحوا ورقة مساومة، ببساطة لأن إسرائيل، وهي القوة المحتلة، لا تقدم ما هو مطلوب تقديمه".